أثار مشروع القانون رقم 22.20 موجة عارمة من الغضب والانتقاد بالشبكات الاجتماعية وما تبقى من الصحافة المستقلة والمجتمع المدني. كان مجلس الحكومة قد صادق عليه مع تسجيل بعض الملاحظات التقنية. الغريب أن أحزاب الحكومة نفسها تتنكر له اليوم. فمن هي هذه القوة الخفية التي تقف وراءه والتي لا تجرؤ الدفاع عنه في العلن؟
رغم التدليس الرسمي الذي رافق إعداد المشروع ورغم استغلال سياق خاص ينشغل فيه الرأي العام أساسا بمخاطر الوباء، فإنه أثار سخط المواطنين. فالمشروع يمثل خطرا حقيقيا على ما تبقى من حرية التعبير والنشر بالإنترنيت وعلى الحريات العامة بشكل عام بحيث إنه أقر عقوبات سجنية قد تصل عدة سنوات وغرامات تصل أحيانا إلى عشرات الآلاف من الدراهم.
هناك ثلاثة أمور أثارت الرأي العام:
ـ فالقانون يناقض أولا وبطريقة صريحة عدة فصول من الدستور خصوصا تلك التي تضمن للمواطنين حرية الرأي والتعبير بكل الوسائل المتاحة.
ـ الشيء الثاني الذي استغربه الملاحظون هو أن بعض محتويات القانون إيجابية جدا كتلك المتعلقة بالسلامة الجسدية والنفسية للقاصرين والألعاب الافتراضية الخطيرة والأخبار الزائفة المضرة بشرف الناس. ولكن هذا مع الأسف تكتيك كلاسيكي بالمغرب، تلجأ إليه أحيانا القوى المتحكمة في الحكومة وفي التشريع، وهو يتمثل في دس نزر من العسل في بركة من السم بهدف تغليط الرأي العام. المشكل أن الرأي العام، ومنه بعض البرلمانيين، انتبه إلى أن كل ما هو جيد في هذا المشروع موجود في قوانين أخرى كمدونة الصحافة والقانون الجنائي.
-الأمر الثالث الغريب، هو أن البلاغ الحكومي، والذي أشار إلى الجوانب الإيجابية وحدها في المشروع، يبرر هذا الأخير بما يسميه «الفراغ القانوني» وبالوضعية الخاصة التي تمثلها الجائحة. وهذا ضحك على الذقون وهدفه التغليط ليس إلا، لأن المشروع لا يتضمن أي مادة لها علاقة بأزمة الوباء. وعلى كل ولو كان الأمر صحيحا لأُدمج هذا المشروع في قانون الطوارئ الصحية الذي صودق عليه في نفس الأسبوع. كما أن النص لا يملأ أي «فراغ قانون» اللهم إلا إذا اعتبرنا عدم المنع الصريح لمقاطعة البضائع أو الخدمات التجارية فراغا وما هو بذلك! فالأمر يتعلق هنا بحق طبيعي في رفض استهلاك بضاعة ما نظرا لضررها أو لغلائها وإخبار الناس بذلك أو دعوتهم لفعل نفس الشيء. ولا يمكن للملاحظ هنا إلا أن يربط بين هذا المشروع ومصالح الشركات الكبرى التي تضررت من حملة المقاطعة الشعبية لسنة 2018 وكان على رأس المتضررين رجل الأعمال عزيز أخنوش وخصوصا إحدى مكونات شركته القابضة أكوا. ولكن العجيب أن الحزب الذي يترأسه أخنوش انتهى به الأمر إلى التبرؤ هو أيضا من مشروع القانون بعد أن أصبح قضية رأي عام. بل إن مكتبه السياسي طالب رسميا رئيس الحكومة «بالإفراج عن النص المعتمد» حتى يناقش فحواه بينما الوزراء الذين يمثلونه في الحكومة كانوا قد صادقوا عليه مثل زملائهم!
هناك قوتان كبيرتان تؤثران اليوم في القرار المركزي وهما رجال الأعمال النافذون المقربون من النظام بل والفاعلون فيه، وبعض مراكز القوى داخل وزارة الداخلية التي تريد حماية نفسها من الرأي العام الذي أصبح يلجأ إلى منصات التواصل الافتراضي بعد أن فقد الثقة في الصحافة التابعة وفي القضاء
إن هذا القانون، إذا صوت عليه البرلمان، سيكون خطيرا جدا وسيرجع بالرأي العام إلى ما كان عليه قبل العصر الافتراضي واليوتيوب والشبكات الاجتماعية، أي سيجعله من جديد مجموعة متفرجين كاتمين لغيظهم و«منفجرين» من حين للآخر في مظاهرات عفوية غضبا من السياسات الرسمية أو مما يقترفه الخارقون للقانون من الأقوياء. فإحدى مواد الباب الثالث من المشروع تجعل مثلا من نشر شريط قتل شاب وفتاة بدم بارد من لدن مفتش شرطة بلباس مدني في يوليو/ تموز الماضي بالدار البيضاء، جريمة يعاقب عليها القانون من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات سجنا نافذا. بينما الجريمة الحقيقية كانت ستتمثل في عدم نشر الفيديو الذي يظهر أن الشرطي تحرك نحو الفتاة وهي على الأرض تصرخ احتجاجا على قتل الشاب ليطلق رصاصة على رأسها معتقدا أنه بهذا يحذف شاهدا مزعجا. ولنذكر هنا، حتى نلمس خطورة المشروع القانوني الجديد، أن
مديرية الأمن قدمت رواية مخالفة للواقع مدعية أن مفتش شرطة ممتاز تدخل لتوقيف أربعة أشخاص في حالة سكر، اشتبه في تورطهم في جريمة وأنه كان بحيازتهم سلاح أبيض، وأن هذه المجموعة واجهت الشرطي بمقاومة عنيفة اضطرته لاستعمال سلاحه الوظيفي.
إن الموظف الذي حرر البلاغ الأمني خياله جامح حقا ولا يحترم لا الحق في الحياة ولا في المحاكمة العادلة ولا حتى الأسرتين المكلومتين. لو لم ينشر ذلك المواطن الجريء ما التقطه هاتفه الذكي لكان الأمر ضربة قوية بأكبر مدن المغرب لمصداقية الدولة وللعدالة والأمن فخبر الجريمة قد انتشر كالبرق. بعد نشر الفيديو تراجعت المديرية المعنية لحسن الحظ عن روايتها الخيالية وعمدت إلى اعتقال الجاني، وهكذا فإن المواطن الذي نشر الفيديو ـ والذي هو حسب المشروع الجديد مجرما ـ قد أنقذ سمعة هذه المؤسسة بدفعها للتخلص من موظف خطير.
أما المادة 22 والتي تجرم ترويج الأخبار الزائفة التي تلحق أضرارا بشخص ذاتي أو اعتباري وتعاقب مرتكبيها بالسجن النافذ، فاعتبرها ملاحظون بعضا من عسل المشروع وهي ليست كذاك مع الأسف! فالأخير يقر أبيض على أسود في مادته الرابعة أن مقتضيات هذا القانون لا تطبق على «منصات الإنترنيت التي تقدم محتوى صحافيا أو تحريريا».
هذا أولا خرق واضح للمساواة بين المواطنين التي يضمنها الدستور وهو ثانيا يحمي صحافة التشهير المقربة من السلطة كما أنه يشرعن دورية رئاسة النيابة العامة المنافية لروح القانون والصادرة سبتمبر/ أيلول الماضي والتي تأمر وكلاء الملك بعدم متابعة الصحافيين بجرائم القذف والتشهير وإرجاع الأمر لها مع إعطائها الوقت الكافي للنظر في القضايا أي بتعبير آخر دفنها.
إذا أضفنا لكل هذا، مشروع قانون آخر جديد، وغريب أيضا، يتيح للدولة تفويت أراض زراعية «لبعض الفلاحين» (كذا!) يظهر لنا أن هناك قوتين كبيرتين تؤثران اليوم في القرار المركزي وهما رجال الأعمال النافذون المقربون من النظام بل والفاعلون فيه، وبعض مراكز القوى داخل وزارة الداخلية التي تريد حماية نفسها من الرأي العام الذي أصبح يلجأ إلى منصات التواصل الافتراضي بعد أن فقد الثقة في الصحافة التابعة وفي القضاء.
كاتب مغربي
تحية لسي منجب
و لا عزاء للمستبدين
نحن لهم بالمرصاد
مقال رائع كالعادة .تحياتي للكاتب المناضل
بعيدا عن كل انشاء و اللعب بالكلمات، جاءت الكمامة لوقاية الجميع من هذا الوباء الفتاك. ثم جاء التكميم لردع الذين لا يرغبون إلا في المزيد من المتاعب للشعب المغربي.
لا يد من تقنين وضبط مجال شبكات التواصل الاجتماعي دون المساس بالحريات الفردية والعامة. لا ينبغي أن يظل هذا المجال متاحا لكل من هب ودب للنصب والتشهير و إصدار التفاهات و الخزعبلات والشعوذة أو انتحال أسماء مستعارة للدعوة إلى الإضراب والمظاهرات أي الإخلال بالنظام العام أو الاختباء وراء مصادر مجهولة لتنظيم مقاطعة اقتصادية لشركات الخصوم السياسيين مثل دعوة الإسلاميين الموالين للسيد بن كيران لمقاطعة شركات الوزير أخنوش بذريعة عرقلته لتشكيل حكومة بن كيران سنة 2016. الأغلبية الحكومية والمعارضة و الحقوقيون المغاربة تخبطوا في تناول الموضوع وعارضوا المشروع دون التعرف على جميع مواده أو دون قراءته حتى. في جميع الحالات لا للتضييق على الحريات في المغرب. هذا مع العلم أن الحقوقيين عندنا يتزايدون بشكل مهول في السنوات الأخيرة لأن في ذلك مصدر مدر للدخل.
تدخلك، أخي هيثم، موضوعي ولا غبار عليه ولم تترك قولا لقائل: فلا أنت مداهن تمالئ السلطة لأنك مع حرية التعبير المسؤولة، ولا أنت عدمي، ساخط على كل شيء، ورافض لكل شيء؛ وترى أنه يجب ان يترك الحبل على الغارب لكل من هب ودب ليقول ما يشاء باسم حرية التعبير. بمعنى ٱخر أنت لا تريد تخريب البلاد متدثرا بدثار المدافع عن الحقوق. فشكرا لك.
يا أخ هيثم نعلم جميعا أن “عهد قولوا العام زين” قد ولى فهذا الجيل الجديد لا يرضى أن يعيش في السفح كجيلنا نحن يلتقط الفتات الذي يتفضل به رموز الفساد والتسلط. كان المجال الرقمي متنفسا وحيدا لهؤلاء الشباب لأنه لا يخضع لتنميط وتدجين الدولة العميقة بعدما ضاقت بهم السبل في غيره وحاصرهم الفقر والبطالة والتضييق من كل حدب وصوب. ثم إن جل الفعاليات الحقوقية انتفضت للتعبير عن استهجانها لصدور هذا القانون اللغم مما سبب ارتباك كبير بين الأحزاب المشاركة في هذه المهزلة تبعها تعليق هذا القانون 22.20 لأجل مسمى!!
يا أخي الدكالي: تحية طيبة وبعد فأنا مع الحريات الفردية والعامة لجميع المغاربة و أرفض التضييق على حرية التعبير و الرأي رفضا مطلقا. لقد عشت أحداث المغرب بعيد الاستقلال و عاينت من موقع المناضل المشارك التطاحن السياسي بين الوطنيين والديموقراطيين والقوى الرجعية. وحاليا أميز بين عهد محمد السادس و ما سبق على مستوى الديموقراطية وحقوق الإنسان. ليس من المعقول أن تظل شبكات التواصل الاجتماعي دون ضبط و تقنين خذ مثلا قضية حمزة مون بيبي و التشهير والنصب الذي عرفتهما و أضف التفاهات التي أصبحنا نراها ونسمعها من طرف أشخاص تافهين لا يملكون لاثقافة ولا تربية. أما عن الدعوات من مصادر مجهولة أو بأسماء منتحلة للإضراب والمظاهرات و المقاطعة الاقتصادية فأنا ضدها مادامت مجهولة المصدر ومن أراد أن يدعو إليها وينظمها فليتحمل مسؤوليته و لتكن له الشجاعة الأدبية لإعلان وهويته سواءا كان فردا أو مجموعة ما دمنا نحتكم جميع للقانون الذي يحمي ممارستنا للحريات الفردية والعامة. من يدعو باسم مستعار لمقاطعة منتوج شركة معينة هل يعي أنه يتطاول على اختصاصات مجلس المنافسة بين الشركات ؟ وهل يفكر في الأطر والعمال الذين يعانون اجتماعيا عندما يتم تسريحهم إن أفلست الشركات التي نقاطعها ؟ مع كامل التقدير والاحترام.
ملاحظة من تقدم بالمشروع للحكومة هوا الوزير عمارة المنتمي لليسار. عندما يكون اليساريين خارج الحكومة يكون صقف دفاع عن الحريات عالي. لكن عندما يذوق حلاوة السلطة نسمع كلام آخر. بمعنى أن كل تسمعه ينتقد السلطة باستمرار فعلم انه يقول لهم انا هنا تذكروني. هذا كل ما في الأمر. يجب أن نقول أحسنت لمن أحسن ونقول أخطأت لمن أخطاء. ونبعد الحقد وتصفية الحسابات. ونتكلم بموضوعية
عبد القادر اعمارة عضو في حزب العدالة والتنمية، كان وزير الصناعة والطاقة إلخ … في حكومتي العدالة والتنمية السابقتين. لم يكن يوما ينتمي إلى اليسار.
ربما هناك من يستشعر الخطر بعد الوباء ان تعرف الناس عدد الاصابات ويبدأ نقاش عن حالة المستشفيات وقطاع الصحة بالمغرب ويريد تشتيت انتباه الناس ودفع النقاش في هاد الاتجاه
نعرف بان المغرب دولة فقيرة ولاكن الحديث والنقاش عن هادا القانون اللذي يريدون منه تشتيت الانتباه لما وصل اليه قطاع الصحة في المغرب ان تبقي منه شيئاً أصلاً
المجهود الذي تم القيام به…مكن من تجنب موت عشرات الآلاف بفيروس كورونا. ..ونصف مليون إصابة. …وهو دليل على أن المغرب غني بالأفكار والسواعد والأبناء المخلصين. .إضافة إلى غناه بمختلف الثروات والإمكانيات. ..التي لو أحسن استغلالها لكنا في موقع الإنفصال الكلي عن المحيط الذي يشكل نموذجا لما ذكرت. …والعجيب أن نجد سياسيين وبرلمانيين اوروبيين يقيمون بشكل إيجابي تلك المجهودات. بينما نجد من لازال يعيش على وقع الى الخلف درررر. ..يسعى إلى تبخيسها …وللاشارة فقد ذكرت بعض المصادر أن طائرات شحن للجوار حملت كميات مهمة من وسائل الوقاية من كورونا. ..من المغرب. …بالأمس. ..
أنت تضرب في طبل مثقوب أي في الفراغ. المغاربة كمواطني جميع بلدان العالم مهتمون بالوضع الصحي في بلادهم في هذا الزمن الكوروني. مشروع القانون 20-22 أحدث ضجة مؤقتة وانتهينا منه. الفقر ليس عيبا فما عيب إلا العيب . والمغاربة أغنياء من أخلاقهم و كفاءتهم و جديتهم و تضامنهم وهم يعاينون بتقدير وتواضع ما يقوم به المسؤولون في مجال الصحة للتصدي للوباء وفي مجال تصنيع المعدات والمستلزمات الطبية وتجهيز المستشفيات.
لا شك أن هناك تخمة في سن القوانين والمصادقة عليها في المغرب لكن أغلبها لا يخلو من حالتين: الصنف الأول يكتسي طابعا ضبابيا مطاطا تكيفه الدولة العميقة لخدمة أجنداتها وتحقيق مصالح لها مرسومة سلفا, أما الصنف الثاني فهو مغلف بغطاء حماية هيبة الدولة وأمن واستقرار البلد فيما جوهرها هو قطع الطريق أمام أي محاولة للإصلاح الجاد والعميق للمنظومة السياسية المترهلة في البلد, هذا القانون الذي كان مقررا تمريره خلسة يدخل في هذا الإطار ضمن الصنف الثاني.
من المفارقات العجيبة أن الأحزاب السياسية التي وقع وزراؤها على القانون نكصوا على أعقابهم وأعربوا عن عدم معرفتهم بحيثيات القضية بعد تسريب قانون 22.20 ليتضح للجميع مرة أخرى بعد تراكم أحداث مماثلة أن الذي يحرك دواليب الدولة والوزارات ويتخذ القرارات الإستراتيجية هي أذرع الدولة العميقة والأوليغارشيا المتعاقدة معها من أصحاب الثروات, أما الوزراء والأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة فهم مجرد أكسسوارات لتزيين المشهد.
أعتقد أننا لو استندنا إلى شيء من الواقعية. ..وتركنا أسلوب الهتاف الاديلوجي الذي مارسناه كمراهقة فكرية وسياسية أيام كنا طلبة في مدرجات وحلقات الكليات. ..سنجد أن الموضوع يتطلب نظرة دقيقة متأنية حتى نصل إلى صيغة تشريعية تضمن عدم تطور بؤر المستغلين للفضاء التواصلي لممارسة كل أساليب الإجرام الابتزازي والتشويهي والبهتاني. ..تحت مسمى حرية التعبير. ..وبالمقابل المحافظة أيضا على مساحة مهمة من حرية الرأي والتعبير. ..والمشكلة هنا ليست في المبدأ …ولكنها في محاولة الإستغلال الذي قامت به أطراف سياسية لتكريس مصلحتها الضيقة في التنكيل بكل مايفضح ممارساتها في السياسة والتسيير. …أما الكمامات الحقيقية فهي تجسيد لنجاح ملموس للإرادة الإيجابية عند من لم يرتضوا عن خدمة مصلحة بلادهم بديلا من رجال أعمال ومهندسين وعمال. ..ولن ينقص من قيمة عملهم ومجهودهم تعريض تعودوا على أكل الغلة في السراء والضراء. ..والإستهزاء بالمنتجين. … ..وستكون مرحلة كورونا. ..مقياسا لكشف الغث من السمين. …
اعتدر حصل لي خلط بالأسماء انا قصدت الوزير محمد بنعبد القادر صاحب القانون 20 22 المنتمي لحزب الاتحاد الاشتراكي. اليس هاد الوزير منتم لليسار أم ان غلطان