“كارثة المغازي” تقرّب الإسرائيليين من حسم السؤال حول مصير الحرب في غزة

وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة- “القدس العربي”:

فور الكشف عن عملية المغازي الموجعة، سارع الإعلام العبري للمساهمة في رفع معنويات الإسرائيليين، والتركيز على القواسم المشتركة الجامعة بينهم بالتوقف عند هوية الجنود القتلى في العملية، والإشارة لقدومهم من مختلف المناطق السكنية ومن المستوطنات، شرقيون وغربيون وعلمانيون ومتديّنون.

الحفاظ على المناعة والروح المعنوية وتماسك الجبهة الداخلية، ركن رابع أضافته إسرائيل لعقيدتها الأمنية التقليدية التاريخية المستندة على الردع، والإنذار المبكر والحسم السريع للعدو. بعد تفجر الثورة المعلوماتية وظهور منتديات التواصل الاجتماعي وحرب لبنان الثانية التي استُهدفت فيها الجبهة الداخلية بصواريخ حزب الله، أضيف رأس المال المعنوي للعقيدة الأمنية لأن وجود خلافات حول الحرب ستقلل احتمالات نجاحها أو تدفع ربما لوقفها.

بالتزامن، سارع قادة المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل للتأكيد على ضرورة مواصلة الحرب كونها عادلة وضرورية جدا لأمن ومستقبل إسرائيل بعد ضربة السابع من أكتوبر التي أفقدتها قوة ردعها وأصابت هيبتها وثقتها بنفسها. “مستمرون نحو نصر مطلق”، قال رئيس حكومة الاحتلال بعد حديثه عن الحادثة الموجعة، وتبعه قائد الجيش هرتسي هليفي الذي تحدّث رسميا في ذات الاتجاه بقوله إن المعركة طويلة وإننا نستخلص الدروس وسنقوم بتغيير طريقة إدارة القتال واستعادة جنود في الاحتياط للقتال تم تسريحهم سابقا.

تأجيج الجدل

في اليوم التالي للحدث الكبير في المغازي، تبدو الحلبة السياسية والشوارع الإسرائيلية في جدل مباشر وحاد وملحّ أكثر بين معسكرين حول السؤال هل نوقف الحرب من أجل استعادة المحتجزين بعد هذا الثمن الموجع؟

المعسكر المطالب باستعادة الأسرى أحياء وفورا، يستخدم هذه الحادثة للقول إن الحرب مكلفة دون جدوى وبلا أفق، وتشكل تهديدا مباشرا على حياتهم، علاوة على حياة المزيد من الجنود. في مقابل ذلك، يحاول قادة الائتلاف الحاكم وأنصاره منع تأثير الحادثة على الإسرائيليين ونشوء موجة احتجاج واسعة ضد الحرب، فيلوحّون مجددا وبشكل أكثر حدة بالتهديد المستقبلي، ويحذروّن من فقدان إسرائيل قوة ردعها وعدم تمكن الإسرائيليين من العيش فيها بسلام وهم محاطون بأعداء يراقبون خروجها من معركة دون حسم حماس وهي فصيل صغير.

المكان والزمان والعدد

صحيح أن عملية المغازي المكلفة للجيش المحتل هي عملية واحدة في حرب مليئة بالأحداث، لكنها تقترب لأن تكون حدثا مؤسسّا ومساهما في إنتاج وعي إسرائيلي يدفع نحو ترجيح كفة قبول صفقة كبيرة تضع استعادة الأسرى هدفا أولا حتى بثمن وقف الحرب. ما يزيد من خصوصية هذه العملية التي جاءت في يوم الثلاثاء الإسرائيلي الأسود هو المكان (قريبا من الحدود داخل منطقة احتفل الجيش من قبل بتطهيرها) والزمان (بعد 107 أيام من الحرب) وعدد الجنود الكبير دفعة واحدة ممن قتلوا ليس نتيجة خلل كما قيل سابقا، بل نتيجة مقاومة.

الحادثة مهما كانت موجعة، لكنها غير كافية كما حصل في حادثة انفجار شاحنة الجنود قبل نحو شهر داخل القطاع، لكن مفاعيلها تصبح أشد نتيجة اجتماعها مع عوامل أخرى متنوعّة تترك مجتمعة آثارا نفسية تدفع حركة الريح بعكس ما يشتهيه نتنياهو وحكومته، نحو صفقة توقف الحرب بالتدريج وبطريقة تستطيع إسرائيل وحماس التعايش معها.

من مثل هذه العوامل الأخرى: صمود المقاومة الفلسطينية، واستمرار إصابة الجنود الإسرائيليين، تواصل تصعيد عائلات المحتجزين لاحتجاجاتها، استمرار انزياح الإعلام العبري، وعدد متزايد من خريجي المؤسسة الأمنية لصالح العائلات وأنصارهم.

في اليوم التاسع بعد المئة من الحرب الوحشية على غزة، من غير المرجح أن تحسم الولايات المتحدة الموضوع، وتبقى الضغوط الداخلية في إسرائيل مرشحة للتأثير أكثر من الضغوط الخارجية.

نتنياهو أسير

مقابل الدعوات للمضي في الحرب حتى “النصر المطلق” والتحذير من الخطر الوجودي المترتب على فقدانه جراء وقف الحرب، قال الجنرال في الاحتياط، وقائد الجيش الأسبق موشيه يعلون للإذاعة العبرية العامة صباح اليوم الأربعاء، إن على إسرائيل الإسراع في تخليص الرهائن لأنهم يموتون نتيجة القصف، ولأن استعادتهم ليست هدفا تكتيكيا بل استراتجي، قيمة إنسانية وخدمة للأمن القومي، وفق تعبيره.

وردا على سؤال عما إذا كان ذلك بثمن وقف الحرب فورا، قال يعلون: “نعم. هناك حلول لا يمكن التحدّث عنها هنا في الراديو لحساسية الموضوع. بعد السابع من أكتوبر، علينا ملاحقة حماس حتى آخر يوم، لكن تدميرها لا يتم بضربة واحدة. هذا وهم. اليوم التالي للحرب مفقود بسبب كابينيت متطرف بات هو ونتنياهو أسرى بيد وزراء غيبيين أمثال بن غفير وسموتريتش” يعارضون فكرة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية ومستعدون للتضحية بالمخطوفين ولذلك لا يوجد قرار”.

ترجيح الكفّة

وينعكس الخلاف الذي تجعله العملية أكثر حدة وتوتّرا في الساحة الإعلامية كما في الحلبة السياسية والشارع، فيرجح المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل أن تؤدّي كثرة الجنود القتلى داخل القطاع لتصعيد الانقسام بين الإسرائيليين حول استمرار الحرب. ويعلل ترجيحه بالقول إن غزة تبدو اليوم أقرب لجنوب لبنان، وتشهد حرب عصابات توقع الخسائر في صفوف الجيش المراوح في المكان، مثلما يتوقع هارئيل أن ذلك سيرجّح كفّة الموقف الداعي لوقف الحرب بتوفيره الوقود للمحتجين والمطالبين بصفقة فورية وانتخابات مبكرة.

وتكرّس “هآرتس” الكثير من مضامينها اليوم للدعوة إلى وقف الحرب، وهذا ما تقوله في افتتاحيتها تحت عنوان: “لنسدّد الثمن ونستعيدهم الآن”، وهذا ما يرد في عدد من مقالات الرأي، ومنها للمعلّقة رافيت هخت، التي تسخّف مزاعم الدعاة لمواصلة الحرب “الوجودية” فتقول في مقال بعنوان “حيّز الإنكار” إن الجرح الثقيل المتمثل بالمخطوفين وعائلاتهم يثقل على معسكر اليمين. وتتابع: “في المنظور غير البعيد، سيدوس هذا العبء مزاعم اليمين”.

وتبعتها المعلقة عنات كام، التي تنضم للحملة المتصاعدة على نتنياهو، وتقول إنه “يسعى لإرضاء المستوطنين، فيما تتعرض بناتنا في غزة للاغتصاب” بحسب مزاعمها.

وتذهب عضوة الكنيست العمالية سابقا شيلي يحيموفيتش، للقول في مقالها المنشور بـ”هآرتس”: “علينا وقف الحرب الآن”.

السلم المفقود

وضمن رؤيته المثابرة منذ بدء الحرب، يرى المعلق السياسي الإسرائيلي ناحوم بارنياع في مقال بعنوان “اليوم التالي للضربة” نشرته “يديعوت أحرونوت” اليوم، أنه من الصعب احتواء الغضب والوجع بعد مقتل 21 جنديا، لكن هكذا هي الحروب، لا بوليصة تأمين فيها.

ويعالج بارنياع السؤال الجوهري المطروح هنا، بقوله إن العدد الكبير للجنود القتلى لم يغيّر دعم الشارع الإسرائيلي للحرب التي يجمع حول عدالتها. لكن بارنياع في المقابل ينهي بالخلاصة الأهم: “في نظرة للمستقبل، سيكون للثمن البشري معنى. كما حماس، فإن إسرائيل أيضا بحاجة لصفقة، لا من أجل استعادة المخطوفين فحسب، بل توفّر سلّما للمستوى السياسي للنزول إلى أرض الواقع”.

في المقابل، هناك أوساط إعلامية إسرائيلية تصب الماء على طاحونة المستوى السياسي، وتحذّر من وقف الحرب الآن. وللمرة الأولى، يتحدث بعضهم بصراحة عن احتمال التضحية بالأسرى في خدمة مصلحة أمن قومي عليا كما قال المعلق السياسي في القناة 12 المستوطن عاميت سيغال. تبعه المحلل آفي سخاروف الذي يعكس في مقال تنشره “يديعوت أحرونوت” اليوم رؤية هذه الأوساط، بقوله إنه لا يوجد للمعسكرين المتنافرين في إسرائيل خطة لـ”اليوم التالي”، ويضيف: “نحن ملزمون بمواصلة الحرب”.

المؤكد في هذه الصورة المتشابكة الملتبسة، أن كارثة المغازي تصب الزيت على الجدل الداخلي حول مصير الحرب التي يرى إسرائيليون كثر جدا أن الجيش حقق فيها مكاسب تكتيكية هامة، لكن الحكومة تحول دون ترجمتها إلى مكسب استراتيجي نتيجة عدة عوامل. ومن شأن استمرار النزيف الإسرائيلي في غزة، أن يقرب من حسمه لصالح صفقة كبرى عاد الحديث الإعلامي حول التقدّم فيها اليوم، ولصالح وقف حرب هي الأطول في تاريخ الصراع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية