تمكن كارلوس غصن الرئيس التنفيذي السابق لتحالف نيسان ـ ميتسوبيشي ـ رينو من مغادرة الأراضي اليابانية مخالفاً بذلك حكماً قضائياً يلزمه بالإقامة الجبرية في العاصمة طوكيو، ضمن سلسلة إجراءات كانت تفرض قيوداً شديدة على حركته، وهبط بطائرة خاصة في مطار بيروت. ومن المعروف أن غصن لبناني الأصل إلى جانب حيازته الجنسيتين الفرنسية والبرازيلية، ولكنه في بلده الأم يُعتبر بطلاً قومياً ويحظى بشعبية واسعة تجلت خلال السنة الماضية في لافتات تضامن معه احتلت شوارع العاصمة.
وكانت الشرطة اليابانية قد ألقت القبض على غصن في 19 تشرين الثاني /نوفمبر 2018 وأحالته إلى القضاء بتهمة ارتكاب مخالفات مالية أبرزها إخفاء الحجم الحقيقي لأرباحه وتحميل خسائره المالية الشخصية على صندوق شركة نيسان. وقد خضع للتوقيف طوال 130 يوماً، قبل أن يوافق القضاء على الإفراج عنه بكفالة بلغت مليون ين ياباني (تسعة ملايين دولار)، مع حجز جوازات سفره ومنعه من مغادرة طوكيو أو استخدام الإنترنت والهاتف والكومبيوتر، وخضوعه لرقابة دائمة من الشرطة.
ورغم أن السلطات القضائية اليابانية معروفة بتشددها في إجراءات التوقيف، والإحصائيات الراهنة تشير إلى أن أكثر من 80% من المحالين إلى المحاكم ينتهي بهم الأمر إلى الاعتراف تحت طائلة أشكال مختلفة من التنكيل، فإن قسوة تدابير التوقيف المتخذة بحق غصن لفتت أنظار العالم بأسره، وخاصة في أوساط المال والأعمال. فالرجل في نهاية المطاف أحد كبار أساطين صناعة السيارات، وبدا حرمانه من الاتصال مع العالم الخارجي أو حتى التواصل مع زوجته بمثابة سلوك انتقامي أو عقابي صريح، أو تواطؤ مع بعض مدراء نيسان الذين أفزعهم احتمال سعي غصن إلى دمج الشركة مع رينو وميتسوبيشي حسب مزاعمه.
ولعل الدرس الأول وراء توقيف غصن وإحالته إلى القضاء الياباني هو أن النظام الرأسمالي يمكن أن يأكل خيرة أبنائه لأسباب لا تتعلق بارتكاب الذنب أو البراءة منه، بل لأن المصالح العليا يمكن أن تتضارب وتتناقض فتأتي على الواقفين عائقاً أمام خدمتها، والكبار الأساطين من هؤلاء قبل الصغار الأدوات أيضاً. فهل أسعف غصن أنه أنقذ شركة نيسان العملاقة من خسائر فادحة وكارثة محققة، وأن خطة الإنقاذ التي اقترحها تمت على حساب عشرات الآلاف من العمال الذين جرى تسريحهم وإغلاق المصانع التي كانت تؤمن لهم لقمة العيش؟
الدرس الثاني يعكسه نجاح غصن في الفرار من قبضة القضاء الياباني والإفلات من الرقابة اللصيقة التي فرضتها الشرطة عليه، ثم وصوله إلى العاصمة اللبنانية سالماً ظافراً، بدليل ما تردد عن مسارعة الرئيس اللبناني ميشيل عون إلى استقباله، وبأمارة البيان شديد اللهجة الذي صدر عنه وانطوى على اتهام النظام القضائي الياباني بالتحيز، وتحويله إلى “رهينة”، وتأكيد الذنب بدل افتراض البراءة، وأنه لم يهرب من العدالة بل “حرّر” نفسه من “الظلم والاضطهاد السياسي”.
وسواء كان غصن مذنباً أم بريئاً، فإن “العدالة” التي اختارها لنفسه هي تلك التي لا يملك صناعتها إلا أصحاب المليارات، الذين لا عائق يمنعهم من تكييف الحق أياً كانت الوسائل، ما دامت تلبي الأغراض. وقصة نجاحه في الإفلات من كل القيود والعوائق، وعبور المحيطات والبحار، هي أيضاً مفارقة نظام رأسمالي لا يحتكر القانون فقط، بل يدوس عليه أيضاً.
السيدة المتألقة صاحبة القلم الرشيق ورئيسة التحرير لجريدة القدس اللندنية إنه لمن دواعي سروري وصولي إليكم في هذا الوقت المناسب كي أقول لكم أنني ككاتب عربي أود مشاركتكم بعض المواد التي تعنى بقضية المرأة الريفية ولكنني لم أستطيع الوصول إليكم .
أرجوا الرد