كوارث تغزو السجون العراقية

مصطفى العبيدي
حجم الخط
1

بغداد ـ «القدس العربي»: في صورة لتدهور أوضاع حقوق الإنسان في العراق، تم الكشف عن سلسلة من الفضائح تتعلق بأوضاع السجون الحكومية، مثل الفساد في طعام السجناء وقيام بعض إدارات السجون بإجبار السجناء على شراء المخدرات ، إضافة إلى تفشي التعذيب والابتزاز وغيرها من أشكال انتهاكات حقوق الإنسان.

المخدرات تغزو السجون

وقد أعلنت وزارة العدل العراقية قبل أيام، عزل مدير ومسؤولين في سجن أبي غريب الشهير شمال بغداد، بعد تسريب فيديو إلى قناة محلية تحدث فيه سجناء عن إجبارهم من قبل إدارة السجن على شراء المخدرات.
وعقب انتشار الفضيحة، قام وفد من مجلس النواب بزيارة إلى السجن المذكور وعدة سجون للاطلاع على أوضاعها، ليعلن بعدها رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية النائب ارشد الصالحي أن السجون العراقية «كارثة بامتياز».
وقال الصالحي في بيان يوم 18كانون الثاني/يناير الجاري: «كشفنا عن أوراق خطيرة خلال زيارتنا المفاجئة اليوم إلى عدد من السجون في العاصمة بغداد». وأقر ان «هناك مافيات لها نفوذ مقسمة بين من تروّج المخدرات، ومن تبيع وتشتري السجناء، وثالثة معنية بالأطعمة، وأخرى متخصصة بإدخال الهواتف النقالة وشبكات الإنترنت».

فساد إطعام السجناء

أما الفضيحة الأخرى التي تم الكشف عنها مؤخرا، فهي وجود فساد مالي كبير يصل إلى المليارات في ملف إطعام السجناء.
وضمن ردود الأفعال على الفضيحة الجديدة، أكد النائب مهند الخزرجي، أن الفساد الإداري والمالي لحق بأغلب مرافق الدولة نزولا إلى سجون العراق. وقال الخزرجي في بيان إن «مفوضية حقوق الإنسان تتلقى أكثر من 15 ألف شكوى من منظمات وأهالي السجناء سنوياً تتعلق برداءة الطعام وسوء المعاملة والتعذيب» داعيا هيئة النزاهة إلى «مكافحة الفساد الموجود في السجون وخاصة المتعلق بملف إطعام السجناء بعد رصد حالات فساد كبرى».
فيما اشار النائب مصطفى سند، إلى ان «عدد السجناء والموقوفين في البلاد يتراوح ما بين 75 ألفا و100 ألف سجين، وتكلفة ثلاث وجبات طعام لكل سجين حسب العقد المبرم بين وزارة العدل والشركة المتعاقدة (شركة الميقات التابعة لهيئة الحج والعمرة) 10 آلاف و900 دينار (7 دولارات) تدفعها الدولة من خزينتها لصالح المتعهدين».
وأضاف: «اكتشفنا أن قيمة الوجبات لا تتجاوز الـ5 آلاف دينار للسجين، أي نحو (3.3 دولار) كأقصى حد للوجبات الثلاث، لدرجة أن السجناء يرفضون تناولها ويضطرون للشراء من الحانوت الذي تسيطر عليه مجموعة متعهدين أيضا».
وأوضح سند أن «هامش الربح الذي يصب في مصلحة الشركات المتعاقدة يعد كبيرا جدا، بحيث يصل إلى 14 مليار دينار شهريا و170 مليار دينار سنويا، وما يعادل 1.18 تريليون دينار عراقي خلال سبع سنوات (نحو 8 مليارات دولار أمريكي). وأضاف أن «الأرباح الحقيقية لا تسجَّل في السجلات ولا ترجع إلى خزينة الدولة، بل تذهب لأفراد، أما الأرباح التي تسجل للخزينة فهي هامشية».
وكان وزير العدل في حكومة محمد شياع السوداني، الدكتور خالد شواني، قد أعلن بعد توليه منصبه في تشرين الأول/اكتوبر الماضي، أنه سيضع حدا لملف الفساد في إطعام السجناء. ووجه بتشكيل لجنة لمتابعة إطعام السجناء والموقوفين وفق معايير معهد بحوث التغذية، إلا ان تحقيقات اللجنة لم تسفر عن إجراءات ضد الشركة المجهزة لطعام السجناء لكونها مدعومة من قوى الإسلام السياسي المتنفذة.

ابتزاز السجناء وعائلاتهم

ومن جانب آخر، تشير المصادر الحقوقية وشهادات عائلات السجناء، إلى قضية ابتزاز أهالي السجناء والمعتقلين من قبل بعض إدارات السجون.
ولعل قصة السجين الذي فضلت عائلته إخفاء اسمه لأسباب أمنية (ز. ط) المعتقل في السجون الحكومية منذ عام 2010 حتى الآن من دون محاكمة أو قرار محكمة، هي خير مثال، حيث ذكرت عائلة المعتقل المذكور لـ «القدس العربي» ان السلطات الأمنية اعتقلت ابنهم عام 2010 وفق المادة 4 إرهاب بتهمة التورط في الأعمال الإرهابية. ولكنه ما زال حتى الآن معتقلا في سجن الحوت في الناصرية من دون عرض قضيته على القاضي أو صدور حكم عليه، والتي ينص عليها القانون العراقي.
وأكدت عائلة المعتقل انهم يتعرضون إلى الابتزاز من ضباط التحقيق منذ 13 عاما، وانهم دفعوا عشرات الآلاف من الدولارات إلى جهات في إدارة السجن تأخذ المال لكي لا تتم إحالته إلى المحكمة بتهمة الإرهاب التي قد تقضي بإعدامه. وتؤكد العائلة ان ابنهم يلاقي أسوأ معاملة في السجن ويحرم من حقوقه المقرة قانونا، كما انهم مضطرون لتزويده بالمال والمواد الغذائية والأدوية والملابس لقلة توفيرها من قبل إدارة السجن، ما يرهق ميزانية العائلة.
وأضافت العائلة إن المعتقل يتعرض للتعذيب ليدلي باعترافات قد توصله إلى عقوبة الإعدام، لذا تضطر بعض العوائل إلى دفع رشاوى إلى افراد يعملون في السجون من أجل لقاء أبنائها أو إدخال الطعام والملابس إليهم، أو لضمان عدم تعريضهم للتعذيب وسوء المعاملة، أو بهدف وضعهم في زنزانات نظيفة تتوفر فيها مصادر هواء وتكييف وحمامات صحية.

إقرار حكومي بالتعذيب في السجون

أما أخطر الانتهاكات في السجون العراقية فهي التي تتمثل في تفشي حالات التعذيب بهدف إجبار المعتقل على الاعتراف بارتكابه جرائم معينة أو بهدف الابتزاز المالي.
وفي أول اعتراف حكومي أقر مكتب مستشار رئيس الوزراء العراقي لحقوق الإنسان، عام 2022 بتلقي المكتب حوالي ثلاثة آلاف شكوى رسمية لحالات تعذيب وانتهاكات لحقوق الإنسان في السجون والمعتقلات العراقية منذ دعوة المواطنين لتقديم شكاواهم بهذا الصدد إلى المكتب معززة بالأدلة الثبوتية.
ويُعَدّ التصريح، الأول من نوعه من قبل حكومة السوداني، الذي يؤكد وجود حالات الانتهاكات والتعذيب داخل السجون. وجاء تحرك الحكومة في نشرين الثاني/نوفمبر 2022 عقب تفجر قضية المعتقل حسن محمد أسود، من كركوك، الذي اعتقل لمدة ثلاثة أشهر وتم تعذيبه من قبل الأجهزة الأمنية، واضطر الأطباء إلى بتر كفه الأيسر وأصابع يده اليمنى، ما تسبب في موجة غضب شعبي وحقوقي من استمرار حالات التعذيب، رغم ادعاء الحكومة محاولتها الحد منها. وقد أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وقتها، فتح تحقيق في الحادثة لمعرفة المتسببين بهذه الانتهاكات الكبيرة من عناصر الأمن بمدينة كركوك.
ودعا المكتب الإعلامي للسوداني «كل من تعرض لأية صورة من صور التعذيب أو الانتزاع القسري للاعترافات إلى تقديم شكواه إلى مستشار رئيس مجلس الوزراء لحقوق الإنسان».
وكان مجلس القضاء الأعلى تلقى في عام 2020 1406 شكوى عن انتهاكات في السجون في حين أشارت المفوضية العليا لحقوق الإنسان، إنها تلقت 960 شكوى في نفس العام، بما في ذلك 22 شكوى لمتظاهرين طالبوا بالإصلاحات، وتعرضوا للتعذيب أثناء احتجازهم من قبل الأجهزة الأمنية.

الوفيات في السجون

وحسب الأرقام الرسمية الحكومية فإن حالات الوفيات في السجون العراقية شهدت ارتفاعاً ملحوظاً خلال النصف الأول من 2021 حيث بلغت الوفيات داخل السجون 354 وفاة نتيجة تفشي العديد من الأمراض بين السجناء أو التعذيب أثناء التحقيق، كما بلغت الوفيات بين السجينات الأناث 11 حالة وفاة وطفلين من الأطفال المرافقين لأمهاتهم في السجون.
وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، أكد المتحدث باسم مرصد «أفاد» الحقوقي (منظمة مستقلة) زياد السنجري، أن عمليات «تعذيب ممنهجة وانتهاكات جسيمة» تمارس ضد المعتقلين داخل السجون العراقية.
وكشف السنجري في تصريح، إن «هناك آثار تعذيب ممنهج يتعرض لها المعتقلون داخل السجون العراقية». واوضح أن «آثار التعذيب تظهر واضحة في الطب العدلي على جثث المتوفين، إضافة إلى حالات اعتداء جنسي سجلها المرصد وحالات تمثل انتهاكا لحقوق الإنسان».
غياب المعايير الدولية للسجون
وسبق لمفوضية حقوق الإنسان في العراق، ان كشفت عام 2021 عن «انتهاكات» في السجون ومراكز الاحتجاز بالبلاد، تتعلق بـ«الاكتظاظ وتأخر إطلاق سراح الأبرياء وملف الصحة».
وقال عضو مجلس المفوضية، فاضل الغراوي، في بيان إن «أغلب السجون ومراكز الاحتجاز في البلد بعيدة عن تطبيق المعايير الدولية في التعامل مع النزلاء والموقوفين».
وحسب الغراوي أن المفوضية «شخصت العديد من هذه المشاكل والانتهاكات، خصوصا ما يتعلق بالاكتظاظ وتأخر إطلاق السراح والزيارات العائلية والضمانات القانونية والغذاء والصحة والتعريض للشمس».
واقر الغراوي «ان السجون ومراكز الاحتجاز، تتسبب باستنزاف هائل لأموال الدولة» مؤكدا ان «الحاجة ملحة لتطبيق معايير وضمانات حقوق الإنسان في هذا الملف، وإيقاف الانتهاكات الحاصلة فيه، ومطالبة الحكومة والبرلمان لتشريع قانون العقوبات البديلة لمعالجة حالة الاكتظاظ، وإيقاف الهدر المالي الذي يكلف خزينة الدولة المليارات».
وقد احتل العراق المرتبة 27 عالميًا بعدد السجناء  بـ 73 ألف و715 سجينًا رسميًا في عام 2021 بينما تشير العديد من التقارير إلى أن عدد السجناء غير الرسميين والمغيبين بشكل قسري، أكبر من ذلك بكثير.

الانتقادات الدولية

وبسبب الواقع المزري في السجون العراقية، قامت بعثة الأمم المتحدة في العراق بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، بإصدار تقرير في اكتوبر 2021 عن التعذيب في السجون، واستندت نتائجه إلى مقابلات أُجرِيَت مع 235 سجينا عراقيا. وقد حث التقرير، العراق على النظر في اعتماد قانون وسياسة شاملين لمناهضة التعذيب، وتعزيز تدريب المسؤولين المعنيين باحتجاز واستجواب الموقوفين، واستعراض قواعد الاستجواب وممارساته على وجه السرعة.
وذكر التقرير الذي صدر تحت عنوان «حقوق الإنسان في تطبيق العدالة في العراق: الشروط القانونية والضمانات الإجرائية لمنع التعذيب والمعاملة السيئة» إنه «على الرغم من وجود آليات لتسجيل مزاعم التعذيب، فإن السلطات تتجاهلها في كثير من الأحيان» مؤكدا أن «عدم الامتثال للشروط القانونية والضمانات الإجرائية لا يجعل فقط من المستحيل توفير عدالة منصفة وشفافة، بل يتيح أيضا مساحة للممارسات البغيضة مثل التعذيب وسوء المعاملة».
وزارة الخارجية الأمريكية بدورها أكدت في تقريرها عن حقوق الإنسان، الذي صدر في اذار/مارس 2021 أن عناصر من «قوات الأمن العراقية ارتكبت انتهاكات عديدة موثقة، ولم تتخذ الحكومة سوى الحد الأدنى من الإجراءات لتقديم المسؤولين عن أعمال العنف التي شهدتها البلاد، منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019 حيث حققت الحكومة في مزاعم الانتهاكات والفظائع لكنها نادرا ما عاقبت المسؤولين». ويشير التقرير إلى ظاهرة «الإفلات من العقاب» للمسؤولين الحكوميين وأفراد قوات الأمن وقوات الحشد الشعبي وبعض الوحدات التابعة لأجهزة الأمن الداخلي التابعة لحكومة إقليم كردستان.

القانون يناهض التعذيب

ورغم ان القانون العراقي يرفض استخدام التعذيب والإكراه في التحقيقات مع المتهمين، إلا ان هناك تجاهلا واضحا له من قبل عناصر الأجهزة الأمنية.
فقد حرم الدستور العراقي الاعتقال غير القانوني وجميع أشكال «التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية» ويضمن الحق في المطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية وفق مادة 37.
فيما تجرم المادة 333 من قانون العقوبات العراقي أعمال التعذيب. إذ تنص على أن «يعاقب بالسجن أو الحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عذب أو أمر بتعذيب متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو الإدلاء بأقوال أو معلومات بشأنها أو لكتمان أمر من الأمور أو لإعطاء رأي معين بشأنها ويكون بحكم التعذيب استعمال القوة أو التهديد». كما يجرم قانون العقوبات «استعمال القسوة» من قبل موظف أو مكلف بخدمة عامة «إذا تسببت في معاناة شخص من الإخلال باعتباره أو كرامته أو إحداث ألم ببدنه» وفق المادة 332.
ويذكر ان حكومة العراق قد سنّت قانون رقم 30 لعام 2008 بهدف انضمام البلد لاتفاقية «مناهضة التعذيب وغيره من أشكال المعاملات والعقوبات القاسية أو اللاإنسانية والمهينة» إلا أن هذا القانون والقوانين الأخرى لم تجد طريقا للتنفيذ على أرض الواقع. ويرى المراقبون أن الفساد في إدارات السجون واستمرار الانتهاكات ضد السجناء والإفلات من العقاب، يعد من أبرز مؤشرات تدهور أوضاع حقوق الإنسان وضعف تطبيق العدالة في السجون وخارجها.
وقد اعتاد المراقبون والسياسيون على التشكيك في قدرة حكومات بغداد على محاسبة الجهات والأشخاص المتورطين بانتهاكات حقوق الإنسان، وذلك لأنهم مرتبطون بجهات سياسية وفصائل متنفذة، بل توجه انتقادات للحكومة لعرقلتها الدور الرقابي، على السجون أمام الجهات المختصة بحقوق الإنسان لكشف الحقائق عن تلك الانتهاكات الخطيرة، حيث تم مرارا منع لجان حقوق الإنسان والنواب والمنظمات الحقوقية من زيارة السجون، لتعطيل محاولات الاطلاع على الأوضاع المتردية فيها، وسط قناعة عامة بان انهيار أوضاع حقوق الإنسان في السجون العراقية هو جزء من التدهور الشامل في البلد منذ انهيار الدولة على يد الاحتلال الأمريكي عام 2003 وسيطرة الأحزاب على السلطة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد شهاب احمد:

    عام ١٩٧٦ ، الأسبوعين الأخيرين منه قضيتهما في سجن أبو غريب طبيب منسّب هناك.
    كانت العيادة في قسم الأحكام الثقيلة لكن أتنقّل في لقيامه الأخرى.
    رأيت مؤسسة ذات نظام ، يقوم كثير من السجناء بالطبخ لأنفسهم و لا زلت أذكر منظر قدورهم الكبيرة التي يطبخوا بها .
    كانت هناك مكتبة عامرة .
    بصراحة طيلة الأسبوعين لم أشهد آثار تعذيب ، كما لحسن الحظ لم تكن هناك حالة إعدام ، أعتقد تلك الأيام صادفت أحد الأشهر الحرم التي لا ينفّذ فيها إعدام (لم يكن رمضان)
    شاهدت زنزانة الحجز الإنفرادي (ضيّقة جداً) لكنها كانت خاوية.
    جاء سجناء جدد و كالعادة حضروا للعيادة لتسجيل حالتهم الصحية . أحدهم على الأقلّ كان مسجون بتهمة سياسية
    من ضمن من جاء للعيادة المنولوجست المعروف عزيز علي (أعتقد كان مسجون بتهمة الماسونية)
    صدف خلال تلك الأسبوعين موعد الزيارة الشهرية. قبلها بيومين قام المتزوجين من السجناء بتحضير عشّ الزوجية في ساحة صغيرة للإنفراد بحبيباتهم.
    لا أعرف كم من الاطفال بذرت بذرتهم في ساحة ذلك السجن الشهير!

إشترك في قائمتنا البريدية