أعلن مؤخرا عن ترشيح كل من الشابة اليافعة غريتا ثنبرغ والناشطة لجين الهذلول لجائزة نوبل. ومع الاعتراف بوجود بعد سياسي لهذا الترشيح لكنه جاء في الوقت المناسب لأنه اعتراف بجهود الشخصيتين كل في مجالها، وهي جهود تهدف في الحالين لتحسين ظروف معيشة البشر. وكلتاهما لقيتا معارضة غير قليلة من الجهات المستهدفة بنشاطهما.
المناضلة السعودية قضت حتى الآن اكثر من عامين وراء القضبان مطالبة بأمور تعتبر طبيعية في البلدان الأخرى، ولكنها ليست كذلك في السعودية، ويفترض أن تكون قد تحققت منذ زمن. ومن هذه القضايا السماح للمرأة بقيادة السيارة واحترام حقوق الإنسان والقيام بإصلاح سياسي ملموس في الجزيرة العربية. هذا النشاط ادى بها الى السجن ومعها زميلاتها ومنهن السيدة نسيمة السادة التي قضت عاما كاملا في السجن الانفرادي وما تزال وراء القضبان حتى الآن. الغريب في الأمر أن بعض المطالب التي اعتقلت لجين الهذلول بسببها قد اضطرت الحكومة السعودية لتلبيتها لاحقا وفي مقدمتها السماح بقيادة السيارة. فلماذا تستمر في اعتقال الناشطات اللاتي طالبن بذلك بعد أن اثبتت التطورات صحة مطالبهن وعدالتها وامكان تحقيقها؟ هذه الحقيقة كانت من بين دوافع مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، السيدة ميشيل باشليه، لمطالبة السعودية بالإفراج عن هؤلاء الناشطات واحترام حقوقهن، في موقف علني احرج المملكة وداعميها في واشنطن ولندن.
أما الفتاة السويدية ذات السبعة عشر ربيعا، فقد ذاع صيتها بعد أن تصدت علنا للجهات التي تساهم في التلوث البيئي بما يؤثر سلبا على حياة البشر. ولعلها لم تفعل اكثر مما يفعله النشطاء من اجل البيئة، الذين يفترشون الارض في الساحات العامة وعند تقاطع الشوارع، ولكن صغر سنها سلط الأضواء عليها. حتى ان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، اضطر لمصافحتها خلال قمة المناخ الاخيرة في نيويورك، ولكنها اعتبرت ذلك اللقاء «مضيعة للوقت». وقد شهدت البحار في العقود السابقة نشاط هؤلاء الذين تجشموا عناء ركوب البحار لاعتراض أنشطة الشركات العملاقة التي ساهمت نشاطاتها التجارية خلال القرن الماضي في ايصال الوضع البيئي الى ما بلغه من تراجع خطير. فما شهدته بريطانيا من تغير مناخي غير مسبوق وفيضانات مدمرة ورياح واعاصير كل ذلك، حسب ما يقول العلماء، ناجم عن التغير المناخي الحاد نتيجة الاخلال بالتوازن البيئي. فمن كان يعتقد أن بلدانا كالسعودية تتعرض لتساقط الثلوج بينما لا يسقط منه شيء في بريطانيا وبعض دول اوروبا؟ هذه المفارقات مؤشر خطير لانقلاب الوضع البيئي والمناخي، ونذير شؤم لهذا الكوكب. وفي غياب الارادة الدولية للتغيير والتصدي لأسباب التداعي فالأرجح استمرار ذلك وحدوث المزيد من الكوارث الطبيعية. فالأعاصير التي تضرب أمريكا وجزر البهاما تزداد شدة وخطرا على الحياة البشرية. وارتفاع منسوب مياه البحار يهدد هو الآخر العديد من البلدان بالفيضانات والغوص تحت البحر. اما ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي فسيساهم في ارتفاع منسوب البحار من جهة ورفع درجة حرارة الكوكب من جهة اخرى، ولكل من هذه التجليات تأثير مباشر على المناخ العالمي. يضاف الى ذلك تعميم الاعتقاد بوصول العلم والتكنولوجيا مستويات غير مسبوقة وقدرتهما على التدخل لتغيير طبائع الاشياء بالتلاعب بالجينات خصوصا الجينة الوراثية (دي ان إيه). من هنا تعمقت قناعات جديدة بان الإنسان يتحمل جانبا كبيرا من تداعي اوضاع هذا الكوكب، بما في ذلك مناخه وامراضه وتوازن مكوناته (المياه في مقابل اليابسة، الغابات في مقابل الصحاري والتصحر، كثافة الغازات في الجو وتصاعد ثاني اوكسيد الكربون، وسواها).
السياسيون الأوروبيون قد يهتمون احيانا، لأسباب انتخابية في الأغلب، بمطالب منظمات البيئة، ولكن هناك رفضا أمريكيا للالتزام بخفض الغازات التي تؤدي لتصاعد الانبعاث الحراري وتساهم في المشاكل المناخية
الامر المؤكد ان جنوح الإنسان للراحة ورغبته في امتلاك كل اسبابها ساهم في خلق اجيال كسولة وغير منتجة، واصبح الولع بالتكنولوجيا الرقمية من اسباب انتشار اعراض مقلقة كالبدانة والامراض المرتبطة بحركة الدم وعضلات الجسم. ومع تداعي التوازن البيئي اصبحت درجات الحرارة في البلد الواحد تتفاوت كثيرا. ففي السعودية ودول الخليج الاخرى تتصاعد درجات الحرارة في فصل الصيف لتسجل ارقاما قياسية تصل الى 60 درجة مئوية، وتنخفض احيانا، كما حدث هذا العام، الى اقل من 10 درجات مئوية. انه تطرف مناخي غير مسبوق، ساهمت فيه الثقافة الحياتية السائدة ومنها الكسل والخمول والنزوع للبقاء في المنزل نتيجة الاضطراب المناخي. بل ان من سياسات هذه الدول تشجيع الموظفين على التقاعد المبكر، وقد يتقاعد بعض الخليجيين قبل أن يبلغ الخمسين، بتحفيزات وامتيازات تقاعدية غير مسبوقة. ومع غياب المناخ الاجتماعي الذي يشجع على العمل المنتج والتفكير والنقاش الحر والابداع العلمي، ما مصير هذه الاجيال؟ يضاف الى ذلك تدخل العلم الحديث في تغيير التركيبة الجينية للمنتجات الزراعية، حتى اصبح الإنسان قادرا على تناول كافة اصناف الفواكه والخضار في كل ايام السنة، وهذا مخالف لطبيعة الجسد الإنساني واحتياجاته. فمن المؤكد أن احتياجات هذا الجسد في الصيف تختلف عنها في الشتاء، وقد وفرت الإرادة الإلهية طبيعة منسجمة مع هذه الاحتياجات وفق معادلات توازن دقيقة، الأمر الذي لا يتقنه العقل البشري الذي لا يستطيع المواءمة بين الاحتياجات الإنسانية والمنتجات الطبيعية بشكل دقيق.
في ضوء هذا الاضطراب وانعدام التوازن في البيئة التي يعيشها إنسان اليوم، تنتشر الامراض الخطيرة مثل فيروس كورونا وانفلونزا الطيور والخنازير، والايدز. اما انتشار السرطانات بأنواعها فقد اصبح ظاهرة مقلقة للجنس البشري، تزداد انتشارا في كافة مناطق العالم. ويشكو المواطنون الخليجيون بشكل خاص من هذا المرض الذي يفتك بالشباب والشابات ايضا. والحديث هنا ليس عن أمراض جديدة، بل تطور الأمراض المعروفة لدى البشر منذ قديم الزمان، لتصبح اكثر شراسة وفتكا بعد ان وفرت سياسات الاستهلاك البشرية والجشع لدى الدول الكبرى والشركات العملاقة مناخات مختلفة عما ألفته البشرية عبر تاريخها الطويل. الأمر المؤكد انه اجتهاد بشري، والاجتهاد ليس جرما او عيبا، ولكن الخطأ يكمن في امور عديدة: اولها ان يكون الدافع للاجتهاد البشري والتطور العلمي ماديا بحتا، فهذا يعمق ثقافة الجشع والبحث عن الثراء بأقصر الطرق، ثانيها: ان يتم التطور العلمي بمعزل عن الاخلاق، فيتم تجاوز المبادئ والقيم الإنسانية والدينية لتصبح الفائدة هي المعيار الاول للبحث العلمي والانتاج البشري الصناعي والزراعي، ثالثها: ان يصاحب ذلك اعلام كثيف يروج نزعة الاستهلاك والكسل وعدم العمل ويحول الإنسان الذي خلقه الله من اجل اعمار الأرض الى مخلوق غير ذي شأن بتطوير هذا الكوكب واعماره. فاذا كانت لدى حضارة اليوم انسانية فلتطرح سياسات تشجع العمل والعطاء وتعيد للإنسان شعوره بالإنسانية المعطاءة والكريمة والأبية وتقلص لديه ثقافة الاستهلاك والاعتماد على الغير والابتعاد عن العمل والعطاء. رابعها: إبعاد القيم الدينية والتشريعات السماوية عن واقع الحياة، فمهما بلغ الإنسان من فكر وعطاء واجتهاد وشعور بالشموخ العلمي، فسيبقى جاهلا بهذا الكون الذي يزداد توسعا ويستعصي فهمه على الإنسان ما لم يبذل المزيد من الجهد من اجل ذلك.
وكما يقال: رب ضارة نافعة. فانتشار فيروس كورونا يفترض ان يكون دافعا للإنسان نحو التفكر والشعور بأن حياته محدودة وان طالت، وان عليه ان يستمتع بها بشكل معقول، بالابتعاد عما يعرضه للمرض او الفقر او الغرور او الاستعلاء على الآخرين. ولكن هذا التفكير محدود الانتشار لأن البشر مشغولون بحياتهم وليس لديهم وقت للتفكر او التدبر. الأمر المهم ان هناك حاجة لوعي عام يوقف التداعي البيئي والمناخي الذي يؤدي للكوارث الإنسانية. فمشهد المنازل المغمورة بالمياه في القرى البريطانية هذه الأيام يكشف مدى ضعف الإنسان امام السلطان الإلهي الذي يتجسد في الظواهر الطبيعية الخطيرة كالرياح العاتية والعواصف والأعاصير والفيضانات والهزات الارضية. الأمر الذي يتفق عليه العلماء ان سوء التعامل البشري مع الطبيعة من اهم اسباب ذلك. المشكلة تكمن في الاعتقاد السائد بان «الإنسان في صراع مع الطبيعة»، بدلا من ان يكون «الإنسان متكاملا معها». وثمة من يربط بين الممارسات البشرية وانتشار الاوبئة. فالمنتجات الزراعية التي يسرع آكلوها لغسلها تحتوي في داخلها من المواد المسرطنة ما يفوق خطر الأوساخ الخارجية على قشرها، بالإضافة لفقدانها الطعم الطبيعي الذي يختفي من أغلبها. أما جهود مقاومة التلوث والتخريب البيئي فبرغم فاعليتها احيانا الا انها ما تزال عاجزة عن فرض سياسات انتاجية تراعي الظروف المناخية. السياسيون الأوروبيون قد يهتمون احيانا، لأسباب انتخابية في الأغلب، بمطالب منظمات البيئة، ولكن هناك رفضا أمريكيا للالتزام بخفض الغازات التي تؤدي لتصاعد الانبعاث الحراري وتساهم في المشاكل المناخية. وما انسحاب أمريكا من اتفاقية باريس حول المناخ إلا تأكيد لذلك.
كاتب بحريني
بارك الله فيكم اخي سعيد،لقد وضعتم النقاط على الأحرف.
بالرغم من تكاثر الأمراض وعدم احترام الطبيعة ، الانسان اليوم في أفضل حالاته معدل الوفيات عند الولادة اقل ….الناس يعمرون اكثر ويتمتعون بصحة اجود ويستمروا في تحقيق نتائج أفضل في الألعاب الأولمبية ——لا ارى داعي للهلع
بالرغم من تكاثر الأمراض وعدم احترام الطبيعة ، الانسان اليوم في أفضل حالاته معدل الوفيات عند الولادة اقل ….الناس تعمر اكثر ويتمتعون بصحة اجود ويستمروا في تحقيق نتائج أفضل في الألعاب الأولمبية
الرئيس الإيراني نسب مرض كورونا إلى أعداء إيران! ؟