“كل شيء أو لا شيء”: عندما يبدع مانشستر سيتي ويقترب من المشجع المتفرج بذكاء

قدور حباري
حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي”:  أفلام خلف كواليس أندية كرة القدم نادرة، ونادرا ما يقبل ناد على هذه الخطوة لأسباب واضحة، أولها أن ما يحدث خلف الكواليس يجب أن يبقى كذلك لأنه في الأخير النادي مثل بيت العائلة، ما يحدث بين جدرانه يبقى بين جدرانه.

السماح لفريق تصوير بدخول غرفة تغيير الملابس قبل المباريات وبعدها، أو تصوير وتسجيل النقاشات الساخنة بين المدرب وطاقمه أو بين اللاعبين وتصوير جلسات مسؤولي النادي وهم يناقشون صفقة شراء لاعب أو غيرها من الأمور الخاصة، أمر يحتاج الى شجاعة، لكنه في الوقت ذاته ذكاء يعكس تماشي السيتي مع متطلبات ومتغيرات العصر. ففي ظل محاولة الأندية الوصول الى جميع بقاع الدنيا لفتح أسواق تجارية جديدة وتوسيع رقعة قاعدة المشجعين والفوز بغنائم كرة القدم التي أصبحت صناعة وتجارة الى جانب انها ترفيه وفن يمتع المليارات، فإن السيتي يريد أن يكون في مقام ريال مدريد ومانشستر يونايتد وبرشلونة يفوز بالألقاب ولكن أيضا  بالعقود التجارية المذهلة.

ما انتجه مانشستر سيتي ويبث حاليا على موقع “أمازون برايم” البريطاني تحت تسمية “كل شيء أو لا شيء”، سابقة متميزة سيقلدها العديد من الأندية الكبرى التي تدرك الأهمية التجارية لمثل هذا المنتوج التلفزيوني، ولو انه ليس سباقا في هذه الفكرة، اذ سبقه اليها يوفنتوس مثلا كما السوق الرياضية الامريكية لها باع كبير في هذا المجال ورائدة من حيث التسويق التجاري لأنديتها سواء في كرة السلة أو كرة القدم الأمريكية أو البيسبول. لكن الحلقات الثماني التي أنتجها السيتي رائدة من حيث امتيازها بتصوير أدق الأمور، ما يجعل الفيلم متعة حقيقية ومصدر يجب أن يعتمده المدربون والمسيرون وكل من يريد الخوض في هذا العالم المثير. عندما تشاهد غوارديولا يجمع اللاعبين حوله بين الشوطين ليشرح لهم تغييرات في الخطة أو إعطاء لاعب الوسط أو الظهير الأيسر تعليمات خاصة من خلال اعتماد سبورة يجهزها فريقه في غرفة تغيير الملابس سواء في ملعبه أو خارجه، فإنك تدرك ان الرجل لا يترك أي شيء للصدفة. وترى اللاعبين وأغلبهم نجوم في منتخبات بلدانهم، يصغون اليه مثل تلاميذ أمام معلم يلقي محاضرة مثيرة في مجال معرفي معقد. طريقة شرح غوارديولا لأدق التفاصيل على السبورة أشبه بلعبة شطرنج، وتدرك لماذا فاز الرجل بعشرات الألقاب في ثلاث دول، ولماذا يعتبر الأفضل في مجاله، والذي أعاد اكتشاف كرة القدم في رأي البعض، وهو نفسه يقول في احدى الحلقات وهو يخاطب لاعبيه بعد تتويجهم باللقب، انه حطم كرة القدم، بمعنى انه أعاد صياغة أسلوب اللعب بأفكار حديثة جريئة.

لمن فاتته فرصة  مشاهدة الفيلم ذي الثماني حلقات فإنه وثق الموسم الماضي الذي فاز به باللقب الانكليزي وفشل في التتويج بدوري الأبطال. ولكنه موسم الأرقام القياسية، حيث بلغ حاجز مئة نقطة في الدوري الممتاز وهو ما لم يحققه فريق قبله، بينما كان الرقم السابق بحوزة تشلسي وهو 95 هدفا، السيتي حطم أيضا الرقم القياسي في عدد الإنتصارات في موسم واحد والذي كان بحوزة تشلسي وهو 30 فوزا، بينما حقق فريق غوارديولا 32 فوزا، وسجل 106 اهداف، بينما كان الرقم السابق بحوزة تشلسي وهو 103 أهداف، وغيرها من الأرقام القياسية.

الفيلم يجب ان يشاهده كل مدرب متطلع لأن يكون ناجحا في مهمته ويجب ان يعتبره مرجعا يتعلم منه ومن بطله الأول غوارديولا، ليس أساليب تدريب الفريق، بل أساليب تسيير ناد وكيفية معاملة اللاعبين في مختلف الظروف واللحظات وكيف يجمع بين الترغيب والترهيب بذكاء كبير، وكيف يحفز اللاعبين وكيف يوبخهم حين يلزم ذلك، وكيف يدير لاعبين كبارا، كثيرا ما يتسببون في احداث البلبلة اذا لم يعرف المدرب التصرف معهم والسيطرة عليهم مستعملا سيكولوجيا رجل متمرس. غوارديولا الذي تعامل مع أمثال ميسي وانيستا وشافي لن يرهبه أي لاعب، لكن مع ذلك في كل فريق لاعبون يحتاجون لطريقة معاملة من المدرب لاقناعهم ببلوغ اقصى مستوى ممكن، وهذا ما جعل الجميع في السيتي يقتنع بفلسفة غوارديولا، وبالتالي يقدم الفريق ما يوافق عليه الأغلبية بأنه افضل عرض كروي في تاريخ انكلترا، وهي مهد كرة القدم منذ ما يقارب قرنين. والفيلم لا يخلو من الحبكة الدرامية خاصة في مباراة مانشستر يونايتد التي كان السيتي يطمح الفوز بها للتويج على ارضه باللقب، وفعلا تقدم بهدفين في الشوط الأول لكنه تلقى ثلاثة اهداف في الشوط الثاني، ورغم اننا نعرف النتيجة مسبقا، فإننا  نعيش كل لحظة على الأعصاب نتفاعل مع مشاعر الممثلين الرئيسيين في الفيلم. الكاميرا الموجودة في غرفة الملابس فرصة لعشاق كرة القدم لمعرفة ما يدور خلف الأبواب المغلقة لهذه الفرق العملاقة عند الهزيمة او الفوز. مثلا  التلاسن  بين اللاعبين أحيانا ومحاولة غوارديولا لم الشمل وتهدئة الخواطر كما حدث بعد الهزيمة امام يونايتد وتأجيل التتويج بالدوري لحظات تثري معرفتنا حق الإثراء. نرى عن قرب آثار المعارك في المباريات الساخنة على أجساد اللاعبين وهم يتلقون العناية الطبية وعلاقة المدلكين والأطباء باللاعبين، وهي غالبا علاقة صداقة كلها مرح ونكت وعلاقة رئيس النادي خلدون المبارك بغوارديولا واللاعبين علاقة تعكس النجاح الذي يحققه النادي. ومن اللحظات الطريفة أيضا لحظة التتويج باللقب خلال هزيمة مانشستر يونايتد امام وست بروميتش، لقاء تابعه القائد فينسنت كومباني في منزل أصهاره، حيث أن والد زوجته مشجع  شغوف بمانشستر يونايتد، فيتبادل واللحظة لا تخلو من المزحة والروح الرياضية رغم التنافس الكبير بين الناديين. الفيلم درس مثير حتى لمن لا علاقة له بالمهنة، لأننا كعشاق كرة القدم نعرفها على المستطيل الأخضر خلال تسعين دقيقة سواء مشاهدة في الملعب أو على الشاشة، لكن لا نعرف كيف يتم تسيير ناد بحجم السيتي بشكل يومي، وعلى مدار السنة وكيف يخطط مسؤولوه، وعندما أقول “مسؤوله”، لا أعني الرئيس التنفيذي أو مدير الكرة وحدهما، بل هذه الأندية يسيرها جيش من المختصين في مختلف المجالات، ولكل مجال قسم ضخم يضم خيرة اهل التخصص، كقسم التسويق وقسم الادارة القانونية والمحاسبة والطب بفروعه المختلفة وقسم العلاقات الخارجية وطاقم التدريب. طاقم التدريب على سبيل المثال نشاهد بعضهم فقط على دكة البدلاء، بينما الكثير منهم خلف الكواليس، مثل جنود الخفاء يلبون طلبات غوارديولا مثل احصائيات كل لاعب ومتى يجب ان يخلد للراحة لتفادي الاصابة ومتى يعود المصابون الى التدريبات ويرتبون مختلف العمليات الجراحية لكل مصاب في أفضل المصحات العالمية بالتعاون مع القسم الطبي، طاقم التدريب يقدم عرضا مفصلا عن الفريق الخصم وأخطر لاعبيه، وكم يركض خلال تسعين دقيقة وكم تمريرة ناجحة وغير ذلك من الإحصائيات التي أصبحت جزءا مهما وعاملا قد يكون الفارق بين الفوز والخسارة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية