إن الجريمة التي تمّ اقترافها ضد بيروت هي حقاً «جريمة ضد الإنسانية»، بل وبامتياز. ومثلما يشترك جميع أفراد الطغمة الحاكمة في لبنان في مسؤولية انهيار اقتصاده والإفقار الصاعق الذي أصاب غالبية شعبه الساحقة، ذلك أن الانهيار والإفقار نتجا عن عقود من الفساد والنهب واللامبالاة بما يجعل جميع الذين تحاصّوا مناصب السلطة في البلاد منذ دخول تسوية الطائف حيّز التنفيذ، أي منذ ثلاثين عاماً، جميع هؤلاء، «كلّن يعني كلّن»، مسؤولين عن ذينك الانهيار والإفقار، فإن جميع الذين تحاصّوا مناصب السلطة خلال السنوات الست المنصرمة، وهي المدّة التي بقيت خلالها شحنة نترات الأمونيوم الفظيعة مستودعة في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، ولاسيما الذين تحاصّوا المناصب والأدوار الإدارية والأمنية الرسمية وغير الرسمية داخل المرفأ وفي الإشراف عليه، ناهيكم من الذين نصّبوا أنفسهم حماة الديار اللبنانية مانحين أنفسهم حقّ مدّ شبكة دويلتهم في أحشاء الدولة اللبنانية ومرافقها العامة بحجّة الذود عن الوطن، جميعهم إذاً، «كلّن يعني كلّن»، مسؤولون عن الجريمة، وذلك إلى أية جهة انتموا، سواء أكانوا من فريق «8 آذار» أم من فريق «14 آذار» (لعنة على الطرفين!) وسواء أكان ولاؤهم لأمريكا أم للسعودية أم لإيران أم للنظام السوري، أم لمن يدفع أكثر.
هذا وقد جرى التخلّي عن حسّان دياب كما تجري التضحية بكبش الفداء، وهو أقل المسؤولين مسؤولية. لا نقول ذلك دفاعاً عن الرجل، وهو لا يستحق الدفاع عنه بالتأكيد، بل إنصافاً للحقيقة وهي تستوجب الإنصاف. فلم يكن دياب رئيساً للوزراء سوى منذ أقل من سبعة أشهر، ولم يكن رئيساً ذا صلاحيات فعلية، بل كان مأموراً لدى الذين عيّنوه في منصبه، لا أكثر. وقد حاول دياب إنقاذ منصبه وإلقاء اللوم على غيره بمداخلته الأولى بعد وقوع الجريمة، ثم بدعوته إلى حلّ المجلس النيابي وإجراء انتخابات مبكّرة. ويبدو أن هذه الوقاحة (في نظر أحد أركان التحالف الذي عيّنه رئيساً للوزراء) هي التي جعلت من جاؤوا به يطلبون منه تقديم استقالته. وقد أذعن للأمر ممتعضاً وهو يزعم أنه اكتشف لتوّه «أن منظومة الفساد أكبر من الدولة، وأن الدولة مكبّلة بهذه المنظومة ولا تستطيع مواجهتها أو التخلّص منها»، وكأنه لم يكن يدرك هذه الحقيقة البديهية عندما قبِل بأن يقوم بالدور الذي أناطه به أحد جناحي المنظومة المذكورة.
أما «الحياد الإيجابي» الذي ينبغي على لبنان التزامه، فليس ذلك الذي يحلم به موهومو «سويسرا الشرق»، بل ذلك الذي دعت إليه دول «عدم الانحياز»
وبعد، فأين الحلّ وكافة أبوابه تبدو وكأنها موصودة؟ ليس هو بالتأكيد في دعوة فرنسا إلى إعادة فرض وصايتها الاستعمارية على لبنان لمدّة عشر سنوات، كما اقترح بعض اللبنانيين وقد جمعوا عشرات آلاف الإمضاءات على عريضة لهذا الغرض (هل يجهلون، يا تُرى، أن فرنسا هي «الأم الحنون» للنظام عينه الذي يريد الشعب إسقاطه؟). ولا يشفع لهم سوى شعور اليأس والعجز القاتل الذي غمرهم إزاء كل ما يتعرّض له البلد، أما عدا ذلك فكيف بأحد يحتفل بالرئيس الفرنسي وكأنه بطل، بل ويمدح جرأته في النزول إلى الساحة والاحتكاك بالجمهور فيما لا يجرؤ على ذلك أي من رجال الحكم اللبنانيين، ويغفل المحتفِل والمادِح أن ماكرون جاء وهو ينوي إخراج مناسبة لالتقاط بعض الصور بغية توظيفها في تحسين صورته في فرنسا، حيث لا يجرؤ على مواجهة الجمهور بدون أن يكون محاطاً بسياج أمني مشدّد مثل الذي أحاط بميشال عون عند زيارته للمرفأ؟ في الحقيقة، ماكرون معروف بأنه يطمح إلى لعب دور الوسيط بين أمريكا وإيران، فليست دعوته إلى تشكيل «حكومة وحدة وطنية» في لبنان سوى ترجمة لمسعاه ذاك، وهو يطالب بحكومة إيرانية/سعودية جديدة على غرار حكومة الحريري السابقة لانتفاضة «17 تشرين» يكون هو الوصي عليها في دور الحَكم.
لا، لن يكون ثمة خروج من المأساة اللبنانية باستبدال وصاية خارجية بأخرى، أو بإعادة التوفيق بين وصايتين أو أكثر. فقد توالت شتى الوصايات على هذا البلد المسكين خلال القرن الذي مضى على تأسيسه ضمن حدوده الحالية: فرنسية وبريطانية وأمريكية ومصرية وسورية وإسرائيلية وسعودية وإيرانية، منفردة أو متزاوجة. ولا بدّ من أن ينطبق شعار «كلّن يعني كلّن» على الوصايات الخارجية هي أيضاً: فلا سبيل لخروج لبنان من دائرة المآسي التي تتعاقب على أراضيه منذ ولادته قبل قرن، سوى بالتخلّص من الطغمة الحاكمة بكل مكوّناتها وبكل الأوصياء عليها، وتحقيق سيادة كاملة بمعنيي السيادة وهما السيادة الوطنية ضد كافة الوصايات الخارجية والسيادة الشعبية ضد كافة الأوصياء الداخليين، من أجل حكم يكون حقاً «حكم الشعب، من الشعب، وللشعب» (كما جاء في خطبة أبراهام لينكولن الشهيرة في خضمّ الحرب ضد العبودية في الولايات المتحدة). أما «الحياد الإيجابي» الذي ينبغي على لبنان التزامه، فليس ذلك الذي يحلم به موهومو «سويسرا الشرق»، بل ذلك الذي دعت إليه دول «عدم الانحياز» في زمن عبد الناصر وسوكارنو ونهرو، أي الاستقلال عن المحاور الدولية والالتزام بالدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، ولاسيما شعبي فلسطين وسوريا الشقيقين اللذين التجأ بعضهما إلى لبنان، واحة الحريات ومأوى المضطهَدين كما يجب أن يبقى.
كاتب وأكاديمي من لبنان
..((كلن يعني كلن ))..شعار لا يصلح ابدا . لانه جمع الصالح والطالح..في مركب واحد. انا اقول كل المتامرين كلن..يعني كلن. الذين يؤيدون صفقة القرن واعادة اميركا لان تلعب كما تريد في وطننا.. اسقطنا شعار التامر هذا .وسنسقط محاولة الصدمة على لبنان بعد الانفجار الجهنمي في بيروت
..كلنا يعني كلنا اذا اتحدنا انتصرنا .
شكرا اليك سيد جلبير اشقر. والله كلامك كتير في موضوعية وتحليل ممتاز بس انا بعتب علي بعض الناس الذين يخلطون بين طموحات لهم وطموحات وطن او شعب قول الله يحمي الوطن الغالي الجيش المظلوم والشعب المعتر
دائما الثورات العظيمه يصاحبها شعارات عميقه تترك اثار احفوريه خالده على الأمم. إلا اننا هنا نقف على معضله في الشعار الذي عنونت مقالكم به والعاكس لحالة الهذيان اللبناني. لابد من التصارح من أن القيادات اللبنانيه هي المرآه الحقيقه للمجتمع اللبناني بكل تشوهاته. الحكومه مدينه وبنت وسط البلد كأنها سويسرا أو دوله نفطيه ….كله بالدين……تماما كأي شخص لبناني عايش ومتبغدد بالدين، واول ما يحصل شوية كاش يدفعهم دفعه اولى لسياره مرسيدس. شاب تافه وما بشتغل يفهم أكثر منا بماركات العطور والمساخر
تعليق في الصميم. للأسف كلها مظاهر
حبذا لو ان كافة اطياف الشعب اللبناني من محللين سياسيين واكاديميين وكتاب وادباء وعموم الشارع اللبناني تصرخ بأعلى صوتها وعلى الفضائيات اللبنانية ومنصات التواصل الاجتماعي وكافة وسائل الاعلام
ودون خوف او وجل ،،، ان الدولة اللبنانية بيد حزب الله وهو المتحكم والمتغلغل بكافة مفاصل الدولة ،،،
ان الاشارة والتلميح ،،،لا تعطي نتيجة ،،،
شكرًا أخي جلبير الأشقر. كما عودتنا دائما قراء موضوعية للواقع،لكن مازال الحل الذي يطالب الشعب اللبناني لايلقى زعم ونقاش كافي من النخبة، فعذا الحل لايمكن أم يأتي من النظام وبااتالي النخبة عليها أن تأخذ دورها بشكل أقوى للتخلص من النظام واستبداله بما بطالب به الشعب. برأيي يجب التصدي لماكرون وغيره والاعتماد على النفس أي لتخلص من سيطرة الخارج وعندها سيكون مستقبل لبنان أفضل بكثير وهكذا نتمنى على جميع الأحوال
احيانا لاافهم مايقوله اللبنانيون مامعنى ‘ كلن يعنى كلن ‘