محنة أمريكا ليست في خبل شخصية دونالد ترامب، وقد لا يعني زوال رئاسته زوالا للمرض، فقد كان «الرجل البرتقالي» عرضا لمرض أمريكا المتفاقم، واتهامه بالتمرد على المؤسسة الأمريكية في محله تماما، وقد تعرض ويتعرض لمحاكمات برلمانية وجنائية، قد تحرمه من فرصة الترشح مجددا للرئاسة في 2024، ومن دون أن يعني ذلك نهاية «الترامبية» التي قد تكون الإشارة الأبرز إلى تراجع أمريكي لا عودة منه.
قد لا تتحقق نبوءات تفكك أمريكا قريبا، وعلى طريقة تفكك الاتحاد السوفييتي قبل عقود، لكن أمريكا، التي كانت، لن تعود، وسيرة الحلم الأمريكي انتهت إلى زمن الكوابيس، وحادث اقتحام الكونغرس من قبل أنصار ترامب، ونهب محتوياته، وتحويله إلى ميدان لتبادل إطلاق الرصاص، وسقوط قتلى وجرحى بالعشرات، واتهام المقتحمين الأمريكيين بالإرهاب، كل ذلك قد لا يكون مجرد جملة اعتراضية، بل إشارة بليغة إلى ما ينتظر أمريكا في مقبل أيامها، فقد تتسع ميادين الرصاص، وقد تصبح أمريكا على شفا وضع يشبه الحرب الأهلية، ولم يسبق للولايات المتحدة بعمرها الأكثر من قرنين ونصف قرن، أن تعرضت لتفكك في نسيجها، كالذي يجري اليوم، ربما منذ أحداث الحرب الأهلية الأمريكية قبل أكثر من 150 سنة، التي انتصرت فيها ولايات الشمال على ولايات الجنوب، وحولت الرئيس إبراهام لينكولن إلى رمز لوحدة أمريكا، وتحرير العبيد، بعدها جرى اغتياله برصاص المهزومين، وهو يشاهد مسرحية هزلية، كادت تتكرر ايحاءاتها الخطرة في غزوة الكونغرس الأخيرة، فعلى كثرة مشاهد الاقتحام المنقولة مباشرة على الهواء، وتصاعد هتافات شنق مايك بنس نائب ترامب المتهم بخيانته، وصيحات دهس نانسي بيلوسي الديمقراطية رئيسة مجلس النواب، لكن كانت أيقونة الصور كلها في مكتب بيلوسي، وقد احتله مقتحم ترامبي في زي يشبه رعاة البقر، ووضع قدمه على مكتب السيدة الشرسة، وتصدر حذاؤه الشاشات، وبدا الحذاء، وكأنه تاج العار والتحقير الموضوع فوق رأس المؤسسة والديمقراطية الأمريكية.
حادث اقتحام الكونغرس إشارة إلى ما ينتظر أمريكا، فقد تتسع ميادين الرصاص، وتصبح البلاد على شفا وضع يشبه الحرب الأهلية
ولن ينجح الرئيس الجديد جو بايدن غالبا في وقف اندفاع تيار المأساة، صحيح أنه فاز انتخابيا بفارق ظاهر، وحصل على أصوات 80 مليون ناخب أمريكي، وعلى أغلب أصوات المجمع الانتخابي، وتسانده أغلبية تناقصت في مجلس النواب، وأغلبية حرجة في مجلس الشيوخ، الذي حصل فيه «الحزب الديمقراطي» على 50 مقعدا من مئة، يضاف إليهم الصوت المرجح لنائبة بايدن كامالا هاريس، وبما يسهل عملية إقرار مجلس الشيوخ لترشيحات الإدارة الجديدة، وقد سبق لبيل كلينتون وباراك أوباما، أن حظيا بهذه الميزة في أولى فترات رئاستيهما، لكن متاعب بايدن المنتظرة في مكان آخر خارج المؤسسة، فليست القصة في فوز بايدن وهزيمة ترامب انتخابيا، بل في انقسام اجتماعي وسياسي وعرقي غير مسبوق، فنحو 75 مليون ناخب أعطوا أصواتهم لترامب، ولا يعترف أغلبهم بفوز بايدن، ويعدونه فوزا مزورا، وسرقة للانتخابات، ومؤامرة من المؤسسة أو «الدولة العميقة» حسب تعبيراتهم، وجماعاتهم الأكثر تشددا مثل «ماجا» و»الأولاد الفخورون» وغيرها في 16 جماعة عنف إرهابي، كما تقول تقارير «أف. بى. آي» وكلها لا تتردد في إبداء الاستعداد للقتال كما يقولون، وحق حمل السلاح متاح لكل أمريكي حسب الدستور، وهو ما يقلق بايدن، الذي تعهد بجعل معالجة الانقسام أولوية لإدارته، بينما لا يملك الرئيس العجوز (78 سنة) فرصة مواتية، فقد فاز بأصوات كارهي ترامب، وليس بأصوات مغرمة بشخصية بايدن الباهتة، وكان ترامب هو محور الحوادث، وصعد بايدن على كف الأقدار، التي قلصت شعبية ترامب، من نوع أقدار جائحة كورونا، ومعها كثافة وامتداد مظاهرات رفض عنصرية الشرطة البيضاء القاتلة للمواطنين السود، وليس بوسع بايدن ترميم الفجوات المتسعة، ولا ردم الشروخ العميقة في صورة المجتمع الأمريكي الراهن، فسيكون بايدن على الأغلب رئيسا لفترة واحدة، وأربع سنوات لا تكفي لإنهاء انقسام، تعمق عبر عشرات السنوات الأخيرة، وربما كان المفكر الأمريكي اليساري نعوم تشومسكي مصيبا، حين ذكر قبل أسابيع بوضوح، أنه لا فرصة لأي رئيس أمريكي مقبل في استعادة الإجماع الوطني، وقد لا تخفى الأسباب التي قادت لتوقع تشومسكي، فقد ولدت الولايات المتحدة الأمريكية على تلال من المظالم الدموية، بدأت بحرب إفناء الهنود الحمر سكان البلاد الأصليين، وكان جورج واشنطن أول رؤساء أمريكا من ملاك العبيد الأفارقة، ولم ينجح إبراهام لينكولن في تحرير العبيد إلا ظاهريا، وظلت مظلمة السود ممتدة بطول وعرض التاريخ الأمريكي، قبل وبعد الحرب الأهلية، وإلى أن صدرت قوانين المساواة المدنية، أواخر ستينيات القرن العشرين، لكن القوانين وحدها لا تصنع مجتمعا عادلا متفاهما، وهو ما جعل السود الأمريكيين على أهبة التمرد دائما، وفي مناسبات لن تكون آخرها واقعة مقتل الشاب الأسود جورج فلويد، ولا الاستطراد في مظاهرات وحركة «حياة السود مهمة» التي قد تعاود انتعاشها مع تغول حضور حركات تفوق العرق الأبيض، خصوصا من تيار «الواسب» أي البيض الأنكلوساكسون البروتستانت، وهم يعتبرون أنفسهم أصل التكوين الأمريكي، بعد إفناء الهنود الحمر، وقد داخلهم خوف متزايد من هجرات متنوعة لاحقة، تهدد مكانتهم المميزة، وتخلق مظلمة أخرى للبيض هذه المرة، خصوصا غير الحاصلين على شهادات تأهيل جامعي وتكنولوجي، وقد تضاءلت فرصهم بعد تحولات الاقتصاد الأمريكي في العقود الثلاثة الأخيرة، وتراجع الاقتصاد الإنتاجي العيني، وتوسع رأسمالية المضاربات، وهيمنة شركات التكنولوجيا، وهجرة الشركات الأمريكية الأكبر إلى خارج الحدود، وأيلولة مراكز صناعية كبرى إلى مدن أشباح، وقد تكون من هؤلاء جمهور ترامب الأساسي، مضافا إليهم جمهور واسع من الإنجيليين الأصوليين، وكل هؤلاء متأهبون لاسترداد ما يتصورونه حقوقا ضاعت من أيديهم، ويبدون شراسة وعنفا مضاعفا، ولا يتردد الكثير منهم في العودة لمناخ الحرب الأهلية القديمة، خصوصا مع تدني مكانة أمريكا الكونية، وضعف قيمة الانتساب لأمريكا، التي كانت «القوة العظمى» بألف ولام التعريف، ثم تجد نفسها تصارع مع آخرين صاعدين باطراد في مجالات الاقتصاد والسلاح والتكنولوجيا، ودونما أمل أكيد في العودة إلى المجد الامبراطوري المتقادم المتزايل.
ومنذ نحو ثلاثين سنة، تدافعت نبوءات تحلل أمريكا، وكان أكثرها عمقا، نبوءة المؤرخ الأمريكي من أصل بريطانى بول كينيدي، وبالذات في كتابه الأشهر «صعود وسقوط القوى العظمى» وركز فيه على توقع انحسار الامبراطورية الأمريكية، بسبب تراجع قوة اقتصادها، وتدنى مقدرته على الوفاء بتكاليف السلاح الأمريكي المنتشر على رقعة عشرات البلدان، وفي وقت مقارب لصدور كتاب كينيدي، ظهر كتاب إلفن توفلر «الموجة الثالثة» الذي توقع انهيار الولايات المتحدة، على طريقة ما جرى للاتحاد السوفييتي، وتفككها إلى عدد من الدول المستقلة، وكانت عينه وقتها على شرارة ثورات السود، وقبل شهور، عادت فكرة التفكيك نفسها إلى السطح، ونشر المفكر الكندي ويد ديفيس مقالا مهما في مجلة «رولينغ ستون» الأمريكية، ركز فيه على المظالم الاجتماعية المدمرة للنسيج الأمريكي، وتفاقم ظاهرة انعدام المساواة، التي نهشت عظام الطبقة الوسطى، وأتاحت لواحد بالمئة من الأمريكيين وحدهم نحو 30 تريليون دولار، مع تزايد عبء الدين الأمريكي العام، ووصوله لأكثر من 27 تريليون دولار، وقد يصعب حصر نبوءات التحلل والتفكك الأمريكي المتوقع، وأغلبها يركز على الأثر الجوهري لانحدار أرقام الاقتصاد وغياب العدالة، فلا شيء يجمع الأمريكيين سوى حجم الناتج الاقتصادي ومعدلات النمو والدخل الفردي، كما أكد مبكرا المؤرخ الأمريكي شليزنجر، وإخفاق الاقتصاد يثير النزاعات التفكيكية، وقد صارت تيارات الانفصالية في أمريكا محسوسة أكثر فأكثر، ليس فقط في ولاية غنية جدا مثل كاليفورنيا، التي صار البيض أقلية فيها، بل في تكساس وغيرها، وانتشار حركات انفصال في 15 ولاية، وإلى حد دفع محللا في «واشنطن بوست» أن يكتب مفزوعا عن سوء المصير الذي ينتظر أمريكا مع انتفاخ ظاهرة «الترامبية» وعودة أعلام الولايات الكونفدرالية، التي كانت طرف الصدام الآخر في الحرب الأهلية زمن لينكولن، وقد ظهرت هذه الأعلام بكثافة في غزوة الكونغرس الأخيرة، وقبلها في عام 2019، نشر مركز أبحاث «بيو» استطلاعا لآراء الأمريكيين، كان سؤاله المحوري عن رؤيتهم لصورة أمريكا عام 2050، وكان غالب الآراء يشير لتوقع ضعف دور أمريكا في الخارج، مع تزايد مصاعبها الاقتصادية في الداخل، والمغزى أن أمريكا ربما تحتاج إلى قلب المصائر لا قلب نتائج الانتخابات، وهذه معجزة تبدو مستحيلة، في زمن نهايات لا في وقت معجزات.
كاتب مصري
ب: وبعدين عملت تمرد
.
ت: عملت تمرد ازاى، تمرد بالسلاح يعنى؟
.
ب: لا يااخى،انا جيبت شوية عيال صيع وطبعت لهم ورق مكتوب عليه شوية مطالب صعب تحقيقها،وبعدين خليتهم يقولوا انهم معاهم حاجة بتاعة مش فاكر 40ولا50مليون توقيع، وأهو كله كلام،فى الهجايص يعنى! وبعدين طلبت من البلطجية انهام ينزلوا الشوارع لمدة 4او 5ساعات ،نزل الشارع كام ألف كده رحت جايب واحد مخرج علشان يخرج المشهد ويعمل شوية خدع سينمائية وقلت فى الإعلام ان الشعب عمل سوّرة وسميتها (سوّرة 30 يونيو) وقلت ان اللى خرجوا فيها شوية اقول30مليون وشوية اقول50مليون وشوية اقول70مليون وأهو كله فى الهجايص، هو كان يعنى فى حد حيعد ورايا!
لا ريب أن كوابيس أميركا لن تتوقف عندها،ولكنها ستمتد إلى الديكتاتوريات المفضلة والموظفة. فالديكتاتور المفضل في مصر مثلا يعيش كابوسا رهيبا بعد رحيل سيده عن مكتبه البيضاوي، وربما يجد بعض العون من أجهزة الشر الأميركية،ولكنه سيظل يترجم عن كوابيسه في صور مختلفة، تجعله يبحث أمر المحاجر ويترك أمر الأكسجين في المستشفيات التي يموت فيها المئات يوميا عدا الذي يموتون في بيوتهم، والكوابيس الأميركية ستمتد إلى طغاة آخرين في المتطقة منهم المنشار والبراميلي وأشباههما. ثورة الشعوب العربية ستسبق الثورة الأميركية عاجلا أم آجلاإن شاء الله. ولله في خلقه شئون!
كوابيس الديكتاتور المفضل والمنشار المتوج والبراميلي الموظف ستختلف نتائجها عن بقية الكوابيس ،لأنها تتعلق بالدم والروح، قتلوا في شعوبهم الأمل وذبحوا الآلاف، وشردوا الملايين في أرجاء الأرض،وتحالفوا مع أعداء الدين والأوطان، وتركوا أبواق الكذب تنافخ عنهم ، وتفلب الحق باطلا، والباطل حقا ،وظنوا أنهم في حصانة ومنعة من الله، ولكن الحي القيوم لن يُفلت من خانوا شعوبهم، وباعوها للصهاينة وأميركا ومن قبلهم إنجلترا وفرنسا.
سيقولون يوما انهم لم يخضعوا للاستبداد و هاجموا ترامب و امريكا و نتنياهو في عز حكم الطاغية
شكرًا أخي عبد الحليم قنديل. ولدت أمريكا على تلال من المظالم وتعيش عل تلال من المصائب. لكن رغم كل ذلك عندما أنظر إلى الواقع في هذا العالم لاأرى أن أمريكا تقف على اعتاب تفكك أو إنهيار ولاحتى أي نوع من الحروب الأهلية. هذه أحلام هي المتسلطين والمستبدين والدكتاتورية والتيوقراطية أكثر منها تحليلات خلدونية (نسبة لإبن خلدون) لمصائر الدول. ربما العالم بأجمعة بتغير وليس أمريكا لكن من غير الواضح إلى أين يسير مصير البشرية.
من احسن المقالات فى هذه الجريده .
ننظر إلى أميركا بمنظارنا نحن وكأنها دولة الدكتاتور المفضل أو دولة العائلة. شفافية الدولة الأميركية تجعلك ترى أسوأ ما فيها وأفضل ما فيها وما يحصل هو عملية تصحيحية بامتياز وستخرج منها أميركا قريبا ولكن هذه العملية التصحيحة ربما تؤرق أنظمة تسلم الأيادي وكل ما في بلدي مزرعة لي. يا ريت يكون وضع أوطاننا عُشر ما هي عليه أميركا الآن.