دمشق – «القدس العربي»: ارتفعت وتيرة القصف الجوي على مدن وأرياف إدلب وحماة، تزامناً مع اشتداد المعارك والمواجهات بين فصائل المعارضة السورية وقوات النظام التي استهدفت المنطقة بأكثر 200 ضربة بينها نحو 55 غارة نفذتها طائراته الحربية، مع حلول ساعات صباح يوم الخميس مستهدفةً أكثر من 20 منطقة، فيما أصيب عناصر من القوات التركية المتمركزة في نقطة المراقبة في منطقة شير مغار في ريف حماة، جرّاء قصفٍ مدفعي لقوات النظام.
وحملت وزارة الدفاع التركية النظام السوري مسؤولية قصف نقطة مراقبة تابعة لها في ريف إدلب، حيث أعلنت انقرة أن قوات النظام أطلقت عمداً 35 قذيفة على النقطة، ما أدى إلى إصابة ثلاثة جنود أتراك بجروح خفيفة وإلحاق أضرار مادية. وقال وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو «لا يمكن القول إن هناك وقفاً كاملاً لإطلاق النار في إدلب»، وذلك بعد قصف قوات النظام لنقطة مراقبة تابعة للجيش التركي، مضيفاً في مؤتمر صحافي مع نظيره الفرنسي في أنقرة، إن تركيا ستفعل كل ما يلزم إذا تواصلت الهجمات وإنه يتوقع من روسيا ممارسة الضغط على نظام الأسد بصفتها دولة ضامنة.
حملة دموية
وفي محاولة لخلط الأوراق اتهمت موسكو فصائل المعارضة بقصف نقطة المراقبة التركية، وادعت وزارة الدفاع الروسية ان فصائل المعارضة أطلقت نيران «المدفعية على نقطة مراقبة تابعة للجيش التركي موجودة في منطقة جبل الزاوية في محافظة إدلب، كما أن سلاح الجو الروسي شن 4 ضربات على الإرهابيين في إدلب وفق الإحداثيات التي قدمها الجانب التركي، حيث توجهت القيادة التركية بطلب إلى مركز المصالحة الروسي في سوريا للمساعدة في توفير الأمن لعسكرييها وشن ضربات على مواقع الإرهابيين في إدلب». كما زعمت وزارة الدفاع في بيان لها امس سريان ما وصفته بنظام الهدوء «منذ منتصف الليل في 12 حزيران/يونيو على أراضي إدلب في منطقة خفض التصعيد».
العقيد فاتح حسون لـ «القدس العربي»: لا يمكن اتهام الروس باستهداف الأتراك لكنه جرى بعلمهم
وعلق القيادي لدى المعارضة السورية فاتح حسون على الهدنة «المزعومة» من قبل الروس اذ انها «لم تتجاوز الهدنة الإعلامية فالقصف مازال مستمراً والطيران ما زال في الأجواء»، مضيفاً لـ»القدس العربي» أن «قصف القاعدة التركية أكبر دليل على كذب ادعاءات الروس الذين انتهجوا هذا الأسلوب الخداعي في عدد من المعارك وفي مختلف المناطق السورية كدرعا وريف حمص الشمالي والغوطة، وفي المحصلة الهدنة الكاذبة إعلامية فقط».
ميدانياً، تستمر الحملة العنيفة التي يشنها النظامان الروسي والسوري ضد إدلب والأرياف المحيطة بها في حماة وحلب واللاذقية، فيما ردت فصائل المعارضة باستهدف تجمعات للنظام، واعلن جيش العزة «استهداف اجتماع لقوات الجيش الروسي وقوات النظام في مدرسة الشيخ حديد في ريف حماة، بالمدافع الثقيلة» كما دمرت الفصائل المنضوية ضمن «الجبهة الوطنية للتحرير» قاعدة «م.د» تابعة لقوات النظام في ريف حماة الشمالي بصاروخ مضاد – دروع.
مدير الدفاع المدني السوري في ادلب، مصطفى الحاج يوسف، قال «بالرغم مما يشاع من ابرام هدن، الا ان الحملة الدموية متواصلة» مؤكداً لـ»القدس العربي» ان ما يجري على الأرض ينسف كل التصريحات التركية والروسية حول إيقاف اطلاق النار في «ادلب وحماة التي باتت خالية مما سموه بالمنطقة الآمنة». وقال مصطفى في اتصال مع «القدس العربي» انه في الوقت الذي تتحدث فيه موسكو عن هدنة، كانت طائراتها الحربية تقصف قرى إدلب، كما تقصف مطار تفتناز، ومدينة خان شيخون بالسوخوي». لافتاً إلى ان «حملة القتل والتهجير والتدمير لم تتوقف وهي متواصلة بشكل منهجي وخاصة في ريف إدلب الجنوبي» حيث أصيب ستة مدنيين في كفرنبل بينهم طفلان وامرأة جراء قصف صاروخي استهدف المدينة بـ31 صاروخاً شديد الانفجار خلفت دماراً واسعاً وحرائق نشبت في منازل المدنيين، واستهدف الطيران المروحي المدينة بثلاث أسطوانات متفجرة خلفت أضراراً مادية جنوبي ادلب.
موقف محرج
كما شن الطيران الحربي غارة جوية استهدفت الطريق الدولي بمحاذاة مدينة خان شيخون وغارتين استهدفتا المدينة إحداهما بأربعة صواريخ دفعة واحدة، كما استهدفت المقاتلات الحربية أيضاً بلدة سفوهن بخمسة غارات وأطراف المسطومة، وأطراف بلدة التح، وكفرسجنة ما خلف أضراراً ماديةً جسيمة في المنازل والممتلكات.
واستهدف الطيران المروحي بلدة عابدين بستة براميل متفجرة، والنقير ببرميلين، ومزارع خان شيخون الجنوبية بأربعة براميل، ومعرتحرمة، وترملا، وأرينبة، وسفوهن، وكفرسجنة ببرميلين وأربع أسطوانات متفجرة، ومدينة خان شيخون بستة براميل متفجرة. وحسب ما أوضح مدير الدفاع المدني السوري فإن النظام استهدف قرية مدايا بـ20 صاروخ راجمة، والهبيط بـ40 صاروخاً، ومدينة خان شيخون بـ40 صاروخاً، وترملا بـ15 صاروخاً وخمس قذائف مدفعية، وأرينبة بخمس قذائف، والتمانعة بـ15 قذيفة، وسكيك بخمسة قذائف، ومعرتحرمة بـ25 صاروخاً، وسفوهن بثمانية صواريخ، وأرينبة بـ10 صواريخ.
مراقبون قالوا لـ»القدس العربي» ان روسيا تحاول استثمار «الحرب على الإرهاب» لتحقيق مصالحها، واعتقد الباحث السياسي فراس فحام انه لا وجود «لاتفاق روسي – تركي بخصوص إدلب» مرحجاً ان يكون الخلاف على أشده، و»ما تحميل الإعلام الرسمي التركي لروسيا مسؤولية سقوط ضحايا مدنيين إلا مؤشر واضح على الخلافات». وأوضح المتحدث لـ»القدس العربي» ان القذائف التي استهدفت نقطة المراقبة التركية انطلقت من قاعدة بريديج بريف حماة، الواقعة فعلياً تحت سيطرة روسيا، وهي رسالة عسكرية بهدف الضغط على أنقرة بالتوازي مع مفاوضات تجري لوقف إطلاق النار.
بعد الخسائر المتلاحقة للنظام ومن خلفه الروس وفقدان العديد من المناطق الهامة على الأرض جراء الهجوم الكاسح للفصائل الثورية في مناطق ريف حماه وريف اللاذقية، أصبح الموقف الروسي حرجاً حسب القيادي في المعارضة المسلحة فاتح حسون «خصوصاً بعد رفض الفصائل الثورية للهدن التي تقدم بها الروس خلال الفترة الماضية» حيث يسعى الطرفان إلى خلط الأوراق وتوجيه نيران المدفعية والهاون إلى قواعد المراقبة التركية التي تم إيجادها بغرض مراقبة الخروقات والالتزام باتفاقية خفض التصعيد.
وبهذا سيكون الروس وبشكل عملي قد بدأوا بدفن اتفاقية «سوتشي»، مما يزيد النفي الروسي لحصول قصف من قبل النظام للقاعدة الروسية ويتهمون الفصائل الثورية بذلك، حيث وصف حسون هذه الخطوة بأنها «محاولة غبية لقلب الطاولة من خلال إيجاد ثغرة في العلاقة ما بين الجانب التركي والفصائل، وستكون النتائج عكسية على النظام والميليشيات التابعة له فقد أصبح حق الرد متاحاً وبقوة للجانب التركي وهذا ما أكده وزير الخارجية التركي مولود جاووش اوغلو، وهذا ما تحاشته أنقرة خلال الاستفزازات السابقة».
ولا يمكن أن توجه أصابع الاتهام مباشرة للروس حول استهداف النقطة التركية، حسب ما استنتج القيادي المعارض لكنها «بالتأكيد جرت بعلمهم قبل الاستهداف أو أثناءه، فالسيطرة على المنطقة التي انطلقت منها القذائف مختلطة بين النظام والإيرانيين والروس، هذا المحور الذي بات ينقض كل اتفاق، وينسف كل تفاهمات، في ظل سياسة ضبط النفس التي اتخذتها تركيا، والتي تحاول أطراف معادية أن تخرجها عنها».