حين كتبت أتساءل إن كانت آلة الزمن قد أعادتنا إلى التسعينيات حيث الثورة الطالبانية، وحيث الخطاب الإسلامي غريب التشدد لتحريم التماثيل والفنون، وذلك بمناسبة عودة طالبان التي تزامنت مع تعليقات استنكارية غريبة من بعض السياسيين في الكويت، بسبب وجود تمثال في متجر أو بسبب دورة رقص في ناد صحي، أتت الردود من بعض المعلقين على تويتر لتتمنى في الواقع العودة للوراء، لربما لألف سنة للخلف، حيث التقوى الحقيقية والدين الإسلامي القويم.
وعلى حين أن كل ذي منطق يعلم أن العودة الطالبانية هي خطة سياسية لها أطراف كثيرة تستغل العقول الصغيرة، كما وأن كل ذي نباهة يعرف أن اعتراض نائب سلفي على دورة رقص في ناد صحي نسائي هنا أو على تمثال زينة في متجر هناك، إنما هي حركات سيطرة أيديولوجية لا علاقة لها بالورع ولا هدف لها في حماية الدين، إلا أن ما يغيب عن العقول وما يغيبها هو حقيقة تلك «النوستالجيا» لزمان لا يمكن العودة له، ومكان لا يمكن تحمل التواجد فيه.
وهذه النوستالجيا تبدو لي صادقة، أصحابها يتوقون فعلياً لزمان غير زمانهم ومكان غير مكانهم، إلا أنها نوستالجيا أو تمنيات لو تحققت لدمرت أصحابها. فحين يبدي البعض الرغبة في العودة ألف سنة للوراء للحياة في مجتمع أكثر تديناً، هم فعلياً لا يعرفون عن هذا الزمان أكثر مما يقرأون في بعض كتب التاريخ «الرومانسية» وتلك هي المنتشرة لدينا والتي تروج لفكرة ماض إسلامي «يوتوبي» مثالي كله انتصارات ومثاليات سلوكية. واقع الحال أن التاريخ الإسلامي استشكالي جداً منذ بدايته، فمنذ وفاة النبي والحروب السياسية والاغتيالات الممنهجة لم تتوقف، كما ولم تتوقف السيطرة الأيديولوجية والتهديد المرهب للحريات والعلوم، التي ذهب ضحية لها كتب ومخطوطات ثمينة أكلتها ألسنة النيران على مدى التاريخ الإسلامي. ماذا سيحدث لشخص من القرن الواحد والعشرين، حتى ولو أتى من أكثر الأيديولوجيات تطرفاً، لو أنه عاد لذلك الزمن؟ ماذا سيحدث له لو أنه إضافة إلى اكتشافه أن التاريخ المسطور مثالية، هو في الواقع تاريخ بشري مثله مثل غيره، مليء بالهزائم التي تفوق الانتصارات وبالخطايا والكوارث السلوكية التي تفوق الطيب الورع منها، أقول ماذا سيحدث لو أنه اكتشف أنه، إضافة لكل ما سبق، سيعيش كذلك في مجتمع بلا كهرباء أو مياه جارية أو وسائل نقل أو مواد ترفيهية أو اتصال إنترنتي؟
أما هذا التوق الذي يبديه البعض عندنا للمجتمع الطالباني، فهو يذكرني بهذا التوق للطرف الآخر للمجتمع الإيراني، الذي يتحمس البعض له على أنه المجتمع الشيعي المثالي. مضحك هذا التوق من الطرفين، وهو مضحك أكثر لأنه توق صادر من أهل الخليج، سنة وشيعة، تجاه مجتمعات لن يستطيعوا أن يحيوا فيها ولو للحظة. من خيرات واستقرار وأمان دول الخليج والحريات «النسبية جداً» فيها، هل يستطيع الخليجيون التخلي عن كل ذلك للحياة في أفغانستان الطالبانية أو إيران المرشدية؟ هل سيتمكن من ينظر بإعجاب للنموذج الطالباني في فرض حياة الدولة الدينية السنية أو للنموذج الإيراني في تقنين أساليب العيش الديني الشيعي، أن يحيا أحد هذين الأسلوبين مرفقين، فوق قسوتهما، بشظف العيش والحرمان؟
سهل أن تجلس في بيتك المكيف، في دولتك الآمنة، وعلى طاولة سفرتك المليئة بما لذ وطاب، لتكتب من خلال «آيفونك» المتصل إنترنتياً عبر الأقمار الصناعية الغربية، عن شوقك لزمان مر من ألف سنة أو لمكان متقلقل مهزوز بسبب محاولاته المستمرة أن يفرض ماضياً لا يمكن أن يعود، وسهل أن تتمنى قرناً ماضياً، أو منطقة ساخنة مجاورة؛ لكن هل تخيلت للحظة حياتك، واقعياً، فيهما؟
وهل محاربة الحجاب له علاقة بالورع او التقوى أو الحضارة وهل يحق للذي يدعي الحضارة أن من حقه أن يسقط على الحجاب صفة الرجعية أما التعري فهو أمر مسلم به وعلى كيفه أنه حضاري مع أن سلبيات ذلك مهولة ولا تغطى بغربال. نعم ليتني أستطيع أن أعود إلى ما قبل ألف عام وأعيش لحظة القدرة على زيارة وطننا عندما كان وطننا وأن اجول فيه بسيارتي المتواضعة من طنجة الى جاكرتا دوه أن يوقفني عبد المستعمر الحضاري ليسألني عن هويتني وأن لا أري وطني فلسطين يُغتصب على أيدي أصحاب الحضارة أو أنهم شهود زور وكذابين ودجالون فنحن حقا في زمن أعور الدجال. نعم لطالبان فهي الشاهد على مجازر هؤلاء وها هي تسمى مقبرة الأمبراطوريات أصحاب الحضارة. على فكرة ـ طالبان تعني طلاب وهم نخبة من الطلبة أحبوا أفغانستان وأحبهم شعبهم.
لا يظهر المنافقون والمتنطعون والمثبطون يبكون الاطلال ويتحدثون عن الحريات التي ستضيع والحقوق التي ستنتهك الا عندما يقوم الاشاوس الابطال بتحرير بلادهم بالحديد والنار. اين كنتم ولماذا لم تتحدثوا عن احتلال افغانستان ووجود الامريكان فيها ، ومن اعطى الحق لامريكا باحتلالها؟ وماذا تفعل أمريكا وحلفاؤها هناك؟ المسلمون لا يريدون ديمقراطية الغرب، نقطة وانتهى. ولو كان في الغرب حرية وديمقراطية، فإني اطلب من الأمم المتحدة إرسال جحافل الجنود الى فرنسا حتى تتمتع المسلمات هناك بحريتهن الدينية بوضع الحجاب، كما أرسلوا قواتهم الى افغانستان بحجة الديمقراطية والمساواة الخ وتعريف النساء.ولو افترضنا جدلا أن طالبان شر للأفغان، فإن عملاء أمريكا وأمريكا نفسها، التي فضلت انقاذ الكلاب البوليسية على انقاذ من تعاونوا معها ووضعهم قبلهم بالطائرات هي الف الف شر. الحمد لله الذي تتم بفضله الصالحات.
تصحيح: وتعرية النساء
أستغرب للسطحية التي يكتب ويفكر بها بعض العلمانيين للرد على على من يدعو للعودة لمنابع الإسلام ومكارم الأخلاق في إطار الشريعة الإسلامية. والاستغراب نابع من الخلط عند هؤلاء العلمانيين بين مستووين : مستوى القيم والمبادئ والأخلاق من جهة ومستوى الوسائل المادية والأدوات والمصالح المرسلة من جهة أخرى. فتراهم لا يرون العودة للإسلام وشرائعه (مستوى القيم) إلا مقرونة لزاماً بالعودة إلى ركوب الإبل والسكن في الخيام …(مستوى الوسائل والأدوات). يتوهمون أن تحريم الخمر والثماثيل والتبرج والاختلاط مثلاً لا بد أن يكون مقروناً بتحريم الطائرة و”الأيفون” والكهرباء…الخ. فبغض النظر عن كون هذه الوسائل المادية لا علاقة لها بالحلال والحرام لأنها تعد من المباحات والتحسينات التي تدخل في إطار الحديث النبوي الشريف “أنتم أدرى بأمور دنياكم” وبغض النظر كذلك عن دور العلماء المسلمين في سيرورة الحضارة والاكتشافات العلمية…ألا يمكن للمسلمين أن يتمتعوا بهذه المنجزات العلمية وفي نفس الوقت يلتزموا بتعاليم دينهم وأن يحلوا حلاله ويحرموا حرامه ؟ لا تضارب بين المستويين ولكن التضارب موجود في بعض العقول…
سأحاول أن أكون معك واقعيا انطلاقا من العنوان أعلاه عن موضوع خبر الساعة عن عودة طالبان لحكم أفغانستان بعد حرب لمدة 20 سنة والتي أثارت ضجة كبيرة بسيطرتها على الحكم وطرد الشيوعية وإعدام رئيسها نجيب الله وقيل الكثير عن تشدد وتزمت طالبان لرفضها التعايش مع مدنية العصر منعت التلفزيون وشددت على المراة الأفغانية بارتداء البرقع ومنعها من التعليم وإجبار الكل باللحية وتحطيمها لتماثيل بودا وأنا مع هؤلاء وأتفق معهم فلا يمكن أن تكون طالبان أتقى وأورع من صحابة النبي فتحوا هذه البلاد وعلموا بهذه التماثيل وتركوها لكن.من جانب آخر وللإنصاف هناك من يعتبر طالبان جند من جنود الله لا تسعى سوى لتطبيق شرع الله كما ترى هي وصاحبة مبدأ تقاتل من أجله مهما كانت الأمور رفضت الإنصياع لأمريكا لتسليم أسامة بن لادن أو يتم غزو أفغانستان فخاضت من أجل ذلك حربا مفضلتا التضحية بالحكم على أن تبقى تابعة مأمورة لإرادة أمريكا. فبالله عليكم من هي الدولة المسلمة أو العربية التي باستطاعتها أن تفعل ذلك؟
تتمة من فضلكم.
عهد حكم طالبان امتاز بالأمن في سائر أفغانستان. حاربت بصفة نهائية مخدر نبتة الخشخاش طبقا للتعاليم الإسلامية.كما تحترم المرأة الأجنبية وتقدرها وتكرمها حتى ولو كانت عدوة.(إيفون ريدلي الصحفية الأمريكية التي اعتقلت علي يد طالبان بعد اكتشافها بانها جاسوسة وأطلق صراحها وأسلمت بعد ذلك لمفاجأتها بحسن معاملتها الإنسانية من طرف هذه الحركة.)
فطالبان لها ما لها وعليها ما عليها وأضن أنها في طريق تصحيح بعض سلبياتها بعد عودتها للحكم برغم أمريكا ومهما قيل من أن هذه العودة تمت باتفاقيات سرية كتمهيد لاستخدام طالبان في أمور أخرى.
شيء آخر لاحظته وهو أنك سيدتي الكريمة تربطين الدين وكانه ضد التطور والتقدم ومع الجمود والتحجر عبر إسقاط أسلوب طالبان الإديولوجي على الإسلام والمسلمين بإعادتنا إلى ألف سنة.وتصوير ذلك الماضي الحضاري الإسلامي الفريد من نوعه عبارة عن حروب ودماء وقتل وهمجية وظلامية وهذا غير صحيح وغير منصف.
تتمة إذا تكرمتم.
ولا أرى ذلك إلا من طرف المغول الذين رموا أطنانا من المخطوطات والكتب الإسلامية إلى نهر الفرات بعد قتل أكثر من مليون مسلم ببغداد وإتلاف آلاف المخطوطات الأخرى بعد دخول الإسبان للاندلس وطرد أهلها أو تنصيرهم كما عرف بمحاكم التفتيش.ولا أدعي بالمثالية وقد تكون هناك استثناءات ولكن الإستثناء ليس هو القاعدة.
يتبع.
وأختم برسالة تاريخية من أحد حكام أوروبا الكبار آنذاك إلى ملك الأندلس عبد الرحمان الناصر يمكن كتابتها بماء الذهب ومما جاء فيه :
(ﻣﻦ ﺟﻮﺭﺝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻣﻠﻚ ﺇﻧﺠﻠﺘﺮﺍ ﻭ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻭ ﺍﻟﺴﻮﻳﺪ ﻭ ﺍﻟﻨﺮﻭﻳﺞ
ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﻪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ
ﻣﻠﻚ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺍﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻋﻦ ﺍﻟﺮﻗﻲ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﻔﻴﻀﻪ
ﺍﻟﺼﺎﻓﻲ ﻣﻌﺎﻫﺪ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺎﺕ ﻓﻲ
ﺑﻼﺩﻛﻢ ﺍﻟﻌﺎﻣﺮﻩ ﻓﺄﺭﺩﻧﺎ ﻷﺑﻨﺎﺋﻨﺎ ﺍﻓﺘﺒﺎﺱ
ﻧﻤﺎﺫﺝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺣﺴﻨﻪ
ﻓﻲ ﺍﻗﺘﻔﺎﺀ ﺃﺛﺮﻛﻢ ﻟﻨﺸﺮ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ
ﺑﻼﺩﻧﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﻮﺩﻫﺎ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﻣﻦ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﺭﻛﺎﻥ
ﻭ ﻟﻘﺪ ﻭﺿﻌﻨﺎ ﺍﺑﻨﺔ ﺷﻘﻴﻘﻨﺎ ﺍﻷﻣﻴﺮﻩ ”
ﺩﻭﺑﺎﻧﺖ ” ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺱ ﺑﻌﺜﻪ ﻣﻦ ﺑﻨﺎﺕ ﺃﺷﺮﺍﻑ
ﺍﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﺗﺘﺸﺮﻑ ﺑﻠﺜﻢ ﺃﻫﺪﺍﺏ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﻭ
ﺍﻟﺘﻤﺎﺱ ﺍﻟﻌﻄﻒ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﻣﻊ ﺯﻣﻴﻼﺗﻬﺎ ﻣﻮﺿﻊ
ﻋﻨﺎﻳﺔ ﻋﻈﻤﺘﻜﻢ ﻭ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﺤﺎﺷﻴﻪ
ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﻪ.
انتظر يوم الجمعة انتظار لقراءة مقال الدكتورة ابتهال.
و شاهدت على اليوتوب قبل اربعة ايام فيديو بعنوان قصة الجنس البشري و هو فيديو جديد للدكتورة الفاضلة ابتهال وكم استمتعت بمشاهدة الفيديو و بحديث الدكتورة المثقفة جداًوهي تسرد الوقائع والمعلومات.لكِ كل الشكر دكتورة ابتهال على كل ما تقدمينه لنا.
كنت أريد التعليق كعادتي خصوصا في هذا الركن الذي لم يشدني اليه شيء في الاسابيع السابقة لان مختلف المواضيع ليست ذا أهمية بقدر هذا الموضوع بالذات ولكن لعلمي بتراكم الاحكام المسبقة وعودتها في كل مرة يعلو للاسلام راية إلاّ وبرزت سهام و نبال هنا وهناك تريد تقزيم المنجزات وتهوين النصر الالهي الذي حبي الله به رجال طالبان و أشفي به صدور قوم مومنين
حقيقية يحز في نفسي في كل مرة الاتهامات التي تساق ضد طالبان عدوانا وظلما و لكن ولله الحمد اثلج صدري بعض الردود المفحمة والقيمة والممنهجة علميا من الاخوة الافاضل مثل : أسامة حميد و عبدالرحيم المغربي و فؤاد مهاني وغيرهم ممن حضر هذه المعركة اليوم او لم يحضر ولكنه كان بالمرصاد لكل إدعاء باطل يروجه العلمانيون هنا وهناك …
بارك الله فيكم وفي علمكم و الله ولي التوفيق …
اللهم انصر من نصر الاسلام والمسلمين ..
اللهم آمين يا رب العالمين. تحياتي لك أخي الفاضل سهيل.
الاخ سهيل نحن هنا لسنا في معركة بل نقاش فكري وليس كل العلمانيون ليسوا مؤمنين ولكن الاسلاميين يروجون لهذه الكذبة لكي تكون معركتهم مع العلمانيين لانهم يؤمنون بالديمفراطية وفصل الدين عن الحكم والدولة ومع انتصار طالبان صفق الكل لهم وانا منهم لانهم حرروا بلدهم ولكن الاخرين صفقوا لهم لانهم اخذوا السلطة بالقوة فطالبان ستنفرد بالسلطة كاي فكر شمولي كالشيوعية بالاتحاد السوفيتي السابق وحاليا في كوريا الشمالية او الصين وبالتالي هل سيكون لافغانستان مستقبل مشرق ام ستكون بلد منغلق على نفسه وشعب معزول لا انترنيت ولا ستلايت ولا اي شيء غير اسلامي كما يعيش الكوريين الشماليون الان ولكني متاكد انهم سينعمون بالامن والامان فقط ان لم يخالفوا طالبان ولكن من يعارض فمعروف مصيرهم
وكذلك جورج واشنطن بعد ان اباد ١٥٠ مليون هندي ثم جاء من وضع الدستور الذي نراه اليوم. لماذا حلال على جورج حرام على الملا عمر مع ان الملا عمر لم يقتل واحد في المليون مما فعله جورج واشنطن.