الخرطوم- “القدس العربي”: يواصل القادة العسكريون في السودان خطواتهم نحو التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، إذ زار وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، الخميس، العاصمة الخرطوم، وأجرى مباحثات مع القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، وسط اعتراض سياسيين ولجان مقاومة، الذين اعتبروا أي خطوة يقوم بها قادة الانقلاب للتطبيع مع إسرائيل غير ملزمة للشعب السوداني الرافض للتطبيع.
أثارت زيارة كوهين ردور فعل غاضبة في السودان حيث اعتبر المتحدث باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، عادل خلف الله، التطبيع مع الكيان الصهيوني تماديا في التفريط في وحدة واستقرار السودان، واصفا ذلك بـ”التطور الخطير والمهدد الجدي للانتقال الديمقراطي في البلاد”.
وقال لـ”القدس العربي” إن “سلطات الانقلاب في السودان تمضي في عقد اتفاقات ليست من اختصاصها، وإن ذلك لن يكون ملزما للسودان وشعبه الذي يعتبر الكيان الصهيوني عدوا له، وفق مواقفه المعلنة في الصدد”.
وأشار إلى أن “تلك الاتفاقات يجري طبخها وتمريرها، من خلال توظيف سلسلة التدخل الإقليمي والدولي وممارسة ضغوط على قائد الانقلاب وابتزازه لتوقيع اتفاقات ذات طابع سياسي وأمني واقتصادي، في ظل الأوضاع المأزومة في البلاد منذ انقلاب الجيش على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021”.
وشدد على أن “الزيارة تكشف عن الأبعاد الخفية للاتفاق الإطاري الموقع في 5 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وفرض الوصاية الدولية والتآمر على الثورة السودانية”، مؤكدا أنها “ليست زيارة عابرة وأن الكيان الصهيوني مهدد جدي للبلاد”.
كشفت الزيارة أن الثمن المطلوب أن يدفعه قائد الانقلاب ليكون جزءا من السلطة هو التفريط في وحدة السودان وإلحاقه بمشروع الشرق الأوسط الجديد
وأضاف: “كشفت الزيارة أن الثمن المطلوب أن يدفعه قائد الانقلاب ليكون جزءا من السلطة هو التفريط في وحدة السودان وإلحاقه بمشروع الشرق الأوسط الجديد”.
وأشار خلف الله إلى أن من وصفها بـ”قوى التطبيع العربية والأفريقية والقوى الدولية التي لديها مطامع في السودان”، ظلت “منذ تفجر الثورة السودانية في ديسمبر/ كانون الأول 2018 ، تمارس ضغوطا قاسية على الحكومة الانتقالية بهدف توريطها في التطبيع مع العدو الصهيوني”.
ووفق المتحدث “من خلال سلسلة من اللقاءات ذات الطابع الأمني والاستخباراتي، عقد البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لقاءهما الأول بشكل سري في مدينة عنتيبي الأوغندية، قبل نحو 3 أعوام”.
وزاد: “استمر التمادي في الصفقات بين الجانبين، ومؤشرات الانقلاب على مطالب الشعب السوداني لدرجة دخول وفد استخباراتي إسرائيلي إلى منشآت عسكرية سودانية، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020”.
وأضاف “الكيان الصهيوني عدو السودان، كيف نتبادل معه المعلومات وندخله إلى مؤسساتنا الأمنية والعسكرية؟”، “يمضي الجانبان الآن نحو ما هو أبعد من ذلك”.
أما المتحدث باسم “تجمع المهنيين”، الوليد علي، فقال لـ “القدس العربي” إن” حكومة الانقلاب تحاول قدر الإمكان الحصول على الدعم الخارجي حتى لو كان من الشيطان”، مشددا على أنها “لا تعبر عن الشعب السوداني”.
وأشار إلى أن “أي سلطة لا تحوز رضى الداخل، تسعى لحشد الدعم من الخارج، وأن الدعم الخارجي من إسرائيل أو غيرها مهما بلغ، لن يحمي قادة الانقلاب”، مؤكدا على “ضرورة مواصلة المقاومة حتى إسقاط الانقلاب ومحاكمة قادته”.
وقال إن “العلاقات بين العسكر وإسرائيل، علاقات بين أنظمة باغية وعنصرية يدعم بعضها البعض”.
وبين أن “موقف قوى الثورة السودانية مناوئ لسياسات الدولة الصهيونية العنصرية في المنطقة، وداعم لقضايا الشعب الفلسطيني وحقه في التحرر والسيادة”.
وفي السياق، أكد المتحدث باسم لجان مقاومة الخرطوم، محمد طاهر لـ”القدس العربي”، أنهم “في لجان المقاومة يرفضون التطبيع مع إسرائيل وأي اتفاقات خارجية دون وجود حكومة منتخبة وبرلمان”، معتبرا أي “خطوة يقوم بها البرهان في الصدد محاولة للتشبث بالسلطة”.
المكون العسكري السوداني يمضي في التطبيع مع إسرائيل لكسب الشرعية الدولية
وشدد على أن “المكون العسكري يمضي في التطبيع مع إسرائيل لكسب الشرعية الدولية”، مؤكدا أن “البرهان في أضعف حالته لذلك يسعى للاستمرار في الحكم”.
وزاد: “عكس ما يقوم بالترويج له، قائد الجيش متشبث بالحكم، ولا يريد تركه لأي حكومة مدنية”، مرجحا أن تكون لخطوة التطبيع تبعات أخرى، أبرزها “القفز عن الاتفاقات الجارية مع بعض القوى السياسية”.
وجاء لقاء البرهان وكوهين في وقت رجحت فيه وسائل إعلام عبرية، أن يكون السودان الدولة المقبلة التي تنضم إلى اتفاقية أبراهام للتطبيع مع إسرائيل بشكل رسمي.
وقال مسؤول إسرائيلي لصحيفة “هآرتس”، إن المفاوضات بين العسكر في الخرطوم والحكومة الإسرائيلية، تواصلت في أعقاب انقلاب الجيش في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
ورجح أن يكون السودان الدولة الإسلامية المقبلة التي تنضم إلى اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل بشكل رسمي، مشيرا إلى تقدم في المحادثات بين تل أبيب والخرطوم في الأيام والأسابيع الأخيرة، بوساطة واشنطن، وأن التوصل إلى اتفاق يبدو الآن ممكناً.
وعقب لقاء أعلن عنه الجانب الإسرائيلي، جمع البرهان ونتنياهو، في مدينة عنتيبي الأوغندية في 3 فبراير/ شباط 2020، بدأ التقارب بين الخرطوم وتل أبيب، والذي كان شيئاً فوق التصور، بالنسبة للعداء الذي وسم العلاقة بين البلدين على مدى عقود من الزمن.
ولاحقا، تبادل مسؤولون إسرائيليون عددا من اللقاءات مع قادة الجيش السوداني والدعم السريع، والتي كانت منفصلة في مرات عديدة، اتسمت بالسرية في معظم الأحيان.
وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، قد شجعت تطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب، في إطار ضم السودان إلى اتفاقية أبراهام التي وقعها عدد من الدول العربية التي كانت تهدف إلى إنشاء علاقات دبلوماسية بين البلدين، حيث وقع وزير العدل السوداني السابق، نصر الدين عبد الباري، ووزير الخزانة الأمريكي في يناير/كانون الثاني 2021 ، اتفاق التطبيع في مقر السفارة الأمريكية في الخرطوم، دون وجود ممثل عن الجانب الإسرائيلي.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، قال البرهان إن علاقات السودان مع إسرائيل في أساسها “علاقات تصالحية”، مؤكدا أنه “لا يمانع زيارة إسرائيل إذا تمت دعوته”.
وعلى الرغم من تبادل عدد من الزيارات بين قادة في “الدعم السريع” والحكومة الإسرائيلية والتسريبات السابقة حول صفقات بين الجانبين، إلا أن كوهين لم يلتق قائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو ” حميدتي”، حسب تأكيد مصادر تحدثت لـ”القدس العربي”.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد كشفت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أن قوات “حميدتي” حصلت على أجهزة تجسس متطورة، نقلتها إلى الخرطوم طائرة مرتبطة ببرنامج التجسس الإسرائيلي، تجلب تكنولوجيا المراقبة من الاتحاد الأوروبي.
يأتي ذلك في وقت تتواصل التظاهرات الرافضة للحكم العسكري، والتسوية مع قادة الانقلاب، بقيادة لجان المقاومة، والتي ترفع شعار “لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية” للعسكر.
وأدى قمع الأجهزة الأمنية للاحتجاجات منذ بداية الانقلاب، إلى مقتل نحو 122 شخصا، حسب لجنة أطباء السودان المركزية، وإصابة أكثر من 6000، وفق إحصاءات منظمة “حاضرين”، الناشطة في علاج مصابي الثورة السودانية.