بيروت – أ ف ب – تقود قوات سوريا الديموقراطية التي يشكل المقاتلون الاكراد مكونها الرئيسي، وبدعم امريكي، هجوماً واسعاً لطرد تنظيم الدولة الاسلامية من الرقة، معقله في سوريا، لكن مهمتها هذه تثير توتراً بين الولايات المتحدة وحليفتها تركيا.
وتمكنت هذه القوات، وهي عبارة عن تحالف فصائل كردية وعربية، من التقدم لتصبح على بعد كيلومترات عدة من الرقة من جهات عدة. ونجحت الاسبوع الماضي في السيطرة على مدينة الطبقة الاستراتيجية وسدها اللذين كانا تحت سيطرة الجهاديين منذ العام 2014.
وتصنف أنقرة الوحدات الكردية التي تشكل الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديموقراطي في سوريا منظمة ارهابية. وتعدها امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يقود تمرداً ضدها منذ ثمانينات القرن الماضي على الأراضي التركية.
– من هي قوات سوريا الديموقراطية؟ –
تأسست قوات سوريا الديموقراطية في تشرين الاول/اكتوبر 2015 نتيجة تحالف فصائل كردية وأخرى عربية بدعم من التحالف الدولي بقيادة اميركية هدفه محاربة الجهاديين في شمال وشمال شرق سوريا.
وجاء تشكيل هذه القوات بعدما أثار تقدم الاكراد ميدانياً على جبهات عدة توتراً مع الفصائل المعارضة التي اتهمتهم بممارسة “التهجير القسري” بحق السكان العرب. كما فاقم هذا التقدم مخاوف انقرة التي تخشى اقامة حكم ذاتي كردي على حدودها على غرار كردستان العراق.
وتمكنت الوحدات الكردية بدعم امريكي من تحقيق انتصارات عدة على حساب الجهاديين، أبرزها طردهم من مدينة كوباني (عين العرب) في كانون الثاني/يناير 2015 ومدينة تل ابيض الحدودية مع تركيا في حزيران/يونيو من العام ذاته.
وتقول مجموعة الأزمات الدولية في تقرير نشرته الشهر الماضي ان الهدف من تأسيس قوات سوريا الديموقراطية كان “تسهيل عملية تجنيد المقاتلين في صفوف العرب وتحقيق درجة اضافية من الفصل بين الدعم الامريكي وحزب العمال الكردستاني”.
ورغم ذلك، تعد الوحدات الكردية العمود الفقري لهذه القوات التي تضم بين 25 ألف و40 ألف مقاتل، وهي تتولى عملياً قيادتها، وفق ما يقول محللون.
وحققت قوات سوريا الديموقراطية منذ تأسيسها إنجازات ميدانية على جبهات عدة. وأطلقت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي هجوماً واسعا لطرد تنظيم الدولة الاسلامية من الرقة (شمال)، معقله في سوريا.
ومنذ بدء الهجوم، تمكنت من قطع طرق إمداد رئيسية للجهاديين الى مدينة الرقة، وتعمل على عزل المدينة تماماً قبل بدء الهجوم النهائي عليها. وباتت تتواجد في أقرب نقطة على بعد كيلومترات عدة منها.
– ما سبب الدعم الأمريكي المتزايد؟ –
وتلقت قوات سوريا الديموقراطية فور تأسيسها، دعماً رئيسياً من واشنطن، على مستوى الإسناد الجوي لعملياتها ضد الجهاديين. ونشرت واشنطن مستشارين على الارض دعماً لهذه القوات، لكنها أصرت على ان الامدادت بالسلاح بما في ذلك المدرعات، سيقتصر على المكونات العربية فقط.
وأعلنت واشنطن في قرار مفاجئ هو الاول من نوعه قبل اسبوع، تسليح الوحدات الكردية في صفوف قوات سوريا الديموقراطية.
وجاء في تقرير مجموعة الازمات الدولية في هذا السياق “يبدو وكأن الادارة الامريكية توصلت الى استنتاج بأن فوائد طرد الجهاديين من الرقة بأسرع ما يمكن، يبرر الكلفة المحتملة لمزيد من الضرر اللاحق بالعلاقة الاستراتيجية مع انقرة وكذلك المخاطر المتعلقة بمحاولة السيطرة على مدينة عربية.. بقوات ذات غالبية كردية”.
وحاولت واشنطن احتواء الغضب التركي بتأكيدها انها ستحرص على ان يستخدم السلاح ضد الجهاديين، مبدية رغبتها في إشراك أنقرة في المعركة لاستعادة الرقة.
وأعلنت قوات سوريا الديموقراطية ومسؤولون أمريكيون ان مجلساً مدنياً من أبناء الرقة سيتولى إدارة المدينة بعد طرد الجهاديين منها.
ومن المتوقع ان يشكل تسليح الاكراد إحدى المسائل التي ستتصدر جدول اعمال لقاء الرئيس التركي رجب طيب اردوغان مع نظيره الامريكي دونالد ترامب المرتقب في وقت لاحق الثلاثاء في واشنطن.
– ما هي ردود الفعل التركية المحتملة؟ –
تعبيراً عن مخاوفها إزاء تصاعد نفوذ الاكراد على حدودها، أطلقت تركيا في آب/أغسطس هجوماً عسكرياً غير مسبوق في شمال سوريا دعماً لفصائل سورية معارضة في إطار حملة “درع الفرات”.
واستهدف الهجوم بشكل رئيسي تنظيم الدولة الاسلامية ونجح في طرده من ابرز معاقله في محافظة حلب (شمال). لكنه استهدف أيضاَ المقاتلين الاكراد الذين يطمحون الى وصل مناطق سيطرتهم في مقاطعات الجزيرة (الحسكة) وكوباني (عين العرب) بعفرين (ريف حلب).
واستهدف الجيش التركي في نيسان/ابريل مقر القيادة العامة للوحدات الكردية في شمال شرق سوريا، ما تسبب بمقتل 28 شخصاً على الاقل معظمهم من المقاتلين، في خطوة أثارت قلقاً امريكياً بالغاً.
وفي ظل الدعم الدولي، يقول محللون ان أنقرة تفتقر عملياً الى خيارات من شأنها أن تمنع قوات سوريا الديموقرطية من مواصلة قيادة القتال ضد الجهاديين.
ويقول الباحث في مركز رفيق الحريري للشرق الاوسط أرون شتاين “بمعزل عن التصعيد، امام تركيا خيارات قليلة”، معدداً من بينها “غزو مدينة تل ابيض (الحدودية مع تركيا) وقصف الوحدات الكردية”.
ويوضح ان “كل هذه الخيارات قد تبطئ الهجوم على الرقة لكنها تضع انقرة في موقف لا يمكن الدفاع عنه لناحية محاولة تأخير حملة القضاء على تنظيم الدولة الاسلامية”، مضيفاً “لا احد يرغب بأن يوسم بهذا الامر”.