كورونا ظلال الدين والسياسة

لم نكن نتخيل اجتياحا وبائيا بهذا العنف ينتجه فيروس، أو جيل جديد من عائلة فيروس كورونا، الذي بات يعرف علميا بـ “كوفيد 19″، إذ أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس يوم الأربعاء 11 مارس/آذار 2020 أن المنظمة التابعة للأمم المتحدة باتت تعتبر فيروس كورونا المستجدّ المسبّب لمرض “كوفيد- 19” الذي يتفشّى في مختلف أرجاء المعمورة.
لكن ما تزال الأزمات والصراعات السياسية، تلقي ظلالها على تداعيات أزمة “كوفيد 19″، وما تزال نظريات المؤامرة والاتهامات تنطلق من هنا وهناك، متهمة الخصوم بالوقوف خلف المشكلة، على الرغم من أن كل العالم بات الآن يقف متوحدا لمواجهة الفيروس الجديد.
ويركز الإعلام الروسي منذ بدء أزمة “كوفيد 19″ على نقطة واحدة بشكل متكرر، وهي أن النخب السياسية الغربية، ‏خاصة الأمريكية، تقف وراء هذا الوباء‎.‎ ووصل الأمر بالقناة الحكومية الروسية الأولى، وهي إحدى أبرز القنوات التلفزيونية، والأكثر مشاهدة في الاتحاد الروسي، تخصيص فقرة ثابتة لتناول ‏‏”المؤامرة الغربية” بشأن فيروس كورونا الجديد، في برنامج الأخبار المسائي “الوقت سيكشف‎”‎، وعلى الرغم من التناول الساخر للبرنامج لموضوع نظرية المؤامرة الأمريكية، إلا أنه يعمل على ترك انطباع لدى المتلقي الروسي، بأن المادة المطروحة ‏تحتوي على الكثير من الحقائق‎.‎ ومن الأوراق السياسية الخطيرة التي ساعدت منصات التواصل الاجتماعي على انتشارها بشكل كبير، كانت نظرية السلاح البيولوجي العرقي، التي بثها تقرير إخباري روسي يدعي عمل المختبرات الأمريكية على تطوير أسلحة بيولوجية وجرثومية، حتى وصلت إلى السلالة الجديدة من فيروس كورونا، التي تستهدف الآسيويين فقط، لذلك يمكن أن يُعد الفيروس الجديد “سلاحاً بيولوجياً عرقياً”‎، ولا نحتاج اليوم إلى جهد كبير لتفنيد هذه النظرية المتهافتة، فمجرد النظر إلى ما وصلت اليه حالة انتشار الوباء في ايطاليا وألمانيا كفيل بالرد على هذا التخريف العلمي.
أما في الملف السياسي العراقي، وما أثاره فيروس”كوفيد 19″، فإننا نجد أصواتا خافتة تنادي بخجل بضرورة إيقاف التظاهرات، وفض التجمعات والاعتصامات، أو تعليقها لحين الخروج من أزمة الوباء، الذي أرعب دولا كبرى تمتلك أنظمة صحية متطورة، مع الإشارة إلى وضع العراق المتردي، وعدم ضبط حدوده مع إيران، التي باتت تمثل أحد أكبر بؤر الفيروس الجديد في العالم. لكن في المقابل نجد الكثير من الصراخ “الثوري” الذي يهتف بالكثير من الشعارات “الجوفاء” التي تدعي أن ثوار تشرين أقوى من الفيروس، وأن خطر الحكومة أعتى وأشد من فيروس كورونا الجديد، وعندما نحاجج هذه الأصوات المتحمسة بالقول؛ إن نشاطات دينية وعقائدية وتجارية وعلمية في كل دول العالم تم تعليقها، بالإضافة إلى الكثير من المدارس والجامعات في مختلف دول العالم، لجأت إلى التواصل والتعلم عبر الإنترنت، بعد أن علقت الدوام أو التجمع خوفا من الوباء.
وبالتالي نحن ننطلق من مبدأ خوفنا على أرواح شباب انتفاضة تشرين، ونطالب بتعليق الفعاليات، مع إمكانية الإبقاء الرمزي لبعض خيم الاعتصام، وتواجد محدود فيها لإدامة زخم الانتفاضة. لكن رد الصوت المتزمت يرد بعنف؛ أن الانتفاضة ستموت إذا تم تعليق الفعاليات، وإن الطبقة السياسية الفاسدة تتمنى أن يتخذ المعتصمون هذا الإجراء للإجهاز على الانتفاضة، والنتيجة بقاء الحال متوترا في ساحات الاعتصامات. وبما أن نظريات العقاب الالهي التي ينادي بها بعض الإسلامويين المتزمتين كانت قد انطلقت مع بدء تفشي الوباء، نجد اليوم هذه العقول الكالحة نفسها تناور، بعدما انتشر الوباء مجتاحا دول المسلمين وغيرها من دون تمييز، وابتدوأ العمل على نشر الخرافة وحشو عقول بسطاء الناس بمعلومات تتعمد استجداء الإيمان للخلاص من الجائحة. وعلى الرغم من أن الجهات الدينية الإسلامية الرسمية قد اتخذت خطوات علمية جادة في مواجهة الوباء الجديد، إذ أغلقت أقدس الأماكن الإسلامية مثل المسجد المكي والمسجد النبوي والمسجد الأقصى ومساجد ومراقد الشيعة المختلفة، وتم إجراء حملات تعقيم للأماكن المقدسة المختلفة، ومنع تجمع الناس، وتم تعليق إجراء الطقوس والزيارات والعمرة وصلوات الجمعة.
في العراق قال مكتب المرجع الشيعي الأعلى السيد السيستاني كلمته بوضوح، وعلّق صلاة الجمعة بسبب أخطار الوباء الجديد، إلا إننا نجد بعض رجال الدين مثل آية الله قاسم الطائي يدعو إلى الاستمرار بزيارة الأماكن الدينية وإقامة صلوات الجماعة والجمعة، رغم انتشار فيروس كورونا في عدة محافظات عراقية، لافتا إلى أن “الفيروس لا يصيب المؤمنين”. وذكر المكتب الإعلامي للطائي، في بيان يوم الثلاثاء 10 مارس 2020، أن الأخير دعا إلى الاستمرار بالشعائر الدينية من صلوات الجمعة والجماعة، وزيارة المراقد الدينية، ردا على سؤال تقدم به عدد من اتباعه بشأن فيروس “كورونا”.

يركز الإعلام الروسي منذ بدء أزمة “كوفيد 19” على أن النخب السياسية الغربية، ‏خاصة الأمريكية، تقف وراء هذا الوباء

وعلى الرغم من الموقف العقلاني لمرجعية النجف العليا، إلا أن المفارقات مازالت تغلف الكثير من معطيات تعاطي الجهات الدينية مع الموضوع، مثل اعتماد بعض رجال الدين على بعض الاحاديث واستخدامها وترويجها بين الناس، مثال ذلك ما ورد ذكره في الموقع الرسمي للعتبة الحسينية، في شبكة الإنترنت، من ذكر الاستشفاء بأكل تربة قبر الحسين (ع)، إذ يذكر من هذه الأخبار ما ورد عن الإمام الصادق (ع)، مثل قوله: “إن في طين الحائر الذي فيه ‏الحسين (ع) شفاء من کل داء، وأمانا من کل خوف‎”‎، لذلك دعى بعض رجال الدين إلى استخدام هذه التربة للاستشفاء من الوباء الجديد. من جانب آخر أفتى المجمع الفقهي العراقي، في جامع الإمام الاعظم أبو حنيفة النعمان، بمنطقة الأعظمية، بتعليق إقامة صلاة ‏الجمعة، تفاديا لمخاطر الإصابة بفيروس كورونا الجديد‎. ‎وأصدر المجمع بيانا أكد فيه، “سقوط وجوب ‏الجمعة، وترخيص عدم حضور صلاة الجماعة في المسجد، لاسيما لكبار السن والصغار وضعيفي ‏المناعة”. إلا أن الشيخ مهدي الصميدعي، الذي يعرّف نفسه بـ”مفتي جمهورية العراق”، على الرغم من عدم وجود هذا المنصب في العراق، إنشق وخالف كل القيادات الدينية السنية في العالم الاسلامي والعربي والعراقي، إذ رفض فتوى سقوط وجوب الجماعة، وأكد أهمية أن تفتح جميع المساجد لاستقبال المصلين، وإقامة صلاة الجمعة. وقال الصميدعي في بيان رسمي صادر عن جامع أم الطبول، الذي يشغل الصميدعي مشيخته، إن “المساجد لله تعالى ولا يحق إغلاقها، والأولى عندما يصاب بلد أو إنسان ببلاء فعليه العودة واللجوء إلى الله تعالى، يرجوه ويتوسل إليه من أجل رفع هذا البلاء، فعلينا التذرع والتوسل لله رب العالمين، وإقامة صلاة الجماعة والجمعة، والدعاء أن يمن الله تعالى علينا برفع هذا الوباء، وأن يسلم بلدنا وشعبنا من الأمراض والأسقام إنه مجيب الدعاء”.
وتجدر الاشارة إلى أن هذه السلوكيات الملتبسة، لم تكن حكرا على المسلمين السنة أو الشيعة، وإنما تعاملت بعض الطوائف المسيحية بالطريقة نفسها. فبينما نجد السلطات الدينية العليا في الفاتيكان قد أغلقت الأماكن الدينية المقدسة أمام الجمهور، وقامت السلطات الإيطالية الصحية بتعقيم الكنائس والكاتدرائيات، وشمل التعقيم أقدس الأماكن، كما صدرت الأوامر الحكومية بمنع التجمعات فيها، كما أعلن الفاتيكان، أن البابا فرانسيس قرر إقامة صلاة الأحد بالبث المباشر عبر الإنترنت، على خلفية المخاوف المرتبطة بتفشي فيروس كورونا الجديد. وبحسب بيان صادر عن الفاتيكان، فإن الحبر الأعظم، البالغ من العمر 83 عاما، لن يقيم صلاة التبشير الملائكي الأحد، من خلال إطلالته المعتادة من النافذة المطلة على ساحة القديس بطرس. إلا إننا في المقابل نفاجأ بشابة لبنانية توجّهت إلى دير مار مارون في عنّايا، وتواصلت مع الأب لويس مطر مسجّل عجائب القديس ‏شربل، وأخبرته أن القديس شربل ظهر لها في المنام وطلب منها أن تأخذ ترابا من الدير وتغليه وتصفّيه، ثمّ تنقله ‏الى مستشفى رفيق الحريري في بيروت لمعالجة المصابين بفيروس كورونا الجديد. وقال مار شربل للشابة، ‏”ما تخافوا كورونا بلبنان ما في وبيشفوا”، وقال موقع “صوت لبنان الضبية” إنه تواصل مع الأب مطر، الذي أكد صحّة الخبر، مشيرًا إلى أنه ‏قدّم ما طلبته الشابة وساعدها، ولفت إلى أنها ستتوجّه كما طلب منها القديس شربل إلى المستشفى ‏وتعطي التراب إلى الطبيب المسؤول عن مكافحة فيروس كورونا.‎
وبالتالي نبقى كبشر نواجه الأزمات والكوارث الكبرى نتوسل بمختلف الوسائل، العقلية منها واللاعقلية، ونسعى للتعلق بأمل صغير، ونحاول أن نتمسك به ليخرجنا من آلام الازمة التي نعيشها، فنحن لا نكتشف مدى هشاشتنا وضعفنا إلا حين نكون بمواجهة الكوارث الكبرى.
كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    الغرقان يتعلق بقشة! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    بسم الله الذي لا يضر مع إسمه شيئ في الأرض ولا في السماء, وهو السميع العليم. ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول فراتي:

      الكروي داود
      لم أفهم ما تقصد بعبارة لايضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء،
      يعني نقرأ المعوذات على كورونا مثلا ويذهب، إنها كما أعلم آيات الشياطين وللتعبد وليست دواء للفيروس.

    2. يقول الكروي داود النرويج:

      لو عجز الدواء, فما لنا غير الدعاء لرفع البلاء !! ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول خليل مطران:

    حين بدأ فيروس كورونا في الانتشار في الصين وفي أوروبا لاحظ كثير من المؤمنين العقلاء وغير المؤمنين أن بعض المتدينين من السذج ومرضى العقول والقلوب فرحوا وشمتوا اعتقادا منهم أن الله سلط هذا الوباء على الكفار عقابا لهم ، وليثبت لهم وجوده ، ومن المؤكد الآن أنهم أصيبوا بالخيبة وبخاصة بعدما تيقنوا أن الفيروس أصاب المؤمنين وغيرهم.

  4. يقول الصفاقسي / تونس:

    فرق شاسع بين عالم يحاول إيجاد لقاح لكورونا وبين من يخاف ألا يتمكن من صلاة التراويح في رمضان القادم بسبب انتشار الوباء ومنع السلطات لأداء الصلوات الجامعة

إشترك في قائمتنا البريدية