رفضت ثلاث مجموعات حقوقية فلسطينية لقاء المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الذي يزور دولة الاحتلال الإسرائيلية للقاء الرهائن الإسرائيليين وعائلاتهم ومحاميهم، وذلك بسبب التشكيك في نزاهته عموماً، وامتناعه خصوصاً عن تلبية دعوات مماثلة للاجتماع بالأسرى الفلسطينيين سبق أن وجهتها له منظمات حقوقية فلسطينية.
وأعلن ممثلون عن «مؤسسة الحق» و«الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان» و«مركز القدس للمساعدة القانونية» أن خان يتحمل شخصياً مسؤولية التدهور في دور المحكمة الجنائية الدولية من زاوية الإصرار على تسييسها، وأنه لا يزاول عمله بأسلوب مستقل ومهني. وهذا الموقف السلبي من نهج خان لا يقتصر على المجموعات الفلسطينية، إذ سبق أن أعربت عنه منظمات حقوقية إسرائيلية عديدة، بينها «بتسيليم» و«المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية» و«أطباء من أجل حقوق الإنسان» و«اللجنة العمومية ضد التعذيب» وسواها.
وقد استندت المنظمات الحقوقية، الفلسطينية والإسرائيلية والدولية، إلى حقيقة أن تحقيقات المحكمة بصدد جرائم الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية تُطمر منذ سنة 2014 ولم تسفر عن أي نتائج حتى الساعة، وخلال ذلك واصلت السلطات الإسرائيلية رفض استقبال محققي المحكمة، خاصة وأن دولة الاحتلال ليست في عداد الموقعين على نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة أصلاً.
وفي المقابل احتاج خان إلى أسبوع واحد فقط كي يصدر مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اعتماداً على توصيف جريمة الحرب ذاتها التي تواصل دولة الاحتلال ارتكابها في قطاع غزة، أي الترحيل غير القانوني للسكان والأطفال خصوصاً. وحين خضع خان لضغوطات الرأي العام العالمي وزار معبر رفح من الجانب المصري، رفضت السلطات الإسرائيلية منحه الإذن لدخول القطاع، ومع ذلك ألقى خطبة أنحت باللائمة على المقاومة الفلسطينية ولم تخدش حياء دولة الاحتلال إلا في جانب منع إدخال المساعدات الإنسانية.
صحيح من حيث المبدأ أن محكمة الجنايات الدولية خاضعة لإرادات القوى العظمى، خاصة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، وأن المدعي العام يبدو غالباً أقرب إلى مأمور ينفذ ما يسمح الكبار بتنفيذه. ولكن من الصحيح في المقابل أن سمات خضوع شخصية طبعت سلوك خان بالمقارنة مع أسلاف له في موقع المدعي العام، أمثال لويس أوكامبو وفاتو بنسودة، بل إن الأخيرة خضعت لعقوبات أمريكية بسبب خيارات أقرب إلى النزاهة إزاء جرائم حرب أمريكية في أفغانستان وفلسطين المحتلة.
وقد تكون حال المحكمة الجنائية الدولية متقاربة من حيث التقصير أو حتى التخلي عن المهامّ الأساسية أو حتى الانسحاب من الواجب مع غالبية المنظمات الأممية، مثل الأونروا التي سحبت عناصرها وآلياتها وأغلقت مراكزها في مدينة غزة، أو منظمة الصحة العالمية التي عجزت عن إدخال الحدود الدنيا من الأدوية والمعدات الطبية الضرورية، أو برنامج الغذاء العالمي الذي تأخر في فتح مخازنه وسحب موظفيه.
غير أن كيل خان بأكثر من مكيال في توصيف جرائم الحرب، الإسرائيلية على وجه التحديد، يبقى هو الأكثر وضوحاً من حيث تسييس القانون الدولي بما يرضي دولة الاحتلال ولا يغضب الكبار في واشنطن ولندن وباريس.