لندن- “القدس العربي”:
تساءلت الباحثة ياسمين فاروق في مقال نشره موقع وقفية كارينغي عما سيحدث لو قررت إسرائيل والسعودية تطبيع العلاقات بينهما.
وقالت فاروق إن إدارة الرئيس دونالد ترامب تضغط بقوة على السعودية للانضمام إلى الدول العربية التي أقامت علاقات مع إسرائيل، إلا أن الرياض قد لا تستجيب لهذه الضغوط.
وهناك تحول بطيء تجاه إسرائيل، حيث دعمت الصحافة السعودية ورجال الدين والأمراء الاتفاقيات التي وقعتها الشهر الماضي الإمارات والبحرين مع إسرائيل. وجاءت التلميحات الأخيرة من أشهر سفير للسعودية في واشنطن، بندر بن سلطان، عبر سلسلة من اللقاءات التلفزيونية وموقع خاص به، مع أن خطاب الملك سلمان في 23 أيلول/ سبتمبر 2020 أمام الجمعية العامة أظهر موقفا تقليديا.
وكانت آخر التصريحات من الملك والمسؤولين السعوديين الذين وضعوا شروطا ومعايير بناء على خطة السلام العربية والقرارات الدولية. وتقول فاروق إن إقامة علاقات رسمية ستساعد كلا البلدين على تحقيق عدد من الأهداف الإستراتيجية والعسكرية.
وعندما تقرر السعودية وإسرائيل التطبيع، فلن يكون تحويليا بالدرجة التي يتطلع إليها كل طرف. وفي الحقيقة قد لا يحقق التحول رغباتهما. وتقدم الكاتبة ستة أهداف يرى الداعون للتطبيع أنها ستحقق مع أن هناك أضدادا تقف في الطريق.
فالتطبيع أولا لن يشجع على السلام والاستقرار في المنطقة. ويقول الداعون للتطبيع الخليجي- الإسرائيلي إن علاقات دبلوماسية ستجلب السلام لمنطقة تخلو من السلام. إلا أن اتفاقيات التطبيع الأخيرة بما فيها اتفاقية محتملة سعودية- إسرائيلية لن تعالج “الضعف الرئيسي” الذي يتسبب بالعنف وعدم الاستقرار في المنطقة بما فيها إسرائيل والسعودية والمناطق الفلسطينية.
ففي العقد الماضي شهدت المنطقة احتجاجات ضد الأنظمة القمعية بما فيها السعودية وإسرائيل وفلسطين. وتبع معظم هذه الاحتجاجات قمع الدولة وفي بعض الحالات حروبا أهلية وتدخلا خارجيا. ولكن الظلم وعدم المساواة الذي دفع للاحتجاجات لم تتم معالجته أبدا، باستثناء تونس.
ورغم مظهر السلام الذي منحته اتفاقيات السلام والتطبيع الأخيرة، إلا أن السعودية تتوقع من الولايات المتحدة وإسرائيل تقوية التعاون الأمني والعسكري.
ومن أجل الدفاع عن نفسها ضد إيران، قد تستفيد السعودية من التعاون الجديد مع إسرائيل وخبرتها بالحروب غير النظامية. إلا أن سجل السعودية وإسرائيل إشكالي فيما يتعلق بمعاملة المدنيين. ولهذا فلن يجلب التعاون السلام.
أما الأمر الثاني، فالتطبيع لن يخدم دائما مصالح أمريكا في الشرق الأوسط. والسبب هو أن السعودية وإسرائيل تريدان من أمريكا التدخل خارج اختصاصها. كما أن مصالح البلدين ليست متوافقة دائما مع المصالح الأمريكية بل وتتداخل معها، وكلاهما حريص على استمرار الهيمنة العسكرية الأمريكية على المنطقة، وبالتالي فليس من مصلحتهما أن تنسحب أمريكا منها.
ويريد البلدان من واشنطن استخدام قوتها العسكرية لهزيمة وليس احتواء إيران. وتدفعان باتجاه صفقة مستحيلة لا تخدم المصالح الأمريكية في وقف المشروع النووي الإيراني، ولكن بملاحقة الطموحات الجيوسياسية الإيرانية في الشرق الأوسط.
وتريد السعودية وإسرائيل بقاء أمريكا لمكافحة الإرهاب، إلا أن الحرب الإلكترونية وعمليات التجسس تعني أن تعريف الإرهاب لديهما يشمل المعارضين السلميين الذين يعارضون التطبيع.
ويعقد توسيع الحرب على الإرهاب السياسة الأمريكية لمتابعة التنافس بين الدول والقضايا الأخرى التي أهملتها السياسة. ووسعت السعودية وإسرائيل علاقاتهما مع منافسي أمريكا مثل الصين وروسيا. ورغم كون التوسع اقتصاديا، إلا أن التعاون ليس شفافا دائما، وهناك احتمال بأنه يؤثر على التعاون الأمني والعسكري. وتطمح الولايات المتحدة من خلال تشجيع التطبيع لإعادة توزيع العبء الأمني والدفاعي وإنشاء شبكة إقليمية قادرة للدفاع عن نفسها، لكن لا السعودية أو إسرائيل وبدعم من الإمارات لديها الإطار الأمني الذي تفكر به أمريكا. كما أن عدم الثقة النابعة من التغيرات الجيلية والتنافس يعني عدم اتفاق هذه الدول على الطريقة المناسبة لمواجهة إيران.
النقطة الثالثة هي أن التطبيع لن يعزز الاعتدال والليبرالية في السعودية. وهناك أدلة على أن المواطنين السعوديين مع التطبيع الذي يقدم ضمن سرد أن المملكة باتت معتدلة. ويتناسب هذا مع نهج محمد بن سلمان “العلاج بالصدمة” ويعطي منافسيه والغرب إشارة على أنه سيتبنى أي سياسة تحديث لبلاده.
لكن اللاعبين الاجتماعيين في السعودية لم يطالبوا بالتطبيع مع إسرائيل بالقدر الذي طالبوا فيه بالإصلاحات مثل تقوية المرأة ومكافحة الفساد. وأكثر من هذا، ففلسطين ليست قضية هامشية، بل هي موضوع نقاش وتعبئة في المدارس وقاعات المحاضرات والمنظمات غير الحكومية والمساجد بما فيها المسجد الحرام.
وتطبيعٌ برعاية ترامب، يعني نقل “سعودية الغد” نقلة مبالغا فيها تماما، مثل دعوة نيكي ميناج للغناء في أرض الحرمين. وهو أمر لا يتحمله نظام القيم الذي تؤمن به الغالبية السعودية.
وعملٌ كهذا سينزع الثقة من قضايا تنمية اجتماعية- اقتصادية وتطور ديني، وسيغذي السرد المتطرف من إصلاحات محمد بن سلمان، وهي أنها موجهة ضد الإسلام.
والهرولة للتطبيع مع إسرائيل ستؤثر على خطاب المملكة الداعي للاعتدال. وسيرى المواطنون السعوديون إمام الحرم وهو يدعم اتفاقيات التطبيع، في وقت يتم فيه قمع الأصوات الفلسطينية الشرعية. فالرأي العام ليس أعمى ليكتشف التناقض في الخطاب السعودي. وحتى وقت قريب، ظلت الصحافة والأمراء السعوديون يهاجمون تركيا وقطر لعلاقتهما مع إسرائيل.
وبشكل مشابه، لا تقبل كل الأصوات التي تشجب الفلسطينيين وتضعهم في نفس المعسكر المعادي للسعودية مثل إيران وتركيا وقطر، أن إسرائيل هي صديقة لأنها عدوة عدوي. وستظل العلاقات السعودية – الإسرائيلية رهن حسابات العائلة المالكة المتعلقة بنجاتها. وفي كل مرة يتصرف بها الجيش الإسرائيلي بقسوة ضد الفلسطينيين، يجبر التعاطف الشعبي العائلة الحاكمة على الرد حتى ولو بشكل رمزي.
الأمر الرابع هو أن السلام لن يكون دافئا. فالتطبيع لا يعني أن البلدين أصبحا صديقين. صحيح أن حشدا من الكتاب والإعلام وحسابات التواصل الاجتماعي والمشايخ تحدثوا عن أن إسرائيل ليست العدو، بل الفلسطينيون الذين يطلق عليهم “عرب الشمال الجاحدين” الذين وقفوا أمام السعودية لكي تفكر بمصالحها أولا.
إلا أن هذا الكلام نابع من حملة لتقوية الهوية السعودية على حساب الهوية العربية والإسلامية. ولا يوجد ما يؤكد أن هذه الهوية تلقى الدعم بين كل السعوديين. ولأن السلطات سيطرت على مشهد التواصل الإجتماعي خلال السنوات الماضية، ولم نتسامح مع أي نقد، يعني الشك بأي سرد خاصة المتعلق بمواقف الشباب.
وأكد مركز زغبي عدم شعبية التطبيع بين المواطنين السعوديين. وعلى الحكومة قمع أي عملية تعبئة ضده. كما أن التعاون الأمني والسبراني بين الرياض وتل أبيب يعطي السعوديين رهانا في هذا، لأن التعاون أعطى الحكومة قوة من أجل مراقبتهم. ولهذا السبب ذكّر إمام الحرم المواطنين بطاعة ولي الأمر وضرورة ترك السياسة له.
الأمر الخامس، هو أن التطبيع لن يحل مشاكل السعودية في واشنطن. فمن الناحية التاريخية، كانت إسرائيل المصدر الرئيسي لمعارضة علاقات قوية مع السعودية رغم حضور المملكة النافذ داخل دوائر السياسة الأمريكية.
واليوم هناك سوء فهم يربط مشاكل السعودية بتحيز الديمقراطيين ضد المملكة. وهذا كلام يتجاوز تعقيدات السياسة الأمريكية ووضع السعودية الذي يتداخل مع المصالح المحلية والسياسة الخارجية، مثل الإستثمار في القواعد العسكرية المحلية لا الأجنبية، وإعادة القيادة الأمريكية العالمية، وموازنة قيم أمريكا الليبرالية بمصالحها في الخارج. وهي أمور تترك أثرها على العلاقات الأمريكية مع السعودية وإسرائيل.
الأمر السادس، أن التطبيع لن يساعد في قضايا السياسة المحلية السعودية. فولي العهد السعودي ربما أراد من التطبيع ثمنا غير الثمن العالي وهو دولة فلسطينية. بل ربما رغب بمساعدة أمريكية له لمواجهة الأعداء الذين صنعهم في طريقه إلى القمة، ليس في السعودية فقط، ولكن في أمريكا.
وهذا الدعم الأمريكي للسعودية ليس مستحيلا، ولكن يجب أن تتحقق شروط منها فوز ترامب بالانتخابات، وليس المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن.
ومن المفهوم حرص الولايات المتحدة وإسرائيل على التطبيع مع السعودية. لكن التعجل يعني خسارة الرياض ورقة نفوذها ومكانتها في العالم الإسلامي. فقوة السعودية ليست نابعة من الاقتصاد ولكن من القبول بتأثيرها وقدرتها على بناء توجهات خارج حدودها وإنفاق المال على قواعدها التقليدية.
وعندما تجذب سياساتها الرأي العام الشعبي تكون قدرتها على التأثير مضاعفة. لذلك ليس من مصلحة واشنطن وتل أبيب والرياض الاندفاع باتجاه سياسيات تؤدي إلى تحدي قيادة السعودية العربية والإسلامية ووضعها المحلي.
ولن يؤثر هذا على قدرة السعودية في الوصول إلى القوى المعادية واللاعبين من غير الدول. وسيضيعون قدرة السعودية على قيادة الدول ذات الغالبية العربية والمسلمة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل عندما يحين الوقت المناسب.
سيندم المطبعون يوم لاينفعهم الندم : لن تنفعهم الولايات المتحدة الأمريكية ولا دولة الصهاينة ولن ترحمهم شعوبهم التي ستتبرأ من فعلهم الشنيع في حق القضية الفلسطينية وسيتقى فعلهم وصمة عار يسجلها التاريخ.
على بن سلمان الاختيار بين خدمة الحرمين وخدمة اليهود والنصارى
(قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ . قَالُوا أَإِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ . قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ . قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (يوسف:89-92).
في عصر الملك فيصل كانت السعودية تحظى باحترام واسع حتى من قبل اليسار. كل هذا الرصيد المعنوي ضيعه محمد بن سلمان في رمشة عين. ولن تنفعه اسرائيل في شيء