الحديث عن انتشار وباء كورونا المستجد المعروف علميا باسم “كوفيد-19” في إيران حديث ذو شجون، إذ تجمعت الويلات على هذا البلد في غضون العام المنصرم، بدءا بحزم العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة ترامب التي دمرت الاقتصاد الإيراني، مرورا بالتوتر العسكري الذي وصل إلى شفير الحرب الشاملة بين الولايات المتحدة وإيران والذي كانت نتيجته اغتيال الجنرال قاسم سليماني مطلع هذا العام في بغداد، بالإضافة إلى أزمة إسقاط الطائرة المدنية الأوكرانية بأحد الصواريخ الإيرانية وما تبعها من تظاهرات شعبية احتجاجا على رفع أسعار المحروقات وصولا إلى اجتياح وباء كورونا المستجد لإيران وتحولها إلى أكبر بؤرة للفيروس الجديد في منطقة الشرق الأوسط.
العجز عن مواجهة الأزمة
يبدو أن مواجهة انتشار المرض في إيران متعثر بشكل كبير، كما أنها لم تتلق إلا القليل من الدعم من المؤسسات الدولية، أو من الدول والشركات، نتيجة الخوف من تهديدات إدارة ترامب بفرض عقوبات أمريكية على كل دولة أو شركة تقوم بتطوير علاقاتها الاقتصادية بإيران.
والملاحظ في الحالة الإيرانية، ارتفاع الوفيات نسبة إلى عدد الإصابات، وقد أعاد بعض الباحثين الأمر إلى إن النظام الصحي الإيراني بوصفها دولة من الدول النامية يعد نظاما بقدرات متواضعة ولا يستطيع مواجهة احتياجات أزمات كبيرة مثل انتشار الأوبئة. بينما رأى بعض الباحثين إن الأعداد الحقيقة للإصابات بالفيروس أكبر بكثير من الأعداد المعلنة. ويرى بعض المراقبين إن التكتم على الأمر كان إجراء متعمدا من الدولة الإيرانية وأجهزتها التنفيذية للتخفيف من الآثار المدمرة لانتشار الأخبار والمعلومات الحقيقية عن الوباء على الصعيدين السياسي والاقتصادي، بينما يعزو البعض عدم الدقة في الإعلان عن عدد الإصابات بالفيروس إلى إن حالات الإصابة الحقيقية لم يتم تشخيصها بشكل دقيق نتيجة النقص في معدات الكشف الطبي في إيران.
وبينما وصل عدد الوفيات في إيران جراء الإصابة بفيروس كوفيد-19 إلى حوالي 1300 شخص، قفز إجمالي عدد المصابين به إلى حوالي 19 ألفا، لم تفرض الدولة حال الحجر الصحي الإجباري كما حصل في الصين أو كوريا الجنوبية بالنسبة للمدن المصابة التي تم عزلها، أو كما طبقت الدول الأوروبية مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا والتي تبعتها أغلب دول أوروبا بعد ذلك باتخاذ إجراءات إغلاق الحدود، وفرض حضر التجول، والحجر الصحي الإجباري المطبق على كل سكان الدول التي تعرضت للحالة الوبائية.
فما زالت المدن الإيرانية ومنها التي تضم المزارات المقدسة تشهد إقبالا كثيفا من الناس على الزيارات الدينية، ولم يلتزموا بتعليمات الحكومة التي طلبت التقليل من التجمهر ومحاولة تجنب الخروج من البيت إلا للضرورات، من جانبه صرح علي رضا رئيسي مساعد وزير الصحة الإيراني أن بلاده ستتعرض لخسائر فادحة إذا لم تتمكن من السيطرة على فيروس كورونا المستجد خلال 15 يوما. وقال أثناء مشاركته في اجتماع مع عدد من عمداء كليات الطب الإيرانية “إذا لم نسيطر على الفيروس خلال 15 يوما كحد أقصى، فإن هذا يقتضي أن يمتد أمد محاربتنا له لشهرين آخرين، وعندئذ سنتعرض لخسائر كبيرة للغاية”.
كما إن من اللافت في أزمة فيروس كوفيد-19 في إيران إصابة العديد من المسؤولين به، ولا أحد يعلم سبب ذلك تحديدا، فربما يعزى الأمر إلى عدم الاكتراث أو قلة الاهتمام من جانب المسؤولين، أو ربما لان هؤلاء كانوا على تواصل كبير مع الناس العاديين الذين تعرضوا للإصابة بالفيروس، وبالتالي انتقلت لهم العدوى، كما أسفرت الإصابة عن 19 وفاة لشخصيات سياسية مهمة في إيران، أبرزها، رجل الدين هادي خسرو شاهي، وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام محمد مير محمدي، والسفير السابق لدى دمشق حسين شيخ الإسلام، والنائبة في البرلمان فاطمة رهبر.
بؤرة خطرة
كذلك تجدر الإشارة إلى إن العديد من دول المنطقة باتت تعامل إيران على إنها بؤرة خطرة لانتشار الوباء، ويجب إيقاف كل أنواع التعامل معها، وقد انعكس ذلك على التعاملات مع الشركات الإيرانية ما أصاب الكثير من قطاعات الاقتصاد بأزمات خانقة أضيفت إلى أزمة تهاوي أسعار النفط العالمية إلى أقل من 30 دولارا للبرميل نتيجة حرب الأسعار التي اندلعت على خلفية أزمة كورونا العالمية بين السعودية وروسيا، كل ذلك جعل بعض المراقبين يتوقعون تغيرا سياسيا وشيكا سيحدث في إيران نتيجة أزمة فيروس كورونا المستجد.
العراق المضحك المبكي
لا يمكن الحديث عن الوباء الجديد في إيران من دون الحديث عنه في العراق، لأن حجم التبادلات والعلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بين البلدين كبيرة جدا، ومع ذلك ومنذ بدء أزمة فيروس كوفيد-19 وإعلان إيران عن تصاعد عدد الإصابات فيها، تعالت الكثير من الأصوات العراقية المطالبة بإغلاق الحدود مع إيران وإيقاف التعاملات التجارية معها، ما فُهم حينها على إنه ورقة سياسية تريد بعض الأحزاب لعبها للضغط على التواجد الإيراني في العراق ومحاولة التخلص منه أو تقليصه.
وقد اتخذت السلطة التنفيذية في العراق خطوات بدت جادة في ظاهرها في سياق مواجهة خطر انتشار الفيروس، إلا إنها كانت خطوات عرجاء في حقيقتها في الكثير من الأحيان، فقد تم تعليق دوام المدارس والجامعات، وتعطيل الدوائر والمصالح الرسمية الحكومية والخاصة، باستثناء قوى الأمن والجيش والقطاع الصحي والخدمي، فتحول الحال في العاصمة بغداد وعدد أخر من المدن العراقية إلى مشروع نزهة وعطلة مدفوعة الأجر، تستثمرها العوائل في النزول للمولات والمتنزهات، فما كان من خلية الأزمة لمواجهة فيروس كورونا الجديد إلا أن تقرر تطبيق حضر التجوال في البلد من يوم الثلاثاء 17آذار/مارس الجاري ولغاية يوم 23 منه، فاذا بزيارة الإمام موسى الكاظم تحل هذه الأيام، واذا بعشرات الآلاف يذهبون لزيارة مرقد الإمام الكاظم في بغداد قادمين من مختلف مدن جنوب ووسط العراق مشيا على الأقدام أو ضمن مواكب تقليدية تستخدم فيها الجمال والخيل.
هذا الأمر دفع وزير الصحة د.جعفر علاوي المغلوب على أمره إلى الخروج صارخا مستصرخا وهو يقف عاجزا أمام عشرات الآلاف من زوار الإمام الكاظم الماشين باتجاه مدينة الكاظمية، وقد نشر الوزير باعتباره المسؤول الأعلى لخلية الأزمة بيانا عاجلا ذكر فيه “إن وزارة الصحة والبيئة تؤكد موقفها الثابت والرافض لتلك الممارسات والخروقات، وإنها تتنافى كليا مع أهداف الحظر الشامل للفترة من 17 ولغاية 23 آذار/مارس الجاري لحركة الأفراد ومنع التجمعات كافة، ولاسيما الزيارات الدينية لإيقاف انتشار الوباء والسيطرة على تداعياته الخطيرة، ونحمل الجهات المعنية كافة تبعات عدم الاستجابة إلى القرارات والتوصيات الصحية الصادرة من وزاراتنا .نكرر ندائنا إلى قيادة العمليات المشتركة وقيادات العمليات كافة، وندعوها إلى تحمل مسؤولياتها في فرض حظر التجوال بشكل كامل ومنع التجمعات وحركة الأفراد داخل المدن، أو بين المحافظات لأي غرض كان، لما يمثله ذلك من خطر كبير في انتشار الوباء” .
وما زاد الطين بلة في أزمة الفيروس الجديد في العراق، المنخفض الجوي الذي مرت به المنطقة والذي تسبب في موجة هطول أمطار أدت لحدوث سيول وفيضانات في مدن العراق الشمالية، وقد حذرت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، الخميس 19 آذار/مارس 2020 من كارثة مركبة صحية-بيئية، تواجه المواطنين في محافظة نينوى شمال العراق نتيجة ارتفاع نسب تساقط الأمطار والفيضانات التي تضرب مركز ونواحي وقرى محافظة نينوى، مع قلة الجهود والمستلزمات الضرورية لمواجهة فيروس كورونا المستجد.
ووفقاً للتقاير الواردة من مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في نينوى، فأن أغلب مناطق مدينة الموصل وخصوصاً الجانب الأيمن قد تأثرت بشكل كبير بفعل ارتفاع مناسيب الأمطار الساقطة وغرق أغلب الأحياء السكنية وصولاً إلى غرق بعض المستشفيات والمراكز الصحية وهو ما ينذر بكارثة صحية-بيئية تهدد ما يقارب مليوني نسمة.
وفي الوقت الذي ثمنت فيه المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق جهود الحكومة المحلية في محافظة نينوى وقوات الدفاع المدني ومديرية الشرطة وقيادة الجيش فيها ودورهم في إنقاذ وإسناد العوائل المتضررة، طالبت الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان باتخاذ خطوات عاجلة لإسناد جهود حكومة نينوى المحلية فنياً ولوجستياً لتمكينها من تقديم خدماتها المختلفة إلى المواطنين، وأهمية دعم خلية الأزمة الصحية الوزارية لدائرة صحة نينوى ومستشفياتها للحيلولة دون أنتشار وباء فيروس كورونا المستجد في هذا الظرف الحساس الذي يعيشه العراق.
وعلى صعيد الوضع الحكومي العراقي ومدى قدرته على مواجهة انتشار الفيروس، تبدو مشكلة العراقيين مركبة، إذ ما زالت حكومة عبد المهدي حكومة تصريف أعمال، بينما فشلت الطبقة السياسية في ترشيح بديل مقنع للشارع الثائر منذ أشهر، وما تكليف عدنان الزرفي من كتلة النصر بقيادة حيدر العبادي لتشكيل الحكومة المقبلة إلا دورة أخرى في الحلقة المفرغة التي يدور فيها الوضع العراقي المهدد بالفيروس، بينما ما زال المعتصمون يتجمعون وينامون في ساحات الاعتصام رافضين الرضوخ للأوامر الحكومية بحضر التجوال، فإلى أين ستصل أزمة العراق في مواجهة فيروس كوفيد-19؟ لا أحد يعلم.