ليس بالسهل وصف المشهد العربي ضمن ما سمي بالربيع العربي، فالصورة تبدأ تكوينها بمظاهرات فقتل فجثث .. مفقودين ..آرامل وعلامات استفهام كبيرة وكثيرة لااجابات شافية لها سوى المجهول والانتظار عند المواطن العربي البسيط، وضمن هذا المشهد المتحول نبحث عن المثقف والمبدع العربي في دول الانتفاضات التي لم تنته بعد ولم يتحقق حلم مواطنها بالأمن والرفاهية، فهل وجد فيها المبدع بعض ما كان ينشد؟ ام أنه هو الآخر لا يزال يحلم وينتظر ان يغير مسار هذه الأحداث مستقبل ابداعه وطموحاته ..؟ سؤال نطرحه على بعض من مبدعي دولة ليبيا التي انتفض شعبها ضد نظام قمعي طاغ استمر لأربعة عقود من الزمن ..
الأمل كبير جداً
ستجد نفسك أثناء قيامك بالعملية الإبداعية في عملك محاطا بإرهاب فكري أنتجه الواقع.
نهاية نظام القذافي أوجدت معها الكثير من المكونات الثقافية الكثيرة والجديدة في المجتمع.
الاحداث التي أطاحت ببعض الانظمة الشمولية العربية لا بد ان تنتج ابداعا جديدا.
الكيلاني عون / شاعر وكاتب من ليبيا
يبدو السؤال مقلقاً بعض الشيء خاصة وأنه يفترض وعياً مسبقاً بحركية الإبداع بدقائقه المحايثة للمتغيرات في المنطقة العربية التي عانت الكثير بسبب هيمنة الطغيان الفردي والتأويلات الدكتاتورية لكل منجز ثقافي / اجتماعي، إن مسألة الواقع الإبداعي المرتبطة بالراهن ـ كما فهمتُ على الأقل ـ لا يمكن قراءتها وهي تسير معبِّرةً عن خلاصها ضمن خطابات عديدة تظل مندمجةً ونشوة الانتصار والخلاص من الكبت والقمع، إنها ترتقي تدريجياً بينما ينتظر التوصيف ما تؤول إليه لاحقاً من تضافرات إيقاعية تحاول تأسيس اختلافات وماضي الخطاب الإبداعي . لقد عاش المبدع العربي لعقود وهو يختطف لقمته ليحيا أو حتى لينشر نصّاً وهي تجربة مريرة كممت الكثير من الأصوات وجعلت الإبداع يسقط أحياناً في ممارسة الحذر خاصة وأن مبدعين تعرضوا للقتل بسبب اختلاجاتهم المرّة ومحاولاتهم قول الحقيقة.
ببساطة أعتقد أن مستقبل الإبداع العربي بعد المتغيرات الحديثة سيجد ضالته التي طالما بحث عنها : الحرية، والتي وجدها فعلاً لذلك ستثمر هذه الحدائق جميعها وربما ننتظر زمناً إبداعياً مختلفاً وقادراً على ترجمة الأحاسيس الصافية بعيداً عن التهميش والإقصاء والمزايدات التي لن تنتج إبداعاً بقدر ما تكرّر الماضي البغيض وتستعير أدواته الشهيرة بتعذيب المبدعين.
الأمل كبير جداً بمستقبل الخطاب الإبداعي العربي بعد زوال الطغاة وبداية تأسيس الحقائق.
خالد المغربي / شاعر وكاتب من ليبيا
عندما نتحدث عن واقع الإبداع حاليا إن قلنا انه إبداع .. نجد أنه إبداع موال لما يحدث في المنطقة العربية التي يحدث فيها ما يسمى بالربيع العربي، وهذه التسمية روجت لها جهات كانت تعد مسبقا لما يحدث الآن من استحواذ على ما يمكن أن يكون ربيعا وتجريد البقية منه هذا الربيع ! إذا قلنا انه ربيع ولكن في حقيقة الأمر هذا الواقع أحرج المبدع الصادق الذي لا يريد أن يكون أداة من أدواة الترويج لمشروع ما زالت حقيقته لدى البعض مبهمة وخفاياه مازالت طي كتمان الزمن عندما تريد التعبير من هذا المنطلق سواء بقصيدة أو لوحة تشكيلية أو غير ذلك ستجد نفسك أثناء قيامك بالعملية الإبداعية في عملك محاطا بإرهاب فكري أنتجه الواقع، أي أنك ستجد أفكارك تمارس عليك تهديدا ووعيدا بالخطر المحدق بك وهذا الشعور كان ينتابنا فترة الأنظمة السابقة لكنه لم يصل إلى درجة الترهيب من الموت فأي ربيع هذا، لذلك سيلزمك الواقع إما بالتوقف إذا كنت صادقا أو بالتملق والتلفيق والسير باتجاه تزييف الحقائق لتكون أداة من أدوات التحايل والتلاعب بعقول البسطاء وهذا لايعتبر إبداعا أو أنك تواجه هذا الواقع بأن تكون مرآة تريه حقيقته في محيطك البسيط، فالإبداع أراه أن تكون صادقا في مشاعرك تجاه عملك وتجاه من تقصده بهذا العمل وغالبا ما يكون التاريخ هو المقصد لكل مبدع حقيقي لأن العمل الذي يبقيه التاريخ لابد وأن يكون عملا صادقا ويعبر عن المرحلة بكل مضامينها وواقعها دون التزلف والنفاق، فأنا كمبدع يمكن أن أبارك شيئا عظيما أكون على قناعة به وهذا الشيء لايعود علي بالمنفعة بل بالعكس قد يعود على بالضرر ولكن شعوري بأهمية هذا الشيء لصالح الأمة والعروبة والإسلام مثلا يحتم علي أن أتجاهل مصالحي الشخصية، أباركه بصدق دون النظر في نتائجه علي .
ومن حيث المستقبل لا أعرف ماذا سنترك للمستقبل خصوصا هنا في ليبيا بعد أن اختلطت الأوراق واختلط الحق بالباطل وقسم الحق إلى نصفين كل جانب أخذ النص الذي يناسبه وأصبح يرى غيره من النصف الآخر الذي يرى تضرره من خلاله، هذه هي الحقيقة، وأنا كمبدع لا يمكن إلا وأن أكون عند المستوى الذي أجد فيه ذاتي وهو المستوى الذي يرتقي بالجميع ولايبحث عن الكفة الراجحة ليزيدها ثقلا على حساب الكفة الأخرى التي قهرتها عدة ظروف، هذه المشاعر تجعلك مبدعا مشوها إذا لم تستطع أن تخرج من أعماقك حقيقة المشهد الذي من حولك بصدق.
رامز رمضان النويصري/ شاعر من ليبيا
الإبداع كتجربة لا يمكن فصلها عن المتغيرات الكثيرة التي يعيشها المبدع، سواء الخاصة أو العامة؛ فما بالك بتغيرات كالتي حدثت في المنطقة العربية، والتي قلبت الكثير من المفاهيم، وكشفت الكثير مما كان مخبأ ومسكوتا عنه.
ما حدث في المنطقة العربية، غير الكثير من الثوابت على الصعيدين العام والخاص، وهذا التغيير في رأيي يخدم مصلحة الإبداع، يعني تجربة جديدة، وتحد جديد للمبدع ليكون قادراً على إنتاج إبداع هو ابن المرحلة.
فالمتغيرات الجديدة، تعني في ذاتها تغيرا ثقافياً في المجتمع، فعلى سبيل المثال في تجربتنا الليبية، نهاية نظام القذافي أوجدت معها الكثير من المكونات الثقافية الكثيرة والجديدة في المجتمع، وهي على الوجهين، السلبي والإيجابي، فمثلاً: معنى السلطة لم يعد يرتبط بالمنصب، كما إنها أوجدت حراكاً اجتماعياً جديداً في المجتمع واستخدام مصطلحات كان من الصعب تداولها بشكل علني؛ كالحرية، وحرية التعبير، والأحزاب، والمشاركة السياسية، وغيرها. والمبدع لا يستثنى من هذا الحوار، وإن كان هو المهموم من قبل، مسرباً أحلامه وأمنياته في إبداعه بشكل موارب، وها هو الآن يكتب نصه بشكل واضح دون خوف من رقيب. أمر آخر يضاف إلى هذا، حالة القلق التي تعيشها الدول العربية التي عاشت تجربة الربيع العربي، وهذه الحالة القلقة ـ المستمرة- سوف يكون تأثيرها المباشر على الإبداع في بعض الأجناس الأدبية، كالشعر والقصة، كونهما يتأثران بشكل أكثر باللحظة، ويعولان عليها وعلى اليومي، أما في الرواية فالأمر يحتاج إلى بعض الوقت للراوي للتأمل وانتظار النتائج، لصياغة رواية المرحلة، المسرح يعمل في ذات الاتجاه. وفي التجربة الليبية، هذا يظهر بشكل واضح وجلي، فالشعر والقصة يرصدان نبض الشارع، أما الرواية فتنتظر، فرواية التحرير أرخت لمرحلة نضال الشعب الليبي ضد نظام الطاغية، كما في رواية ‘إبراهيم الكوني’. أما مرحلة ما بعد التحرير فهي تنتظر.
المهم، إن هذا التأثير حتى وإن لم نر تأثيره بشكل مباشر وواضح، سنراه قريباً، بعد أن تختمر التجربة أكثر، ويعاد إنتاجها أدبياً.
ابراهيم بشير زائد / قاص من ليبيا
كما في القول الشائع… يولد الابداع من رحم المعاناة…جملة تنطوي على مغالطة كبرى، رغم المتغيرات الكبيرة التي حدثت في البلاد العربية والتي تشمل تأسيس نظام اقليمي جديد، وما حدث قبله من فعل وتفاعل وردات فعل. كان من المفترض ان يكون مناخ الحرية والانفتاح على الابداع مُشرعا على مصراعيه لحركة ثقافية منفتحه ومندفعة نحو افاق متعدددة.. لكن الامر كان برمته مفاجئا وصادماً للعوام وللنخب المثقفة على السواء.. فكيف بالحرية ان تشعل جذوة الابداع وتعمل علي تجويده وصياغته بطريقة اخرى خلاقة مًلهمة وملهمة ؟ لا ان تتحول الى كابوس من الصمت والخرس المعلن، وكأن لعنة الطواغيت القت بظلالها بطريقة تهكمية ليخرج النزر اليسير والنادر القليل من النتاج الابداعي بصورة مهلهلة وماهو جيد ظهرعلى استحياء.
يبدو ان الامر يحتاج الى دراسة مستفيضة تطرح اسئلة غاية في الخطورة والحساسية لماذا هذا الفتور على مستوى النص والاغنية والمسرح والسينما والدراما والاقنية الفضائية.؟.لماذا انحسر الابداع وخفت جذوته ؟ماهو مستقبله في ظل الثورات والمتغيرات ومكانه من الحراك الوطني بمكوناته النخبوية الثقافية والسياسة او علي المستوي الشعبي ؟
لااعتقد ان الاجابات سهلة ومتاحة ولكن:
علينا ان نتفاءل رغم هذا الجمود بأن هناك ضوءا في اخر النفق… الواجب تلمس هذا الطريق للوصول للمنشود.
عبدالرزاق العاقل / كاتب وباحث من ليبيا
بالمنطق العقلاني فإن هذا السؤال يتوجب الرد عليه ايجابيا باعتباره حجر الاساس في البُعد الاستراتيجي للمنطقة اليوم بشكل مخالف لما نحن بصدده، ولكن الواقع يقول خلاف ذلك لأن هذه المتغيرات خلفت الكثير من التناقضات الشادة بعد ان اعتلت السلطة زمرة من زمر الفساد الديني والأخلاقي والسياسي والاجتماعي في هذه البلدان المعنية التي هي بطبيعة الحال اداة من ادوات المرحلة المخطط لها منذ زمن بعيد بعد ان فشلت القيادات التقليدية السابقة الفاسدة في ان تحققها ليأتي التغيير وكأنه حركة ثورية ربيعية صرفة يقودها اناس كانوا مضطهدين في الماضي البعيد كما يتبين من تسلسل الاحداث الكئيبة التي تمر بها المنطقة سواء في الشمال الافريقي او في الأماكن الأخرى من هذا الوطن العربي الكبير، اقتداء بما يحدث في العراق الذي تشرذم وقطعت مفاصله تنفيذا لسياسة مرسومة عمرها اكثر من نصف قرن !! فبعد هذه الشحنة الإسفلتية الداكنة من السواد حول هذا الموضوع نرجع فنقول بان الابداع العربي سوف لا يحدث فيه اي تغيير في هذه المرحلة الكئيبة بغض النظر عما يُلوح به هذا التشنج الذي بدأ ربيعا وانتهى خريفا نتيجة لما افرزته المرحلة البشعة التي تقودها سلالة مُتدنية من البشر تساقطت اوراقها بفعل انهم ساقطو القيد في هذا الوطن لأنهم مدثرون بعباءات النفاق والتمسح للآخر والالتواء على السلطة فاجهضوا الربيع العربي واجهضوا الذات الأبية في لحظة من زمن لا يعاد تكرارها مرة اخرى !! فالابداع نعرفه على انه يأتي من المخاض الحقيقي لأفراد امة تؤمن بالوطن وبمستقبله وحاضره بدلا من استشراف محصلات الأمم الأخرى وطرحها كمادة قابلة للنقاش والتسويق، فعملية الابداع في حد ذاتها هي مضمون شديد الدقة في التعريف والفعل ، وذلك من منطلق القول بان (الإبداع توليد لفكرة جديدة وتنفيذها، وتحويلها من حالتها المثالية إلى واقع منتج أو عملية جديدة أو خدمة جديدة، تؤدي إلى النمو وتوليد المكاسب الوطنية).
فالعملية الابداعية مزيج من القدرات والخصائص الشخصية الفردية المتمثلة في خاصيه ذهنية التفكيربطرق غير تقليدية ولكنها بنتائج مفيدة للمجتمع الكائن فيه او العالم في مجمله،فهذه الخطوة الأولى من ترتيب اولويات الابداع لا تكتمل الا اذا ضخينا في اوصالها عنصرين اولهما : الإبداع على مستوى الجماعات، وثانيهما الابداع على مستوى المجموعات الشعبية والمنظمات المتميزة التي تتعاون فيما بينها لوضع الهدف موضع التنفيذ . ولكن الذى حدث ان هذا الابداع الذي ناشدناه أبان قيام الربيع كان منقوصا بفعل الارهاصات المتناقضة التي استجدت على الساحة، والتي كان من المفروض ان تتلازم مع الفعل في اوله ومحاداته في مراحله الاخرى المتعدده الى ان ينبثق عنه المستقبل المأمول، غير انه اصبح بين عشية وضحاها نسخة طبق الاصل من العبثية المشوهة والتأليه الذاتي للفرد الباحث عن المصلحة الشخصية والحزبية المتشرذمة في آفق هذا الوطن الكبير وليس المصلحة الوطنية التي من اجلها قامت الهمم لتغيير الواقع، بل اننا دخلنا من خلال هذا النفق المظلم الى سراديب ما يطلق عليها الفوضى الخلاقة، التي تسوق لها الدوائر الغربية منذ ثلاثة عقود ونجحت في تأصيلها بمنطقة العراق، باعتبارها مخرجا بديلا لاجهاض اي معنى تنطلق منه ثورة ربيع عربي مفاجئة تتحدى دوائرهم الاستخبارية الموسومة اليوم بالعار ضمن حلقة الاتهام الموجه لنا نحن ! هذه النقطة التي لا يلتفت اليها ضمن المساق القائم اليوم والمُكون لاحد عناصر الابداع المنطلق من القواعد الشعبية الحقيقية الملهمة والمنطلقة من ادوات ابداعية فردية بحتة لم تكتمل بحسب المفهوم الذي بنيناه في السطور السابقة، اذا ما اقتنعنا بمفهوم الابداع بانه حزمة افكار جديدة ومفيدة ومتصلة بحل مشكلات معينة قامت من اجلها الانتفاضة الشعبية الكبرى، خاصة ونحن مع الرأي القائل بان الابداع في مضمونه ما هو الا رؤية الفرد لظاهرة ما بطريقة جديدة ومتجددة من الاحساس بوجود مشكلة تتطلب المعالجة ومن ثم القدرة على التفكير بشكل مختلف ومبدع ومن ثم إيجاد الحل المناسب لها .فالابداع المحصور بين فكي كماشة اليوم في وطننا العربي يتجاذبه الحّس الوطني المتدني في هذا الخضم البائس المتجادب بين الخوف من الفشل ، وتجنب المخاطر وعدم توافر الحرية والاعتياد على الامور ومقاومة التغيير وجمود القوانين وانخفاض نسبة الدعم الجماعي الذي استهواه الجانب المصلحي الشخصي نتيجة فقدان عنصر التحفيز . كل هذه العوامل التي طلت علينا برأسها من خلال المتغيرات الاخيرة في المنطقة العربية ادت وبطريقة مبسطة الى سقوط مفهوم الابداع الرائد والفريد لتكون اعمالنا جملة من السلبيات، وحتى نتحاشى ذلك النوع من الميل والنزعة الطبيعية في الفرد للبقاء على ما كان عليه في السابق المتسم بالروتينية المحضة، باعتبار ان التغيير يحتاج الى همة ونفس جديدة تلتقي معها الوطنية والأصالة الحقيقية وهو ما وقعت فيه مناطق التغيير وتكاثفت معها كل القدرات المعادية والمتعاونة معها لإجهاض ما تبقى من الأمل المأمول . وها نحن نقف امام مفترق الطرق نصغي للكثير من الهواجس التي تسربت الى اعماقنا من قبل الحكام الجدد ليلغوا فينا صيغة الابداع ولو لحين !!
فتحي نصيب / كاتب وقاص من ليبيا
بداية ارى انه من المهم الاشارة الى ان الأبداع الادبي يتفاوت من حيث الجنس وفق نظرية الاختلاف النوعي، فمن المعروف أن الشعر أكثر الاجناس الأدبية تأثرا بالواقع، وهو الاسبق في التعبير عن المتغيرات (الاجتماعية او السياسية او الفكرية)، وينطبق هذا ايضا على الفن التشكيلي والموسيقى والغناء، اما الرواية و(القصة) فتحتاج الى وقت (قد يطول أو يقصر) كي تلتقط تفاصيل الاحداث والانفعال بها ثم التعبير عنها. فيما يتعلق بما وصف (بالمتغيرات الأخيرة) في المنطقة العربية..هناك من يرى انها ثورة ضد أنظمة استبدادية شمولية (امنوقراطية) ترى الحل الأمني الوسيلة الناجعة لحماية سلطتها واستدامة حكمها، ولم تحقق أي منجز على صعيد التنمية البشرية او الاقتصادية، فلا حرية ولاقوانين ولاتنمية، مع استشراء الفساد ونهب الثروات من قبل العائلة الحاكمة وأقلية مستفيدة. وهناك من يرى انها (انتفاضة شعوب مقهورة) لم تنجز ثورة كمثيلاتها الفرنسية او الروسية او ثورات الدول الاشتراكية السابقة.
وفريق ثالث يرى أن الغرب نصب حكاما ليكونوا (وكلاء) لهم تنحصر وظيفتهم في تأمين وصول ثروات بلدانهم الطبيعية (كالبترول والغاز) الى الغرب ..وفتح اسواق البلدان العربية امام السلع والاسلحة (الخردة) لامتصاص ما تبقى من ثروة مالية، والغرب نفسه من أطاح بمن نصبهم بعد انتهاء صلاحيتهم.
ولذا فان الابداع الادبي والفني سيكون انعكاسا لهذه الرؤية او تلك.
بشكل عام وبصرف النظر عن وجهات النظر السالفة، فان هناك ثوابت أنجزت ولا اتوقع الرجوع عنها ومنها: حجم حرية التعبير المتاحة مقارنة بالأوضاع السابقة التي وصلت حدا لا يتفق ومعطيات العصر، حيث طاردت الانظمة الشمولية كل الشرائح ومعظم المثقفين والكتاب حيث سجنتهم واعدمتهم وهجرتهم بل وصادرت حتى احلامهم في العيش بكرامة، ومنها ايضا بروز ادوات ووسائل تعبير لا تعول على قنوات الاعلام الرسمي المقروء والمسموع والمكتوب كاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي او رسوم الجداريات (الغرافيك) في الشوارع والميادين العامة، ومنها التوسع في صدور الصحف المستقلة عن الخط الرسمي للدولة التسلطية.
من خلال كل هذه المعطيات يمكن ان نتلمس اجابةعن السؤال المطروح، حيث صدرت بالفعل اعمال ادبية مواكبة للأحداث الاخيرة ولكنها بشكل عام ضعيفة فنيا ويشوب معظمها التسرع لأنها جاءت منفعلة واّنية اي تتعاطى مع الحدث وكأنها أخبار صحافية واتوقع انه في المستقبل المنظور ستخرج اعمال ادبية وفنية أكثر نضجا وأقل تسرعا وهي التي ستصمد في وجه الزمن.
ان الاحداث التي أطاحت ببعض الانظمة الشمولية العربية لابد ان تنتج ابداعا جديدا..بمعنى أن الادب والفن لن يكون كسابق العهد، على مستوى المضمون او الشكل، الاتي سيكون مختلفا عن الماضي وسيشكل قطيعة مع الموروث من الخوف والرعب المزروع منذ قرون طويلة.
سعاد الورفلي / صحافية من ليبيا
الإبداع مثل الكائن الحي يتغير ويتأثر بالمحيط أو البيئة التي ينبثق منها وفيها …وحري بنا أن نعلم جيدا أن هناك خطوطا إبداعية تدل على مستقبل واعد لأصحابها خاصة بعد الثورات والتغيرات بمنطقتنا العربية ..حتى أن المخيلة باتت تتسع وتتسع لتحميل خيال أكبر من حجمها الذي عاشته طيلة سنوات جمود معينة . ونحن نعلم جيدا أن الثقافة والفكر تعدد بالمنطقة الواحدة بعد أن كانت بعض المناطق لا تحوي أفكارا متنوعة بل لا تحضنها أصلا …فالمبدع المفكر سيصاب بحالة ذهول ودهشة فكرية حيال ما يعيشه من انفتاح مفاجئ لكافة أوجه الثقافة والفكر ..حتى أنه يقع عليها – ربما – دونما تمحيص فيلتقط دون فحص فيقع في الاختلاط المتشابه عليه ..إلا أن حال المبدع يستطيع الفكاك من كل تلك المشارب المتنوعة والثقافات المتداخلة بيئة ومكانا وزمانا ووجوها وحيثيات وكثير من الأمور التي لتعد ولا تحصى. بعد المتغيرات بالمنطقة : انفتحت انفتاحا فكريا رهيبا فالأدوات موجودة: الإنترنت والمواقع والصفحات والشخصيات التي كانت تقبع في مركزية خاصة ظل يناقشها ويجادلها كل من رغب في ذلك …هذا الانفتاح هو سمة ذاك التغيير الذي أثر على كثير من الأيديولوجيات والعقليات ..بل أصبح الفكر البروباغندي الذي يعني التشريد الفكري أو الانشغال بسذاجة وسطحية الأمور لامكان له في عالم الإبداع . وصارت مكانة المبدع تتدرج وتتسع وينمو الخيال …إلا أن هناك بعض المؤثرات السلبية على المبدع كتأثير الحروب سلبا وسياسة قفل الأفواه بطرق غير مباشرة …العمليات الأخيرة على المنطقة جعلت من بعض المبدعين يعودون لمحارة مقفلة يتقوقعون فيها على ذواتهم خوفا من قيادة الكلمات فتهوي بهم في صراع التيارات … لكن مستقبل الإبداع اتضحت معالمه أكثر …رغم وجود بعض السلبيات الكثيرة وعدم تأثيرها الدائم : فصار من لايفقه الإبداع وليس بمبدع أصلا ..تراه يقود دفة الإبداع ويتداخل في كل المجالات ..وهذا لا يضير لأن المبدع الحقيقي هو الذي يصمد ولا يتهاوى بينما المدّعون سرعان ما يختفون من على الساحة …
*صحافي وشاعر ليبي