في الوقت الذي تواصل فيه الأعداد اليومية للموت بسبب فيروس كورونا في إيطاليا وإسبانيا والدول الأوروبية الارتفاع فإن إسرائيل ما زالت تشهد بالأساس بيانات عن ارتفاع عدد المصابين العام. هذا العدد زاد أمس الأحد بـ 200 مصاب في اليوم. والدليل على الارتفاع “البطيء جداً” في وتيرة الفحوصات، التي يتوقع أن تزيد في الأيام المقبلة. هذه الليلة تم تجاوز خط الألف مصاب. وحسب وزارة الصحة فقد بلغ 1071.
الرقم المقلق أكثر لجهاز الصحة هو عدد المصابين بحالة خطيرة. ويدور الحديث في هذه الأثناء عن 18 شخصاً (إلى جانب الوفاة الأولى السبت الماضي)، وهذه نسبة لم تغرق المستشفيات بعد. وخلال هذا الأسبوع سيتبين إذا ما كانت القيود التي فرضت على الجمهور قبل أكثر من أسبوع، والحفاظ على بعد بينهم وتقليص عدد العاملين خارج البيوت، كانت كافية لكبح ارتفاع كبير في عدد المصابين. وحسب جميع الدلائل حتى الآن، تم إجراء استعدادات لفرض إغلاق كامل وربما يكون ذلك خلال بضعة أيام.
في التوجيهات والمقابلات المتواترة للصحف، لا توجد حتى الآن أي إجابة عن استراتيجية الدولة لإدارة الأزمة أو نقطة الانطلاق المطلوبة، باستثناء الرغبة في كسب الوقت الذي سيمكن من مواجهة أفضل في المستشفيات ويمنع إغراقها بالمصابين. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وصف نفسه، السبت، كقبطان يقود السفينة في محاولة لإنقاذها من الخطر (كانت له زلة لسان في مقابلة مع القناة 13 قال فيها “أنا أوجه هذه التايتانيك”). والجمهور لا يعرف الثمن الاقتصادي الكامل الذي يجب عليه دفعه في الوقت الذي تجاوز فيه عدد العاطلين عن العمل نصف مليون شخص.
اتخاذ القرارات في إسرائيل يجري في مثلث ضيق الأبعاد برئاسة نتنياهو ويضم أيضاً رئيس مجلس الأمن القومي مئير بن شباط، ومدير وزارة الصحة موشيه بار سمنطوف. وزير الصحة يعقوب ليتسمان لا علاقة له، معظم الوزراء منشغلون في إظهار الإخلاص العلني لنتنياهو ومكتب رئيس الوزراء تتم إدارته من قبل ناشط سياسي صغير في مركز قائم مقام مؤقت بالأعمال هو رونين بيرتس. بعد ثلاث جولات انتخابية من دون حسم، ليس جهاز الصحة وحده الذي يواجه تحدياً غير مسبوق لكورونا وهو متعب وضعيف، بل الحكومة بالكامل، بمكاتبها وموظفيها الكبار.
في محادثات مع أشخاص شغلوا مناصب عليا في جهاز الأمن والحكومة، يتبين أن هناك اتفاقاً كبيراً حول الحاجة إلى إقامة مبنى تنظيمي أكثر فعالية، قد يحسن مواجهة الأزمة التي يتوقع أن تشتد وتطول. بعد العام 2007 وكجزء من حرب لبنان الثانية، قررت الحكومة إقامة مركز لإدارة الأزمات الوطنية، الذي يعتمد على الدروس التي تم تعلمها في علاج أزمة طوارئ وطنية. ليس هناك صعوبة لتشغيله الآن، ولا يوجد أي سبب لعدم تفعيل جهاز الإعلان الوطني، بدلاً من إلقاء كل العبء على المتحدثين المهنيين في وزارة الصحة.
لهذه المسألة علاقة وثيقة مع رفض تفعيل الجيش في إطار أوسع. قالت وزارة الصحة وبحق إن هذه أزمة مدنية وليس للجيش فيها أفضلية معرفة في علاج تهديد صحي كبير جداً. مصدر كبير في جهاز الصحة قال للصحيفة بأن تحمس وزارة الدفاع للمساعدة يتسبب بالضرر في عدد من الحالات. وحسب قوله، فإن جهاز المشتريات في وزارة الدفاع بدأ بمنافسة قسم المشتريات في وزارة الصحة من أجل شراء أجهزة التنفس وقطع الغيار للمعدات. وبهذا صعبوا على شراء معدات مناسبة. وزارة الدفاع، حسب هذه الرواية، تدخل بقدم فظة إلى مجال لا تفهم فيه جيداً وتعمل “بمعايير عيلي اكسبرس” (أي شراء عبر الشبكة لملايين المنتجات بأسعار رخيصة مباشرة من الصين).
ولكن الجيش الإسرائيلي، بواسطة قيادة الجبهة الداخلية، له أفضلية على وزارة الصحة في توثيق العلاقة مع السلطات المحلية والوزارات الحكومية بواسطة ممارسة كبيرة وتجربة حقيقية في إحداث إطلاق صواريخ على الجبهة الداخلية. القدرات الكبيرة للجيش وقيادة الجبهة الداخلية في هذه الأثناء غير مفعلة، ويتم التركيز على استخدام الفنادق لعزل المصابين بإصابة طفيفة وبمساعدة نجمة داود الحمراء في مراكز المعلومات الهاتفية.
وزير الدفاع نفتالي بينيت خائب الأمل من ذلك بشكل واضح ويحاول الدفع بكثير من المبادرات، حتى لو كان هذا مرتبطاً بصورة واضحة بتطبيق القواعد. هكذا، تحدث أمور غير معقولة. بينيت دعا المصابين باصابات طفيفة أمس إلى الاستشفاء في فنادقه، في الوقت الذي أظهرت فيه وزارة الصحة أفضلية العزل المنزلي لهؤلاء المصابين. والموارد الكبيرة لجهاز الأمن لا يتم استغلالها، والحكومة تبث رسائل متناقضة للمواطنين.
أدارت وزارة الصحة حرباً حول مسألة إجراء الفحوصات، لكن يتبين الآن بأن هذه الفحوصات ستتوسع في الأيام القريبة القادمة لتصل إلى 5 آلاف فحص يومياً. هذا العدد ما زال منخفضاً جداً حسب رأي بينيت وجهات في جهاز الصحة ورأي العلماء، الذين يعتقدون أن تجند المؤسسات العلمية في إسرائيل قد يسمح بالوصول السريع لعدد أكبر بكثير من الفحوصات.
المعلومات، باستعارة من المجال العسكري، حاسمة. تركيز الفحوصات من أنواع مختلفة سيمكن من معرفة مراكز الانتشار بشكل جيد وعلاجها بشكل أسرع. وقد تولد الانطباع بأن وزارة الصحة تريد أن تكون متأكدة 100 في المئة من نتائج الفحوصات. ولكن في الظروف التي تقدم فيها هذا الفيروس يظهر أن هذا طلب غير معقول: الممتاز هو العدو الأكبر للجيد جداً.
في الخلفية يزداد القلق في إسرائيل مما يحدث في المناطق. ففي الضفة الغربية هناك عشرات المرضى بكورونا وفي قطاع غزة أعلنت حماس عن أول مصابين. إسرائيل تخاف من تسرب المرض من الضفة إلى داخل الخط الأخضر لأنه لا يوجد فصل تام بين المنطقتين. وبالنسبة لغزة، فإن القلق يتعلق بتفشي كارثة إنسانية بسبب الاكتظاظ والموارد الضئيلة لدى جهاز الصحة هناك.
رغم الأبعاد الدراماتيكية لأزمة كورونا، فإن الحرب السياسية تستمر. وقد وصلت أمس إلى أبواب محكمة العدل العليا. رئيس “أزرق أبيض” بني غانتس في وضع غير محتمل، ولا يستطيع تشكيل الحكومة. وإذا جرت انتخابات رابعة فقد يلقي نتنياهو عليه مسؤولية ذلك (والفوز عليه في صناديق الاقتراع)، وفي المقابل، إن الدخول إلى الحكومة سيعتبر خضوعاً لليكود وسيؤدي إلى الانقسام في “أزرق أبيض”. يمكن رؤية المنطق في انضمام جناح غانتس – غابي أشكنازي إلى حكومة تناوب. ولكن يصعب التصديق بأن نتنياهو سيفي بوعوده.
لا يمكن فصل خطوات وأفعال نتنياهو في علاج الأزمة عن اعتباراته السياسية. فكل من شاهد عن قرب تصرفاته في الأزمات الأمنية، من إيران وحتى عملية الجرف الصامد، سيكتشف نماذج معروفة مثل التمسك بالسيناريو الأكثر تطرفاً وزيادة القلق في أوساط الجمهور والوابل الكبير من التصريحات – كل ذلك مخصص لخدمة حالة طوارئ. وعلى الرغم من أنه مترسخ في الواقع، إلا أنه تكتنفه أفضلية سياسية لنتنياهو. كورونا وفرت ذريعة للبدء في إجراءات محاكمة رئيس الحكومة، وهي يمكن أن تمنحه الفرصة للخروج من شرك سياسي، قبل أسبوعين فقط ظهر كطريق مسدود.
بقلم: عاموس هرئيل
هآرتس 23/3/2020