قيروان/ مقبرة قريش

هذا الطريق إليك يوميّا طريقي.. مذ رحلتِ.. أنا.. هنا.. في الشمس.. أو في الريح.. أو في
النوء.. أسلكه وحيدا/ في نسيج الحائط الآجرِّ.. ثمّةَ فرجةٌ..
منها أطلّ عليك/ أعرفُ.. تحت هذي الأرض.. لا جسدٌ..
ولا نومٌ ولا صحوٌ… سوى جُبْنٍ تخمّرَ في الترابِ.. صديدَ أمواتٍ..
سوى اللحمِ المعلّبِ في الحجارِ.. الأذْنُ تقرأُ.. ما تخفّى أو تآكلَ في الصديد
(رمادِ نسياني وزرقته)..
وتقرأُ ما تفحّم من كلامي.. الأذنُ سيّدة النهارِ.. العين إزميلٌ
لصيدِ الليل في عينيّ.. إذ كانت كنوز الليلِ تجمعنا.. تفرّقنا..
كهذا الموتِ نعلمهُ.. ونجهلهُ..
له سحرُ البدايةِ.. إذ يجودُ بنا.. ويمضي.. هكذا..
المَيْتُ؟ هذا الغائبُ المرئيُّ؟ ظلُّ خطاهُ.. ما يبقى.. القيروانُ؟ أهذه صحراءُ؟
أم زمنٌ هُلامٌ؟
أمْ هيَ «المَعْلاةُ»؟ أين قريشُ؟ أينَهُمُ حواشيهمْ؟ قواصيهمْ؟
ولا وادٍ.. ولا زرعٌ.. ولا بحرٌ هنا في القيروانِ لهمْ..
ولا صدفٌ فنسمَعَهُ ونسمَعَهُمْ..
ولا زبدٌ.. ولا موجٌ.. ولا سفنٌ..
ولا ألواحُها تطفو.. ولا ملاّحها يجري بها..
لا دابّةٌ في ملْحهِ..
والاسم؟ من سمّى قريشَ قريشَ؟ هل أكلتْ دوابَّ البحرِ أجمَعَها؟
أدائرةٌ؟ ندورُ ونستديرُ بها.. فراغٌ نحن نَسْبُرُهُ؟
خلاءٌ؟ هذه الأرض البراحُ؟
قبورُها مَرْقوعةٌ بحجارِها.. بيضاءَ.. أو سوداءَ..
تنقصُ أو تزيدُ.. كرُقْعَةِ الشطرنجِ
أمْ وَكْرُ اللصوصِ وحانُهمْ؟
لكؤوسِهم.. لرنينِها.. لغنائِهمْ.. ضحكاتِهمْ.. تهويدةُ الأطفالِ عند النومِ.. أحيانا..
وأحيانا صفيرُ البوقِ.. حين يَشُمُّهُمْ عَسَسُ المقابرِ..
أو يطوفُ بليلهمْ.. خُفّاشُها..
ـ مِنْ أين هذا النورُ؟
ـ مِنْ مشكاته؟
ـ بلْ من بقايا شمعةٍ أوقدتُها في جَوْفِ جمجمةٍ.. أنا..
***
تتناثرُ الأجسادُ كالكلماتِ.. والسنواتُ هنا تُعدّ بما تناثرَ من قبورٍ
أو ترابٍ.. (لا تخافي)..
سوف تجمعُ شملَنا الكلماتُ.. للكلماتِ خفّتُها.. ورقّتُها
وتحملُ أثقلَ الأشياءِ.. لي ما يخْتفِي في الحبر (طيفكِ أنتِ)..ِ
بي حلمٌ نباتيٌّ كحلمك:
مَرْجُ أعشابٍ كريش القمح.. تنبضُ عند قبركِ..
أو تموجُ.. الريح إذ تهنُ.. ابتسامتكِ الحياةُ تَرِفُّ في شفتيّ..
إذْ أجترُّ كالحيوان حزني.. ثم ألْفُظُهُ..
وأمْضغُ ما تبقّى في لساني من لسانكِ.. من هوائكِ أنتِ..
من أصداءِ أغنيةٍ لنا..
هَلْ صِرْتُ ألعبُ ضدّ نفسي؟ ربّما..
أمْ أنّ بِي ندماً أُداريهِ؟
لعلّ أوانَه قد فاتَ..
لكنّي أحبّكِ خلف أبوابي وخارجَها..
أحبّكِ أنتِ.. حتّى في ضلالاتِي..

مقبرة قريش في القيروان وهو اسمها*
المَعْلاة: مقبرة قريش في مكّة. وهذا النصّ الشعري جزء من عمل قيد الكتابة.

كاتب تونسي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية