تعاملت مجموعة من القنوات التلفزيونية الفرنسية، هذه الأيام، بمهنية عالية وبدرجة كبيرة من الموضوعية والتوازن مع حركة “السترات الصفراء” التي ظهرت كرد فعل على سياسة حكومية متبعة في المجال الاقتصادي، ونزلت بثقلها المجحف على فئات عريضة من الشعب، حيث غطّت تلك القنوات مظاهرات الحركة الاحتجاجية، وعرضت مطالبها، وحاورت بعض رموزها، لكن من غير أن تظهر بمظهر المنحاز لها. ومن ثم، نقلت الأجواء السلبية التي رافقت المظاهرات من احتكاكات بين المتظاهرين ورجال الأمن وتخريب لبعض المنشآت والممتلكات الخاصة والعامّة، وأتاحت الاستماع للرواية الرسمية للأحداث.
بيد أن بعض القنوات العربية نسيت أو تتناست أن بيوتها من زجاج، فصارت تتعاطى مع الأحداث الجارية حاليا في فرنسا بمنطق خاص، إذ لم تكتف بالخبر الحيادي أو بالتحليل الرصين للحركات الاحتجاجية، وإنما وجدتها فرصة سانحة للتشفي من فرنسا، والشروع في إعطائها الدروس تلو الدروس. فهذا “محلل” تلفزيوني ينتقد سلوك الشرطة الفرنسية المتمثل في انسحابها من مواجهة المتظاهرين، وذاك يعاتب حكومة باريس على “ارتكاب خطأ كبير” برضوخها لجزء من طلبات حركة “السترات الصفراء”، ويستغرب التعامل مع حركة “مجهولة القيادة”، ويتساءل: “من هؤلاء؟”، على غرار مقولة معمر القذافي التي صارت شعارا للعديد من المسؤولين العرب المتخلفين.
ووجدنا محللا آخر يبتكر مصطلح “كرة الثلج الاحتجاجية” التي تحولت معها فرنسا ـ في نظره ـ إلى ما يشبه ساحة حرب، ويصف تعامل الشرطة مع المحتجين بـ”الوحشية”، قائلا إن فرنسا انتقلت من بلد النور إلى مكان مظلم لا تنيره سوى نيران الحرائق!
قد يقول قائل إن عمل القنوات العربية المتمثل في نقل تلك الأخبار والتعليق عليها يندرج ضمن “الواجب المهني” وحرية الرأي والتعبير، ولكن زاوية معالجة موضوع الساعة تُشتمُّ منها نية مبيتة في الشماتة بفرنسا، وقد وجدنا هذا العجب العجاب في قنوات مصرية وسعودية تحديدا، وهما دولتان لهما سجل حافل بقمع أية حركة احتجاجية ولو كانت سلمية بسيطة واعتقال المعارضين وتعذيبهم والزج بهم في غياهب السجون.
فكيف تكون تلك القنوات جريئة في انتقادها الأوضاع الجارية في باريس، ولكنها تصاب بالعمى والصمم والخرس، حين يتعلق الأمر بما يجري في بلدانها هي؟ بيوتها من زجاج، وترمي بيوت الآخرين بالحجارة! والقائمون على تلك التلفزيونات ـ في معظمهم ـ مجرد “أراجوزات” يأتمرون بأمر مَن يحركونهم، ولا يدور في خلدهم أبدًا أن الإعلامي مطالب بالحفاظ مسافة بينه وبين أصحاب القرار، من منطلق الإيمان بحق المواطن في الخبر.
لا يمكن ـ ولا حتى في الأحلام ـ أن نتخيل التلفزيون المصري يقوم بتغطية مظاهرة ما يقوم بها مواطنون مصريون، مطالبين بتحسين الأوضاع الاجتماعية والحقوقية والسياسية.
أما أن نتخيل إنجاز التلفزيون السعودي لتقرير حول وقفة احتجاج عن مقتل جمال خاشقجي أو وقفة مطالبة بالإفراج عن المعتقلين من الإعلاميين والدعاة والمعارضين… فذلك من رابع المستحيلات.
فلا رواية إلا رواية الرئيس وولي العهد في البلدين معا!
نفور أم ترحيب بابن سلمان؟
سبقت زيارة ولي عهد السعودية إلى الجزائر نقاشات مختلفة في عدد من القنوات الجزائرية، ويمكن تلخيص تلك النقاشات بين اتجاهين: اتجاه مرحب بالزيارة، متوقعا أن تتقاطر معها ملايير الدولارات على الاقتصاد الجزائري، وأن تنتقل المشاريع الاستثمارية من إعلان النيات إلى التجسيد العملي؛ واتجاه آخر رافض لأي تقارب مع السعودية معقل “الوهابية” التي أسالت دماء كثيرة في أكثر من بلد عربي، بسبب فهم متشدد للدين الإسلامي.
وأدلت قناة “فرانس 24” بدلوها في الموضوع، حيث خصصت برنامجها “وجها لوجه” لموضوع خفايا زيارة ولي العهد السعودي للجزائر. أحد المتحدثين تطرق إلى التوقيت غير الجيد للزيارة، كونها تأتي بعد اغتيال الكاتب الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي، وكون النظام السعودي لا يحظى بسمعة طيبة لدى الشعب الجزائري، لعدم احترامه لحقوق الإنسان وعدم اعترافه بالتعددية السياسية والفكرية وتسببه في مآس لدى الشعب اليمني، ومن ثم فمجيئه للجزائر كان فقط من أجل تلميع صورته ليس إلا، وصاح المتحدث قائلا: نحن لا ناقة لنا ولا جمل مع السعودية. ورأى متحدث آخر في عدم استقبال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولي العهد السعودي رسالة مبطنة، مفادها أن هذا الأخير غير مرحب به في بلد المليون شهيد.
سياسة “الكاميرا شاعلة”
تحاول الحكومة المغربية أن تجعل الإعلام السمعي البصري مطية لتلميع صورتها، وإيهام الرأي العام بكونها تنفذ عدة ورش. وهكذا لا يخلو التلفزيون الرسمي هذه الأيام من تقارير إخبارية ـ وهي في الحقيقة ترويجية ـ عن الحملات الطبية التي تقام في عدد من المدن والأرياف البعيدة لفائدة المعوزين والشيوخ والنساء الحوامل.
مكمن الغرابة والمؤاخذة في تلك الحملات يتجلى في ثلاثة عناصر:
أولها، أنها تشكل إدانة للحكومة نفسها ولما سبقها من حكومات أخرى، إذ تعطي رسالة مفادها أن المغرب خلال أكثر من 60 سنة على استقلاله، لم يستطع أن يؤمّن التغطية الصحية لكافة المواطنين.
وثانيها، أن بثَّ التقارير الصحفية عن الحملات الطيبة يُظهر أن الحكومة تمنُّ على المواطنين المحتاجين بالفحص والعلاج والدواء، والحال أن الأمر يندرج ضمن الواجب المفروض عليها.
وثالثها، أن حديث التقارير التلفزيونية عن “الحملات” يفيد أن الأمر يتعلق بنشاط موسمي فقط، وليس بعمل قار على امتداد العام بكامله. وهو المنطق الذي يتعامل به المسؤولون المغاربة دائما: حملات النظافة، حملات التلقيح، حملات القفة الرمضانية… منطق البهرجة الإعلامية والكرنفالات والتركيز على الشكل وإغفال الجوهر، وهو ما يتجسد عبر الأغنية الشعبية الشهيرة “قولوا العام زين”.
نستحضر في هذا المضمار تلك الفقرات الطريفة الدالة التي كان يقدمها الثنائي المغربي الساخر “بزيز وباز”، وعنوانها الأبرز “الكاميرا شاعلة”، حيث يتقمص أحد الفكاهيين دور الصحافي الحامل للكاميرا، فيما يلعب الثاني دور المواطن. قبل طرح السؤال وتشغيل الكاميرا، تكثر الانتقادات على لسان المواطن. لكن كلامه يتغير رأسا على عقب حين يوجه للصحافي السؤال التالي: “واش الكاميرا شاعلة؟” (هل هي مشغّلة؟)… وهات يا مديح في الحكومة وإشادة بالأوضاع الاجتماعية والسياسية!
كاتب إعلامي من المغرب
لايوجد اعلام حقيقى فيما يسمى بالدول العربية لسبب بسيط انة لايوجد شيئ مستقل وحر…بدءا من المواطن ومرورا بالمؤسسات وانتهاءا بحاويات النفايات فى الشوراع ….لاشيئ مستقل وحر !!!
من المضحك أن نقارن بين من صنعوا الحضارة و من هم أصلا خارج الحضارة الانسانية……!!
” هل يجوز ” مقارنة………. الظلام بالنور……النقل بالعقل…….العلم بالجهل……..و العدل بالظلم……..?