كازينو عطشان

جمال العتابي 
حجم الخط
0

كم مرة حشروا عطشان مع المعتقلين السياسيين، كان ثمة أفواه تطالب بالخبز للفقراء، يأسره الصوت والنداء، فينجرف معها، عطشان لا صلة له بتنظيم، أو علاقة بحزب  ليست له ناقة في رحى الصراع ولا جمل، كانت أمه تهيئ له من جراحات الصباحات رغيف الحياة، وتوصي صغاره أن يلحسوا أصابعهم مثل الجراء وأن يحبّوا بلادهم.
عطشان يفترش قمامة الأرصفة الساخنة، يعيش في عريه بلا عمل، يمضغ الحصى والغبار، مستسلماً لخيالاته الآفلة، في مطلق الفقر يجد نفسه وسط الجموع الهادرة بسقوط النظام الملكي، في أكثر من مناسبة يتصدر التظاهرات ويهتف، عطشان صار زبوناً دائما لدائرة التحقيقات الجنائية. وصيداً سهلاً لشرطة الأمن.
في صبيحة 14 تموز/يوليو 1958 يوقظه صوت الراديو من نوم الحجر، كانت قيود السجان على عينيه تؤرقه، ينصت بكل جوارحه إلى بيان الثورة الأول، يتساءل الأطفال وأمهم عما يصنعه الأب في تلك اللحظات، قفز إلى الشارع، يدور حول الأزقة، وتدور به كل الأزقة، البيوت كان لها صدى منحاز إليه كقائد أمضى سنوات شبابه في السجون.
يمضي الوقت، الأم وأولادها يتكدسون حول الراديو، يستمعون إلى بيانات الثورة، كانت الأم تمدّ عنقها بين الحين والآخر نحو الباب، تنتظر أن تخلع أسمالها القاتمة، عسى أن تسمع اسم عطشان من بين أسماء الحكومة الجديدة..
– ربما! تطمئن الأولاد، أن أباهم إلى جوار الزعيم الآن يملي عليه أسماء الوزراء وقادة الفرق العسكرية، ومديري مؤسسات الدولة المهمة. تمر السنوات، ويخفت الضجيج، وتدور الأفلاك تنهدّ السحائب والمطر، كان (زبون) مفوض الأمن في زمن بهجت العطية، قد توقف عند مقهى على الرصيف في شارع سمي، شارع الكفاح في العهد الجمهوري، بدلاً عن اسمه الأول (شارع غازي)، دقق في وجه العامل الذي سقاه (استكان) الشاي، وقد خمد الضوء في بؤبؤ عينيه، وتلوّن ثوبه بلون الغبار:
– هذا أنت يا عطشان (زبوني) القديم؟
كنت أتوقع أن تكون مديراً في البلدية، أو مراقباً فيها على الأقل في عهدكم الجديد!
– لا تقل هذا يا زبون! نحن حماة الثورة وسياجها الأمين، أشكر ربك لأننا لم نقتص منك!
– والله يا عطشان لو نعرف هذي غايتك كان من ذاك الوقت فتحنا لك كازينو، ونخلص من دوخة الراس.

 كاتب عراقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية