لندن – “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا للصحافي والمؤلف بيتر أوبورن قال فيه: “كنت ناخبا محافظا وفيا. وحتى وقت قريب عملت حصريا مع صحف تميل للمحافظين: ديلي تلغراف، ميل، لندن ايفننغ ستاندرد و إكسبرس وسبكتاتور. ومعظم أصدقائي وعائلتي من المحافظين. ولكني لا أستطيع التصويت لهم”.
وأضاف لقد حدث شيء رهيب دفعه لتغيير موقفه فقد أصبح “حزب المحافظين يكذب ويغش ويتنمر. لم يعد الحزب ذلك الحزب الحكيم واللطيف والنظيف كما كان في فترة ما بعد الحرب”.
و”أتساءل أحيانا إن كان بوريس جونسون والقذرين المرتبطين به محافظون أصلا. مبادئ حزب المحافظين كما أفهما تتعلق بالواجب العام والكرم والميل للمحافظة على ما هو جيد في مجتمعنا وأهمية حكم القانون والمؤسسات والتشكك من القفز إلى المجهول. أنا أفكر بشخصيات محافظة شامخة مثل بورك واللورد سالزبري وأوكشوت”.
وقال إن بوريس جونسون أصبح هو ومستشاره دومونيك كامنغز رئيسا لمشروع –جزء مهم منه – يهدف لتدمير مبادئ حزب المحافظين. ولذلك وخلال فترته القصيرة كرئيس وزراء هاجم البرلمان وسخر من حكم القانون وأساء للملكة وأبدى تجاهلا كاملا للحقيقة.
وأخفى تقريرا حول تدخل روسيا في السياسة البريطانية، ثم كذب بشأن الأسباب. وعلى مدى الأيام القليلة الماضية، لجأ رئيس الوزراء إلى العنصرية البغيضة تجاه مواطني الاتحاد الأوروبي في محاولة أخيرة لكسب الأصوات. واسترضاء لروبرت ميردوخ انتقد الرسوم التي تجمعها هيئة الإذاعة البريطانية”.
ولذلك غادر كثير من المحافظين الحزب أو طردوا منه بمن فيهم ديفيد غوكي وروي ستيوارت وأمبر راد ومايكل هازلتاين وكين كلارك وماثيو باريس وغيرهم كثر. كما أن دعوة رئيس الوزراء السابق جون ميجور إلى عدم التصويت لجونسون كانت بالذات قوية.
وأضاف أن الإعلام لا يتفاعل كثيرا مع مثل هذه الدعوة. بينما شجب ايان اوستين، السياسي العمالي الذي ليس له وزن وغادر الحزب أصلا، لجيرمي كوربين فحصل على تغطية أكبر بكثير من الصرخة اليائسة التي أطلقها رئيس وزراء سابق من حزب المحافظين.
وقال “في الوضع الطبيعي لم أكن لأصوت لحزب العمال أبدا، ناهيك عن كوربن. ولن أصوت له لو صدقت التهمة الفظيعة له بمعاداة السامية. هناك مشكلة معاداة للسامية في حزب العمال وتعامل معها كوربن بشكل سيء”.
كما و”لا أنكر الأفعال السيئة لبعض أعضاء الحزب، ولكن لا علم لدي بأي أدلة أن كوربن استخدم لغة فيها ازدراء لليهود كما يقوم بوريس جونسون بشكل روتيني ضد السود والمثليين والمسلمين”.
و” لك ان تتخيل الشجب الجماعي الذي كان سيحصل عليه كوربن لو كان مذنبا بالتعليقات العنصرية والمعادية للمثليين التي تعزى إلى جونسون: عبارات مثل آطفال سود يضحكون مثل البطيخة وغير ذلك من الكلام الفاحش ضد المثليين”.
وقال أوبورن إن جونسون لم يظهر أي رغبة في التعامل مع الاسلاموفوبيا المستشرية في حزب المحافظين. وأهملت الصحافة الرئيسية في بريطانيا هذه القضية. وذلك لأن معظم الصحف البريطانية هي بحد ذاتها تعاني من الاسلاموفوبيا. وادعاء جونسون بأن حزبه “لا يتسامح ابدا” مع الاسلاموفيا هو مجرد كدبة أخرى من كذباته التي ميزت حملته الانتخابية.
وأشار إلى أن المؤسسة كانت دائما تكره المتطرفين مثل كوربن، وهي مصممة على هزيمته. وذلك هو سبب الهجمات المتكررة على كوربن وأنه لا يمكن الوثوق به في مسائل الأمن والسياسة الخارجية.
صحيح أنه عارض ثلاثة من سياسات خارجية كارثية في القرن الحادي والعشرين: أفغانستان والعراق وليبيا. والأضرار التي سببتها على الأمن القومي البريطاني كانت كبيرة ” كان كوربن محقا بينما تحمس جونسون وحزب المحافظين متحمسا للحروب الثلاث”.
وتساءل الكاتب قائلا: ماذا عن اليمن؟ فلم يكن خلال حملة هذه الانتخابات أي نقاش حول تواطؤ بريطانيا مع السعودية في حربها القذرة “إنه اغفال مخز لأنه وبحسب الأمم المتحدة تسببت هذه الحرب بأسوأ كارثة إنسانية في القرن الحالي”.
مضيفا إلى أن ” جونسون وزيرا للخارجية في المراحل الأولى من الحرب. وكان في موقع جيد لمنع وقوع الكارثة، وخاصة أن بريطانيا كانت تشغل موقع (حامل القلم) في الأمم المتحدة [الدولة التي تقوم بوضع مسودات القرارات]”.
ويعلق أن المؤرخين سيتعاملون مع هذه الانتخابات كانت حول شيء واحد: بريكسيت. وشعار جونسون الانتخابي – “دعونا ننفذ بريكسيت” – هي كذبة أخرى من كذباته. إنه رجل ذكي جدا ويعرف جيدا أن بريكسيت لن تحل إن غادرنا الاتحاد الأوروبي في 31 كانون ثاني (يناير). فالعلاقات التجارية ستتحكم بالسياسية لسنوات طويلة.
والحل الذي يقدمه كوربين لمشكلة بريكسيت أكثر حكمة من حل جونسون، فهو يطرح فرصة استفتاء للاختيار بين البقاء بحسب الشروط الحالية أو الاستمرار في عضوية الاتحاد الجمركي.
وبالمقابل فإن جونسون يعرض ضمانا بأننا سنغادر في كانون ثاني (يناير) متبوعا بفترة انتقالية تستمر حتى نهاية العام القادم، وبعدها قد نجد أنفسنا نعمل وحدنا بحسب قواعد منظمة التجارة العالمية. كما أنه منكر تماما بشأن التداعيات بالنسبة للتجارة مع ايرلندة الشمالية.
ولن يكون هناك فرصة للعودة من بريكسيت كما يريد جونسون. ومهما كانت الأضرار الاقتصادية التي سيتسبب بها كوربين ووزير ماليته دون ماكدونيل، فإن ذلك سيستمر لخمس سنوات قبل أن يتم التخلص منهم عن طريق صناديق الاقتراع.
وقال أوبورن “لدينا مرشحة محافظة ممتازة في دائرتنا الانتخابية، سيدة اسمها سينا شاه. رأيتها تعمل وفي الظروف العادية كنت سأصوت لها. إنها تمثل الأمل للمستقبل. ولكن جيدة لدرجة لا يستحقها بوريس جونسون والمخربون المحيطون به. أعتقد أنهم يريدون تدمير بريطانيا التي عشت فيها وأحببتها طيلة حياتي”.