«كل كلب بييجي يومه…»

حجم الخط
21

احتفل العالم قبل بضعة أسابيع بيوم الكلب العالمي، لم أتوقف عند تلك المناسبة، ابتسمت فقط، لأنهم جعلوا للكلب يوما عالميا، وقلت لنفسي: جميل أن يكون هناك أناس أوفياء للكلاب مثل وفاء الكلاب للناس.
مررت بيوم الكلب العالمي دون وقوف عنده، إلا أن مهاجمة كلب شابا في أحد شوارع البلدة قبل أيام أعادني إلى هذه المناسبة، فقد مزق الكلب سروال الشاب ونهش فخذه، وهرعت سيارة إسعاف إلى المكان ونقلته إلى المستشفى للعلاج؛ لتجرى له فحوصات خشية أن يكون الكلب مصابا بداء الكلَب، وهو داء خطر نادرا ما يشفى منه المصاب.
الحمد لله، فقد اتضح أن الكلب ليس مكلوبا، والإصابة احتاجت إلى بضع قطب للحم الممزق، ويبدو أنها كانت لحظة شيطانية غضِب فيها الكلب لسبب غامض، وذلك أن الشاب الضحية قال وهو مندهش بأنه لم يتعرض للكلب ولا حتى بكلمة، وهو مستغرب من عدوانه العنيف، لم تكن سوى نظرة عابرة اتجاهه، وإذا بالكلب يتّخذ وقفة وموقفا هجوميّا، وخلال لحظات قفز عليه وراح ينهشه، ولم يتراجع الكلب إلا حين راح عدد من الشبان يركلونه ليبعدوه عن الضحية.
للوهلة الأولى يبدو الكلب محترما، فهو ليس من كلاب الشوارع السائبة، فقد كان نظيفا وحول عنقه حزام جلدي بني اللون، وواضح أن هناك من يهتم به، إلا أن صاحب الكلب تنكّر له، ولم يعترف بملكيته، متهرّبا من المسؤولية. وبعد انتشار الخبر جاءت الشرطة وموظف الصحة من المجلس المحلي، ثم حضر طبيب مختص، ونُقل الكلب إلى مأوى خاص بالكلاب في إحدى المستوطنات، مقابل مبلغ معلوم من الجهة التي تحضره، في هذه الحالة تعهد المجلس المحلي بالدفع، لقد كان الكلب محظوظا لأن حضور الشرطة أنقذه من مصير قاس، ففي حالات مشابهة قد يجري إحضار استدعاء من يطلق النار عليه ويقتله بشبهة أنه مريض بالكلَب.

في كل قضية اعتداء يجري التحقيق مع المتورطين فيها، ولكن المشكلة أننا لا نستطيع التحقيق مع كلب عن سبب ما قام به لإنسان لم يؤذه!

السؤال الذي خطر في بالي هو.. ما دام أن الكلب ليس مريضا، ولم يهاجمه الشاب أو يتعرض له، فلماذا بادر وهاجم ونهش لحم الشاب دون غيره؟
في كل قضية اعتداء يجري التحقيق مع المتورطين فيها، ولكن المشكلة أننا لا نستطيع التحقيق مع كلب عن سبب ما قام به لإنسان لم يؤذه!
لو كان الكلب ناطقا ربما كان قد كذب مثل بعض البشر، وزعم بأن الشاب ركله أو استفزّه بشتيمة لأخته، ولكن هناك شهود عيان قالوا بأن الشاب لم يفعل سوى أن نظر إلى الكلب نظرة عادية جدا.
ثمة احتمال بأن الكلب رأى فيه شخصا آخر أساء إليه في الساعات أو الأيام القليلة الماضية، فالتبس عليه شكله وهاجمه، لكن هذا خطأ في التشخيص، نعم قد يحدث لنا نحن البشر، هل تشابه «البني آدمين» على الكلب؟ لم لا؟! لو كان ناطقا ربما قال بلهجة واثقة: «هذا الشاب ركلني قبل أيام في الشارع العام». وهناك احتمال أن يعترف فيقول: «أنا آسف، لقد حسبته ذلك الشخص الذي ركلني بلا سبب قبل أيام، أرجو قبول اعتذاري».
وربما قال: «في الحقيقة ظننت أنه يريد بي شرّا، لقد كانت خطواته عدائية، ونظراته نارية، على أي حال أنا آسف».
كنت سأتقبل شهادة الكلب ومنطقه، إلا أن ما يثير القلق هو تكرار حوادث نهش كلاب لأطفال يعيشون معهم في البيت نفسه، وهذا حدث أكثر من مرة، وفي إحداها أدى لوفاة طفل، وعلل خبراء نفسيون ذلك بأن الكلاب تشعر بالغيرة الشديدة عندما تكون مركز اهتمام أسرة ما، وفجأة ومع قدوم وليد جديد في الأسرة يسرق منها الاهتمام، وهذا يسبب لبعضها غيرة شديدة تماما مثلما يحدث للأطفال الذين يقومون بتصرفات غريبة للفت الانتباه إليهم، فالكلاب تقوم بحركات غريبة غير اعتيادية، ولكن غيرتها قد تجعلها تهاجم الطفل الذي سَرق منها الدلال والمداعبات وتؤذيه.
عدوان الكلاب على الناس غير مقتصر على فئة عمرية معينة، أو على جنس، ففي حادثة سابقة هاجم كلبٌ عجوزا في الشارع ونهشه، وفي حادثة أخرى في حيفا قفز كلب على رجل سبب له سكتة قلبية وموتا من شدة الخوف والانفعال، ونهش أحد الكلاب صدر صاحبته، فماذا كان يا ترى وراء نهشته تلك لصدرها؟ إنها أسرار لا يدري بها سوى رب العالمين، وأصحابها.
قلت لنفسي..ربما أن الكلاب وبعد طول علاقة مع البشر عمرها عشرات آلاف السنين صارت تحمل حقدا بسبب ما تعرفه وتراه عنهم ومنهم، وخصوصا أولئك البشر الذين يعاملونها بإذلال ويستغلونها بصورة دائمة.
قبل بضع سنوات، شكا بعض السكان في مستوطنات جنوب حيفا من اختفاء كلاب من حول بيوتهم، وتبيّن أن عمالا تايلنديين استُجلبوا للعمل في بيارات الموز بدلا من العمال الفلسطينيين هم سبب اختفاء الكلاب، فقد كان هؤلاء يستدرجونها إلى المخازن الزراعية حيث إقامتهم، ثم يقتلونها بضربة مطرقة أو فأس على الرأس، ثم يسلخونها ويعالجونها ويأكلونها. إذن، أليس جائزا بأن لهذا الكلب قريبا أو صديقا قتلوه وأكلوه، فبات حاقدا على الجنس البشري كله، ويرى بهم وحوشا دون تمييز بين تايلندي وفلسطيني ويهودي أو عربي.
شخصيا، صرت أميل إلى فرضية بأن الكلاب أصبحت مثل البشر، أكثر عنفا مما كانت عليه في الماضي، فالبشر ينقلون عنفهم وتوتّرهم الدائم إلى الكلاب، ولا يمكن للكلاب أن تحافظ على أخلاقيات رفيعة وبرود أعصاب في محيط من التوتر والعنف. المشكلة تكمن في البشر وليس في الكلاب، وأظن أن عدوانية الكلاب سوف تزداد طرديا مع ازدياد عنف البشر.
منذ وعينا على هذه الدنيا ونحن نسمع ونردد المثل «كل كلب بييجي يومه»، والمقصود يوم حساب لأولئك المعتدين والباطشين والمحتلين والمجرمين، نسمعها ردا على زعيم خان الأمة، أو على قائد من قادة الاحتلال يتبجّح بجرائمه الاحتلالية، ولكن كلما مرت السنون والعقود يبتعد هذا اليوم الذي توعدنا الكلاب بمجيئة، بل إن الكلاب هي التي باتت تهدد وتقول: «كل بني آدم بييجي يومه».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول بولنوار قويدر-الجزائر-:

    السلام عليكم
    تحية خالصة لكم جميعا
    أمّا بعد..
    أستاذ”سهيل كيوان” بكل إختصار لقد كتبت فأجدت فاقنعت وأظهرت..(وجهة نظري الخاصة بي..) إنّك “إبن المقفع” فأنصحك من غدر الكلاب ثمّ من القنصليات..
    قد عرفنا شيء ونحن متربصين بالمعهد أنّ الطفل لا يستطيع أن ينتبه مع المعلم في القسم أكثر من 5دقائق متصلة نظرا لسنه ولكن هناك وسيلة تجعله يركز معك وهي متمثلة في”القصص الحيوانية”سواء الأليفة أو المفترسة…
    ففي رائعتك عرفنا الكلب وشراسته وأنيابه وعرفنا الشاب وثقته وغفلته من الكلب…
    ولله في خلقه شؤون
    وسبحان الله

  2. يقول الكروي داود:

    هناك كلاب في طبيعتها شرسة ككلاب البيتبول والدوبرمان والترير والداش والبيغل والتّشاو تشاو! وهذه الكلاب لا يمكن تدريبها بسهولة!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول الكروي داود:

    أصل الكلاب من الذئاب! لهذا لا نستغرب وجود أنواع شرسة منها !! ولا حول ولا قوة الا بالله

  4. يقول محمد السوري:

    من الإجحاف ان نضع اللوم على كل ( الكلاب ) فهناك كلاب (وديعة )وكلاب ( مجرمة) كما ان هناك حكام ( وديعة) وحكام ( مجرمة) نحن مع كل اسف نعيش في عصر ( الكلاب) المجرمة اللتي تتباهى بجريمتها ووساختها ولهذا تغير المثل مع تقلب الزمن وماحادثة قنصلية آل سلول وأبو منشار الا دليل على ذالك نتمنى ان تكون هذه الحادثة بداية انقراض عصر الكلاب المجرمة

  5. يقول أبو عمر. اسبانيا:

    ذكرتني هذه القصة بصديق خليلي تزوج من ألمانية لتعينه على تعلم اللغة الألمانية الصعبة. قابلتهما بعد 3 سنوات في هامبورغ فإذا بها تتحدث العربية و باللهجة الخليلية بطلاقة و هو ما زال في المستوى الأول في اللغة الألمانية.

  6. يقول كمال - نيويورك:

    رأيت الناس كيف تخون و رأيت الكلاب كيف تصون، كلما زادت معرفتي بالناس زاد احترامي للكلاب

  7. يقول سوري:

    في علوم الاعلام يقال اذا عض كلب رجلا ليس خبرا ولكن الخبر اذا عض رجل كلبا. ومن التجربة تعرف أخلاق الكلاب فكلب صغير ينبج فهو يتعلم النباح من والده، وإذا نبح كلب شاب فهو لا يعض، وإذا نبح كل عجوز فهو يقدم نصيحة، وأما الكلب الذي لا ينبح فهو الذي يعض ويغدر، وشخصيا يراودني دائما سؤال في مسألة الحيوانات وهو لا أعرف لماذا يضع العرب دائما الحمار على رؤوس قوافل البعير وخلفها تجري الكلاب

  8. يقول ختام قيس:

    صباح الخير
    حاله الاسقاط والازاحه العدوانيه اللاشعوريه التي تندرج تحت ما يسمى اليات الدفاع والمواجهه النفسيه اخذت تضرب بكل من يمكن ان يستوعب ضعيف ولا حول ولا قوة له ،الكلاب هي المرآه الحقيقه لما يحدث لدى بني البشر ،الكلاب أكثر صدقا فهي تستخدم في احيانا كثيره ردود فطريه دون ان تمر في مصفاه ثقافيه حتى وإن حظيت في رعاية اسريه ما زالت لا تتخلى عن النزعه الحيوانيه التي ولدت فيها،لكن العتب على بني البشر الذين عبروا ما يسمى تنشئه اجتماعيه ،محطات توعويه وحقن انسانيه لا زالوا يخرجون عن هذا الاطار..
    صباحكم عافية
    الشكر لك استاذ سهيل

  9. يقول د. اثير الشيخلي - العراق المنكوب:

    و هناك بشر في صورة إنسان ، لكنها أخس من الكلام نجاسة و احقر من الضباع غدراً ، تهاجم البشر الوادع الأعزل بعد أن تستدرجه الى ما يتبين أنه مأمنه ، فتنهشه نهشاً في عصابة و بعدد وعدة بلا أدنى تكافئ ، ثم وفي إمعان في الدناءة و الخسة ، يشبه زعيم المجموعة عن بعد و الوكيل عن الرأس المدبر الخسيس الأكبر ، رأس الضحية برأس الكلب و يأمر كلابه ،ان يأتوه برأس الضحية !
    .
    كلما سمعنا عن خسة و بربرية بلغها البشر ، يأتي من يثبت أن القاع مستمر و بلا قعر على ما يبدو ،!!

    1. يقول د. اثير الشيخلي - العراق المنكوب:

      تصحيح :
      الكلاب و ليس الكلام

      آسف

  10. يقول دوماني حر:

    يسمون الكلاب بدون ذنبٍ/غير داءٍ في اللعاب. ويتركون أناس هم اضر على العباد من الكلاب

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية