في الأيام القليلة الماضية جرت أحداث ومناسبات تستحق التعليق على جوانب منها، خصوصا عندما تمس جوهر الحدث أو المناسبة وتشوههما.
في العراق قام البابا بزيارة مواساة وتعاضد معنوي لضحايا الهجمة البربرية الاستعمارية، الصهيونية في حقيقتها، التي أدت إلى موت الألوف من المدنيين الأبرياء، وتشريد الملايين، وتدمير البنية التحتية، وإدخال مجتمع العراق في أتون الصراعات الدينية الطائفية والعشائرية، وفتح الأبواب مشرعة لمجيء العنف الإسلامي الهجمي المفتري على الإسلام وسماحته لاستباحة العراق وكل سكانه.
كانت دعوة البابا لإعلاء شأن الأخوة الإنسانية، والتعايش والتسامح ما بين الديانات السماوية، والانتقال من ظلام الجحيم الذي يعيشه العراق إلى نور مستقبل حضاري إنساني.
كانت دعوة صادقة وبلسما لجراح الملايين من أبناء العراق وأمتهم العربية. لكن أن يكتفي البابا بالحديث عن العموميات ووصف الجرائم التي ارتكتبت، بدون أن يشار بالاسم إلى المجرمين المتآمرين الكذابين، الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن، ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، اللذين اعترفا بأنهما أشرفا على مؤامرة غزو العراق وتدميره، بكذب متعمد وشعارات صليبية حمقاء، وباستعمال انتهازي لمؤسساتهم الاستخباراتية الإجرامية، لغض الطرف عن ذلك الكذب، وتسببا في ما حدث من مآس ودمار، وبدون مطالبة علنية من قبل البابا بمحاكمة الاثنين ومن أعانهما من أمثال ديك تشيني ورامسفيلد وبريمر كمجرمين حرب، فإن ذلك غير مقبول منطقيا وأخلاقيا وضميريا، وبالتالي قاد إلى الشعور بأن المهمة النبيلة التي قام بها البابا، قد خدشت وكانت ناقصة.
المناسبة الثانية هي ذكرى مرور عشر سنوات على بدء سلسلة أحداث التدمير البشري والعمراني الهائل للقطر العربي السوري. وبعيدا عن مماحكات كيف بدأت تلك الأحداث، ومن ارتكب الأخطاء من داخل القطر السوري وخارجه، فإن الواضح وضوح الشمس، أن مؤامرة خارجية وداخلية، وجهات حاقدة على التاريخ النضالي العروبي التحرري للشعب السوري الشقيق، وبلادات مواقف عربية، من قبل العديد من الأقطار العربية، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وتسهيلات متعمدة لدخول سوريا واستباحتها من قبل قوى عنفية جهادية مجنونة قادمة من كل أصقاع الأرض، مع تجاهل فضائحي من قبل السلطات التركية… فإن كل ذلك ساهم في مأساة مريعة للشعب السوري العربي الشقيق. والسؤال الحائر: ألم تتعب الأمة العربية من عيش عجزها ومناقشاتها البيزنطية لتسترد الموضوع السوري من يد الغير، ولترد للشعب السوري كرامته وتعمل بشتى الطرق الممكنة، وهي كثيرة لو توفرت الإرادة القومية، لوضع تصور معقول، ولو مرحلي، لإخراج شعب سوريا من الجحيم الحالي، وعودة المهجرين، والبدء بإعادة بناء ما تدمر، من خلال خطوات أولى أساسية مثل، أن ترفض الحصار الاقتصادي الأمريكي الجائر وتكسره، وتعيد سوريا إلى مكانها في الجامعة العربية والقمة العربية، وكل المؤسسات القومية المشتركة؟ الأمر صعب ولكنه ممكن لو توفر الوعي العروبي والضمائر الخائفة من لعنات التاريخ، ولو قررت هذه الأمة أن تثور وتتحدى.
كل ما يواجهه وطننا العربي يستدعي أن نصرخ بأعلى صوتنا: يا رابطة هوية العروبة، كم من الجرائم ترتكب أثناء غيابك؟
المناسبة الثالثة هي احتفال العرب مع باقي الشعوب بالمرأة. لقد تعالت في الوطن العربي حفلات الحب والتقدير والمدائح للأم والأخت والزوجة، الفلكلورية. وذرف البعض الدموع الصادقة تأسفا على ما تواجهه المرأة العربية من تحرش، وسوء معاملة وجحود وتهميش تاريخي. والسؤال: هل أن المرأة العربية بحاجة لتلك الكرنفالات والقصائد، أم أنها بحاجة لقوانين حقوق إنسانية كاملة، ولفرص حياتية مماثلة ومساوية لأخيها الرجل، ولأنظمة أسرية وشخصية تساويها بكل أفراد العائلة؟ وعليه أليس من الأفضل أن يغير مسمى يوم المرأة العالم ليصبح يوم حقوق المرأة العالمي؟
والحدث الرابع هو التصاعد الأخير لآلام وكوارث الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني في القطر اللبناني الشقيق. واضح أن الحصارات والتدخلال الخارجية يقصد بها أن يدفع لبنان ثمن انتصارات شعبه على مؤامرات الإذلال والتركيع الاستعماري والصهيوني. فهل سيترك لبنان ليواجه الطوفان لوحده دون عون وإسناد من قبل أشقائه العرب؟ كل ما يواجهه ويصطلى بناره وطننا العربي يستدعي أن نصرخ بأعلى صوتنا: يا رابطة هوية العروبة، كم من الجرائم ترتكب أثناء غيابك؟
كاتب بحريني