“كريستيان ساينس مونيتور”: ولاية ثانية للسيسي في مصر أفقر وأقل أمنا وتملل في الجيش

حجم الخط
2

لندن ـ “القدس العربي” ـ إبراهيم درويش

وافقت غالبية المصريين على “شد الأحزمة” لمنح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الفرصة لتطبيق الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي للموافقة على منحه رزمة إنقاذ، لكن لم يتغير الكثير على حياة المصريين فـ “الفقر العنيد” كما يقول تيلور لاك في “كريستيان ساينس مونيتور” يهدد قبضة السيسي على الحكم. مضيفا أن سيطرة الرئيس على الحكم ليست مطلقة وهو يبدأ ولايته الثانية بعد إعادة انتخابه الشهر الماضي وتجدد الحديث عن تعديل الدستور لجعله رئيسا مدى الحياة . ويرى المحللون أن الجنرال المتقاعد يدير مصر غير ميتقنة من طريقها أكثر مما كانت عليه بعد وصوله إلى السلطة في عام 2013. فقد استفاد الإنقلاب العسكري من الدعم الشعبي له والنقمة على حكم الإخوان المسلمين ورئيسهم المعزول محمد مرسي. واليوم تواجه أكبر دولة عربية تعدادا للسكان تحديات اقتصادية وسياسية ودبلوماسية تعد بمثابة امتحان لقيادة السيسي بل والدعم الذي يتمتع به داخل المؤسسة العسكرية. ومن أهم المخاطر التي يواجهها كما يقول المحللون الإقتصاد الضعيف وما يرتبط به من غياب الإستقرار. وحتى هذا الوقت منح المصريون وبصبر السيسي الوقت كي ينجز الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي ووافقوا على “شد الأحزمة” من أجل البلد. ولم تخرج تظاهرات في البلد الذي يشدد الأمن قبضته عليه. ولو لم يتغير الوضع من ناحية تحسين الإقتصاد وتوفير فرص عمل للمواطنين في الأعوام المقبلة فسينفذ صبر المصريين على ما يقول محللون.

وينقل عن عبدالله الهندواي من مؤسسة الجزيرة العربية في واشنطن قوله: “غالبية المصريين فقراء ومعظمهم يعانون من آثارالتضخم وهم المتاثرون بالإجراءات والأكثر استعدادا للتعبئة خاصة أن لا شيء لديهم يخسروه” مضيفا أن الإنتفاضة المقبلة لن تكون مثل عام 2011 حول المظالم السياسية والعدالة الإجتماعية بل ستحدث لأن الناس متعبون ومجهدون ويائسون وهذا وضع خطير. ويشير الكاتب إلى حالة اللامبالاة التي طبعت الإنتخابات الأخيرة في آذار (مارس) فرغم فوز السيسي بنسبة 97% في انتخابات لم يشارك في احد سواه إلى جانب مرشح رمزي إلا أن نسبة المشاركين في التصويت لم تتجاوز عن 41% مقارنة بـ 47% في انتخابات عام 2014. مع أن الدولة بذلت الجهد الأكبر لتشجيع التصويت والترغيب والتهديد من خلال تقديم المساعدات أو تغريم من يفشل في التصويت بـ 28 دولارا. ويربط المراقبون حالة عدم الإهتمام بين المصريين بحالة الإقتصاد. فبعد دفعه للإصلاحات الإقتصادية التي طلبها صندوق النقد الدولي مقابل قرض 12 مليار دولار لم يتحسن الوضع الإقتصادي بل هو في حالة أسوأ مما كان عليه عام 2014. فقد زاد التضخم من 10.3% عام 2014 إلى 33% منتصف عام 2017 ورغم استقراره إلا انه لا يزال يراوح فوق نسبة 15%. ورغم تراجع نسبة البطالة في ظل السيسي من 13.2% إلى 11.8% إلا أن نسبة 30% من الشباب بدون وظائف فيما انخفض النمو في القطاع الخاص كل شهر خلال العامين الماضيين. ويمثل الشباب تحت سن الـ 29 عاما نسبة 80% من العاطلين عن العمل. فبناء على مطالب صندوق النقد الدولي زاد السيسي ضريبة القيمة المضافة على البضائع والأعمال وعوم الجنيه المصري وقطع الدعم عن الوقود وستقوم بخفضه مرة ثانية في حزيران (يونيو). ويقول تيلور إن هناك إشارات عن تحولات بطيئة، فمن المتوقع زيادة الدخل القومي العام هذه السنة بنسبة 5% أي أعلى من 3.5 عام 2017. لكن هذا لا يعد كافيا في مصر التي يتزايد سكانها بشكل مضطرد. ومن غير الواضح إن كان النمو سيصل إلى الطبقة العاملة والفقراء وهم الذين عانوا الأكثر من هذه الإجراءات.

وفي عام 2015 بلغت نسبة من كانوا يعيشون تحت خط الفقر 27.8% أي الإعتماد على 60 دولارا في الشهر . وبسبب إجراءات التقشف والتضخم فإن نسبة الفقر تتراوح الآن ما بين 35- 40% أي حوالي 38 مليونا من المصريين. وفي ظل المعاناة الإقتصادية فإن الحد الأدنى من الأجور استمر على حاله أي 1.200 جنيها مصريا في الشهر. لكن القيمة الحقيقية انخفضت من 170 دولارا عندما وصل السيسي للسلطة عام 2014 إلى مجرد 68 دولارا في عام 2018. ويشير الكاتب للتحديات الأمنية التي كانت السبب وراء دعم قطاع من المصريين للسيسي في انقلابه عام 2013 وانتخابه عام 2014. لكن سنواته لم تكن مستقرة . ففي أثناء رئاسته شهدت مصرعمليات إرهابية أكثر من تلك التي شهدتها فترة حسني مبارك التي استمرت 30 عاما حيث صعد الجماعات الإسلامية المتجرئة ، معظمها مرتبط بتنظيم الدولة هجماتها ليس فقط في سيناء بل القاهرة والإسكندرية. وبعد الهجوم الإرهابي في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) والذي قتل فيه 300 مصل في مسجد شن السيسي ” عملية سيناء 2018″ بهدف تنظيم المنطقة من الإرهابيين لكنها لم تحقق نتائج منذ ذلك الوقت ولم تستطع احتواء فرع ولاية سيناء. وبعد اسبوعين من توليه السلطة قتل المتشددون 14 جنديا في سيناء. وفي الوقت الذي يستبعد فيه المحللون قدرة تنظيم الدولة على إدارة مناطق في سيناء كما فعل في العراق وسوريا إلا أن استمرار الحرب ستستنزف الجيش وتهز ثقته في قدرات السيسي.

الدعم الأجنبي

ومن التحديات الأخرى التي تواجه السيسي هي الدعم الأجنبي حيث اعتمد حكمه على الدعم الدولي لدعم الإقتصاد، إن من صندوق النقد الدولي، الإتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة أو السعودية والإمارات العربية. وقد استثمرت السعودية الكثير في السيسي وقدمت له 30 مليار دولار لتقوية حكمه. وبعد انقلابه تعاونت السعودية والإمارات العربية والكويت لتقديم 30 مليار دولار له. ومع استمرار انخفاض أسعار النفط وتقديم دول الخليج الأولوية للمصالح المحلية فقد يواجه السيسي مخاطر خفض الدعم له أو انتهائه كليا. وجاء الدعم الأخير على شكل استثمارات في مشاريع لا دفعات مالية. وفي زيارته الأخيرة لمصر وقع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عقدا لبناء بناء مدينة ضخمة في سيناء واستثمرت الإمارات في مصر 6.2 مليار دولار في عام 2017. ويقول روبرت سبرنغبورغ، الزميل في المعهد الإيطالي للشؤون الدولية” أصبح قرار السعودية مرتبط بتقديم المال للسيسي بشكل يزيد أسعار الكهرباء في الرياض أو تقديم مال قليل للسيسي والحفاظ على سعر الكهرباء كما هو”. وفي ظل هذه الظروف فمن الصعب على مصر الحصول على التمويل كما يقول.

الجيش

ويشير تيلور لتحد آخر ومهم يواجه السيسي وهي المعارضة من داخل المؤسسة العسكرية التي دعمته. وفي الحملة الإنتخابية واجه السيسي مرشحان منها وهما سامي عنان، رئيس هيئة الأركان السابق وأحمد شفيق، رئيس الوزراء السابق وأجبرا على الخروج من سباق الترشيحات بعد حملة مضايقات واعتقالات. ويشير المراقبون إلى أن هناك نقد داخل المؤسسة العسكرية ويقول الهندواي “السؤال في النهاية هل يدعم الجيش السيسي بشكل مطلق؟ لا أعتقد هذا”. وسيكون دعم الجيش محلا للإمتحان، فبعد أيام من انتخابه بدأ أنصاره والإعلام الموالي له والبرلمان بالدفع لتعديل الدستور بشكل يمنحه ولاية مفتوحة. والخطة تبدو على الورق سهلة، فنواب البرلمان كلهم من الموالين وكذا القضاء الذي أصبح مطواعا. لكن تحركا كهذا قد يؤدي إلى توحيد المعارضة والطبقة المتوسطة وطبقة رجال الأعمال والجيش الذي لا يريد تكرارا لما حدث في عهد مبارك وثورة كعام 2011. ويقول إيسندر العمراني من “مجموعة الأزمات الدولية”: “مع كل الإشارات التي تشير لحذف مدة ولاية الرئيس فهناك إمكانية للمواجهة مع الجيش بشأنها” و “قد تجد في الجيش من يدعم ولاية ثانية من أجل الإستمرارية والإستقرارلكن ليس حكما مدى الحياة، ويريدون تجنب ترشحه لولاية ثالثة تؤدي للإنقسام”. ولو تدهورت الأوضاع الإقتصادية والأمنية والسياسية هناك سابقة لأن يقوم الجيش بالإطاحة بالسيسي لصالح خيار أفضل. ويقول الخبراء إن جيشا موحدا قد يجبر السيسي على الخروج بسرعة كما تخلى عن مبارك في عام 2011. ويقول سبرينغبورك “وإلا، فإن ما يمكن للسيسي أن يظل يعرج من أزمة إلى أخرى حتى تحرقه واحدة”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابوعمر:

    …تملل في الجيش..مش ح يحصل حاجة…الجيش يطالب بالعلاوات والزيادات في الرواتب فقط…جيش البطون والبسكويت…

  2. يقول Burai Sudan:

    سيظل الاقتصاد هو التحدي الأكبر الذي يواجه حكومة السيسي التي اعتمدت حتي الآن حلولاً غير مستدامة للمشكلة الاقتصادية تمثلت بشكل رئيسي في الإعتماد علي معونات وقروض مالية خارجية إضافة إلى تدفقات نقد أجنبي قصيرة الأجل عبارة عن إستثمارات في أوراق مالية ذات عوائد عالية جداً ستضطر الحكومة عاجلاً أم آجلاً لخفضها حتي تتناسب مع مستويات التضخم التي تشهد إنخفاضاً وصل حتي الآن إلي حوالي 15% بينما يفوق معدل العائد علي الإستثمار في الأوراق المالية نسبة ال 18%، وهو وضع، لو سمح له بالاستمرار، سيتسبب لا محالة في إعاقة النمو الإقتصادي، ورفع كلفة الدين العام الذي يشهد هو الآخر إرتفاعاً غير مسبوق.
    إن النجاح الذي ظل يردده محافظ البنك المركزي والمتمثل – حسب فهمه – في الوصول بمستوي الإحتياطيات من النقد الأجنبي لدي البنك المركزي إلي أكثر من 40 مليار دولار ما هو في الحقيقة سوي سذاجة إقتصادية لا أكثر حيث أن معظم هذه الزيادة ناتج في الحقيقة من تراكم الديون الخارجية التي تشكل الإستثمارات الأجنبية ذات الأجل القصير (عام فأقل) نسبة مقدرة منها وهي بالتالي تعتبر أموالاً ساخنة يرتبط بقاؤها في الإقتصاد المحلي بعدة عوامل منها إستمرار إرتفاع معدلات الفائدة، وإنتفاء حدوث صدمات داخلية أو خارجية كبيرة، بالإضافة إلى الإستقرار السياسي الداخلي.
    هذه العوامل، بطبيعتها، يصعب التكهن بها، كما أن الأوضاع الإقتصادية، والجيوسياسية الإقليمية والدولية، هي التي تتحكم بها أكثر مما تتحكم الأوضاع والسياسات الحكومية الداخلية في مصر، وفي أي بلد آخر.
    إن إستمرار نجاح الحكومة المصرية الأبرز المتمثل في إضعاف سوق النقد الأجنبي الموازي والقضاء علي السماسرة والمتعاملين مرهون، بشكل كلي، بإستمرار تلقي الحكومة المصرية ديون وتدفقات نقد أجنبي خارجية تجاوزت نسبتها حتي الآن 100% من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة سداد سنوي تتجاوز ال 60% من جملة المصروفات في الميزانية السنوية ، وهذا، بطبيعة الحال، وضع غير قابل للإستدامة بأية حال ويُنذِر بخطر كبير علي مستقبل الأداء الكلي للإقتصاد المصري.

إشترك في قائمتنا البريدية