ها أنا أعيش «كوابيس باريس» بعدما عشت «كوابيس بيروت». ولا تزال جثث السيارات المحروقة بعد تظاهرة هذا اليوم السبت في جادة الشانزيليزيه لأصحاب «السترات الصفراء» تفوح؟ متغلفة في بقايا حطام واجهات المطاعم الفخمة والدكاكين الأنيقة، وها أنا أجلس ليلا على مقعد خشبي من مقاعد الأرصفة في شارع «الشانزيليزيه» الباريسي الشهير إياه، كما جلست على المقعد ذاته يوم وصلنا للإقامة في باريس هاربين من «كوابيس بيروت» قبل ثلاثة عقود ونصف.. وتوهمت وقتها أنني غادرت قارة الكوابيس.
ثم إن الهرب من «كوابيس بيروت» كان مغامرة بحد ذاتها، فالباخرة التي يفترض أن نستقلها اختطفها العدو الإسرائيلي زاعما أن على متنها بعض (الإرهابيين)، أي أبطال المقاومة من الفلسطينيين. وحين غادرت «باخرة المواشي» بيروت ورضينا بأن نستقلها (المطار مغلقا) للهرب إلى لارنكا/قبرص، كخطوة أولى توهمنا أننا ودعنا «كوابيس بيروت» ولكن لا.. إذ انهمرت علينا القذائف في عرض البحر قادمة من فئة مسلحة في لبنان، كأنه ينبغي ألا يرحل المرء حيا عن جحيم كوابيسه البيروتية، فهو رهينة لديهم لا يحق لها الهرب!
«كوابيس الغرب» بعد «كوابيس الوطن»
في مرفأ لارنكا حين وصلنا أحياء تعرضنا لتفتيش بوليسي دقيق خوفا من نقلنا ـ كلبنانيين ـ للمخدرات!! وأخيرا وجدنا أنفسنا على الرصيف بانتظار التاكسي للذهاب إلى فندق «صن هول».. وجاء رجل وحمل حقائبنا وظننته السائق (اللطيف) ثم إنني كنت أحمل (ثروتي) بيدي، أي مخطوط روايتي «ليلة المليار» ولم أنتبه له، ولكن زوجي لحق به صارخا بالإنكليزية: هذه حقائبنا نحن. فتركها السارق على الأرض وفر هاربا. وأدركنا لحظتها أن اللاجئ فريسة شهية للسارقين وتجار مراكب الهرب.
لا مكان آمنا في هذا الكوكب
أتذكر جلستي في أسبوعي الأول في باريس على هذا المقعد الخشبي، بالذات في شارع الشانزيليزيه.. يومها توهمت أنني وصلت إلى مكان آمن في هذا الكوكب المضطرب. مكان يصلح ليكبر ابني فيه دون أن تنفجر قذيفة في باحة مدرسته وتجرح رفيقه الطفل مثله، ودون أن تحترق مكتبتي وتمر القذائف بجدراني وتستقر رصاصة في وسادتي.. كما في بيروت.
وكنت واهمة.. فالعنف سيتبعني في كل مكان ربما لأنه ينبع من الطبيعة البشرية للناس أينما كانوا كيفما كانوا..
وها أنا في جلستي الأخيرة هذه ليلا على المقعد نفسه أتذكر يوما من العنف والخوف في قلب باريس عشته منذ ساعات، بدأ بزيارة مني لصديقة لبنانية في حانوتها الفخم للأزياء في الشارع الباريسي الموصوف بأنه أجمل جادة في العالم (الشانزيليزيه) بعدما باعت كل ما تملكه في لبنان ووجدت شريكة فرنسية ونجح (البوتيك) ماديا لموقعه في الجادة الشهيرة.
وما كدت أصل إليها حتى توافد على الجادة متظاهرو «السترات الصفراء» وقلت لنفسي: تظاهرة سلمية أخرى باريسية وتمر..
لكنها لم تمر حقا بسلام، بل تحولت إلى ما يشبه فصلا من «حرب الشوارع».. بدأ الصدام مع رجال الشرطة والقذائف المسيلة للدموع مقابل العنف (الأصفر) وبدأ تكسير مقاعد المقهى المجاور لاستعمالها كعصي ضد رجال الشرطة ودارت معركة وأين؟ في شارع الشانزيليزيه الذي توهمته المكان الأكثر أمنا في العالم يوم وصلت إلى باريس. بعد ساعات من ذلك كله، حين هدأ الشارع غادرت وصديقتي المخزن. وقلت لها إنني أريد أن أجلس قليلا على هذا المقعد الخشبي نصف المقتلع تحت عنف تظاهرة «السترات الصفراء».
وسألتني بمودة: هل أنت مجنونة؟
قلت لها ضاحكة: هل اكتشفت ذلك اليوم فقط؟
القضايا العادلة في فخ الأذى للأبرياء
أتساءل: أليس بوسع الإنسان أن يحتج على ما يجده ظلما.. أن يظلم الأبرياء في خضم دفاعه عن حقوقه؟
هل ستتحول تحركات «السترات السصفراء» إلى انتفاضة تبدل تاريخ فرنسا، أم أنها عاصفة هياج ستمر؟ عدت إلى وكري الباريسي وأنا أتساءل: لنفترض أن أهل «السترات الصفراء» على حق في مطالبهم. ما ذنب صديقتي التي كدحت مثلهم طوال العمر ليصير لها الحانوت الذي تسترزق منه وكانوا على وشك تحطيمه لو لم تسارع إلى إسدال الأبواب المعدنية، وما ذنب أصحاب السيارات التي تم إحراقها هياجا ولعلهم يدفعون ثمنها بالتقسيط ولما يسددوا القسط الأخير بعد. ولماذا تستخدم القضايا العادلة أساليب ظالمة أحيانا للوصول إلى أهدافها؟
المرفهون قياسا إلى بشر العالم الثالث!
ثمة حقيقة، هي أن أهل فرنسا يعيشون في رفاهية نسبية، ولا يدفعون إلا القليل من نفقات العلاج وثمن الأدوية وأقساط مدارس الأولاد.. يريدون المزيد؟ ربما عليهم بالتالي عدم إفقار خزينة الدولة لتكون قادرة على تلبية مطالبهم.
لكن تحركاتهم شلت جزءا كبيرا من الحياة الاقتصادية الفرنسية والسياحية، وتم إغلاق العديد من المتاحف خوفا من نهبها وتخريبها، والخزينة الفرنسية خسرت حتى اليوم (أي بعد شهر على تحركات السترات الصفراء) مبلغ 4 مليارات يورو ـ كما قال مذيع الأخبار ـ وفقد 50 ألف موظف موقت أعمالهم بسبب الكساد وهرب الزبائن والسياح خوفا، ثم اضطرار رب العمل إلى إغلاق حانوته كل يوم سبت دفعا من الأذى والتدمير، أي أن أهل «السترات الصفراء» يطالبون بالمزيد من المال ويقومون بإفقار الخزينة. فكيف يمكن لتحرك أن يقنع أحدا وهو يعمل ضد نفسه قبل الآخرين؟ وترى هل قدري أن أعيش «كوابيس باريس» بعد «كوابيس بيروت»؟ أم أن الحوار الذي عرضه الرئيس ماكرون على «السترات الصفراء» سيدور ويجدون حلا دونما معارك شوارع، فقد تعبت وسواي من العنف في كل مكان!
شكرا للمحررالكريم لنشر تعليقاتي
بينما كنت اتوقع من السيدة غادة ان تكتب شيئا عن داليدا التي مر عيد ميلادها أمس بصمت
كلماتها رنانة داليدا
وصدى عواطفها يزيد صعودا
ألحانهاتحكي توهج قلبها
قصص مضت قد رددت ترديدا
لعواطف الفنان حس خالص
في حزنه العاتي تراه سعيدا
كانت كمرآةلعصرقدمضى
لكنها بقيت تشع جديدا
أبو تاج الحكمة
تصبحون على خير وليلة سعيدة هادئة لك أختي غادة السمان وللجميع, وإلى اللقاء غدا إن شاء الله.
تحية للسيدة غادة وللجميع
ببساطة هي مفارقات مضحكة وحزينة عند المقارنة بيننا وبين الفرنسيين فعندما يخرج البصريون في العراق للشوارع احتجاجا على عدم وجود مياه صالحة للشرب وعندما يخرج الباريسيون للشوارع مطالبين لتخفيض اجور الوقود
ياداليدا يادليدا
تسمو تشدو
نورا، عيدا
جعلت° قلبي
كالأنشودا
يا داليدا يا داليدا
صباح الخير سيدتي الشامية ..
صباح الخير أصدقائي الاعزاء..
لا أفهم بالضبط مايحدث في باريس ؟ .
وأجهل السياسة ، ولا أؤمن بنظرية المؤامرة .. لكن مايحدث يثير دهشتي ! ، ويزيد من حيرتي ! لما أصاب باريس من فوضى ! ، وأتأسف لذلك .. وسبق لي زيارة باريس ، وتعرفت على معالمها ، ولمست جمالية الاذواق ، وسحر المدينة ، ولم أتخيل بان تمتد الفوضى الى تلك العاصمة ..
طالعت اراء عديدة تقول بانها عدوى الربيع العربي !! .
لكنني لست مقتنعاً بذلك ..
كذلك لا استطيع ان أتخيل كوابيس بيروت في باريس ..
أتمنى لباريس ولكل عواصم العالم الامان والسلام .
تحياتي
مقالة أعادتنا إلى كوابيس بيروت. أيّام كانت قلوبنا معلقة خوفا وقلقا وحزنا على بيروت التي نحب، والتي كانت تنهشها النيران من كلّ الجوانب. السلام لبيروت، اليوم وكلّ الأبد، والسلام لكلّ العالم. تبقى بيروت التي نحب. وتبقى غادة بكلّ بهاء الحرف وسحر اللّغة. غادة التي نحب أيضا. على أمل ألا تتكرر “كوابيس بيروت” في صيغة أخرى -كوابيس باريس-. تحياتي وتقديري لكِ.
نوارة:
نوارة عربية
روض الأديب بها يزان°
سطعت لنامثل البدور
فلن تضيع على الزمان°
أبوتاج الحكمة. لك حديقة من التشكرات والتقدير.
سرتني كلماتك التي سطعت بنور المودة.
دمت وسلمت
وكأن لا توجد مدينة على هذا الكوكب لم تعرف الكوابيس حتى باريس عرفت شوارعها عبر التاريخ الثورة والفوضى وغرقت بالدماء والبؤس..
تلك الكوابيس تتابع تنقلها من مدينة إلى أخرى ومن شعب إلى آخر
قد تختلف الأسباب لكن في النهاية المأساة واحدة.. هنا اتذكر كلماتك مع شعبي العماني يوم لم يكن هناك اعلام يسلط الضوء على أزمته التي بدأت في منتصف الستينيات وانتهت بالمصالحة بين المتحاربين عام ٧٥ لتنتقل تلك الكوابيس إلى بيروت
وان بدت الأزمة شكليا ضد الاستعمار لكنها في الواقع كانت صراع الدول العظمى على البترول وشركات النفط بريطانيا من جهة والاتحاد السوفيتي من اخرى وتدفع الشعوب ثمن ذلك الصراع وهذا ما يحدث في منطقتنا العربية اليوم
ففي كتاب الجسد حقيبة سفر والمقال الذي يعود للعام ١٩٦٥ كتبت:
( تذكرت الشعب العربي في عمان وتذكرت مئات الناس الذين يموتون في كل يوم بصمت بعد أن يمنحوا كل ما لديهم ليعيش من يظل حيا من قومهم في ظل الكرامة.. وتذكرت الاف الناس يموتون كل يوم بسبب شيء اسمه الاستعمار ، ترى لو عرف الشعب الانجليزي بما يجري في عمان وعلى حقيقته اي جناز علني كان يقيم)
قال الأصمعي لأعرابي: أتقول الشعر؟ قال الأعرابي: أنا ابن أمه وأبيه. فغضب الأصمعي، ولم يجد قافية أصعب من الواو الساكنة المفتوح ما قبلها مثل (لَوْ) قال فقلت: أكمل، فقال: هات فقال الأصمعي: قــومٌ عهدناهــم سقاهم الله من النو الأعرابي: النو تلألأ في دجا ليلةٍ حالكة مظلمةٍ لـو فقال الأصمعي: لو ماذا؟ فقال الأعرابي: لو سار فيها فارس لانثنى على به الأرض منطو قال الأصمعي: منطو ماذا؟ الأعرابي: منطوِ الكشح هضيم الحشا كالباز ينقض من الجو قال الأصمعي: الجو ماذا؟ الأعرابي: جو السما والريح تعلو به فاشتم ريح الأرض فاعلو الأصمعي: اعلو ماذا؟ الأعرابي: فاعلوا لما عيل من صبره فصار نحو القوم ينعو الأصمعي: ينعو ماذا؟ الأعرابي: ينعو رجالاً للقنا شرعت كفيت بما لاقوا ويلقوا الأصمعي: يلقوا ماذا؟ الأعرابي: إن كنت لا تفهم ما قلته فأنت عندي رجل بو الأصمعي: بو ماذا ؟ الأعرابي: البو سلخ قد حشي جلده بأظلف قرنين تقم أو الأصمعي: أوْ ماذا؟ الأعرابي: أو أضرب الرأس بصيوانةٍ تقـول في ضربتها قـو قال الأصمعي: فخشيت أن أقول قو ماذا، فيأخذ العصى ويضربني! منقول