قرن ونصف القرن بالتمام على واحدة من أغرب محطات القرن التاسع عشر، وأكثرها رغبة في التسلّل خارج زمانها.
الثامن عشر من يناير 1871. إعلان الإمبراطورية الألمانية من قاعة المرايا في قصر ملوك فرنسا. وسط حضور مئات أمراء الدويلات الألمانية المتناثرة التي بايعت ملك بروسيا غليوم، إمبراطوراً لهذه الوحدة المحققة بالنصر الساحق على فرنسا. ذلك على مسافة 17 كلم من باريس المحاصَرة والمجوَّعة، والتي كانت تعجّ في نفس الوقت بمئتي ألف من الملتحقين بوحدات «الحرس الوطني» الذين لبوا الدعوة للتعبئة دفاعاً عن المدينة فور شيوع نبأ اعتقال الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث، وهو على رأس الجيش في معركة سيدان مطلع سبتمبر 1870، ومعه ثمانون ألفاً من جنده، وعزم البروسيين (الألمان) من بعد استسلام نابليون «الصغير» التوجه إلى باريس.
مهندس الفوز في معركة سيدان كان هو نفسه مدير الحصار التجويعي لباريس: الماريشال هلموت فون مولتكه. وقد استفاد من تجربته، في شبابه، كملحق عسكري بالجيش العثماني. خاصة الحملات التي شارك بها ضد الأكراد المتمردين في الأناضول 1838، ثم ضد ابراهيم باشا في نصيبين.
لم تصمد الإمبراطورية الفرنسية الثانية بعدَ شيوع نبأ اعتقال رأسها وتسليم سيفه للألمان، وهو كان البادئ في إعلان الحرب. تبخّرت في لمحة بصر، رغم مضي أشهر قليلة على تصويت المواطنين بكثافة، وبنسبة تفوق الثمانين في المئة لإستمرارها (رغم غلبة «اللا» في باريس والمدن الكبرى، ليون ومرسيليا وتولوز وبوردو).
الهزيمة العسكرية في سيدان فجّرت أزمة شرعيتها المزمنة. «الجمهورية» التي أعلنت غداة الهزيمة بدت أشبه بإدارة تفليسة. بعد أشهر من المكابرة، وجدت نفسها توقع الهدنة في فرساي نفسها مع بيسمارك. وهذا بعد عشرة أيام على اعلان الوحدة الألمانية، وبعد الفشل الذريع لمحاولة الحرس الوطني التقدم باتجاه فرساي (معركة بوزنفال). قضت الهدنة بتسليم جميع التحصينات حول باريس للألمان، وبتسريح الحرس الوطني داخلها، على أن يدخل الألمان العاصمة المقهورة بعد ذلك، وبانتظار توقيع السلام النهائي. وبما أن الألمان طلبوا تنظيم انتخابات فرنسية على عجلة، كي يكون في معلومهم مع من سيتفاوضون على السلام النهائي، فقد جاءت هذه الانتخابات 8 فبراير 1871 لتعكس أمزجة فرنسا الريفية ذات التوجه الملكي. حتى إذا باشرت الحكومة المنبثقة عن هذه الانتخابات تطبيق اتفاق الهدنة، ثارت ثائرة القواعد العمالية والشعبية، وقامت «الكومونة» اعتراضاً من الحرس الوطني في المدينة على تسليم مدافعه. وفي التسمية استعادة لذكرى كومونة المدينة في أغسطس 1792، يوم تحولت البلدية إلى بلدية ثورية قصوية تملي بالقوة شروطها على الجمعية الوطنية التي كانت تغلب عليها العناصر «الجيروندية» الأكثر اعتدالاً.
بخلاف ما حدث في الثورات الفرنسية السابقة 1789 و1830 و1848 يوم كانت الشرارة الثورية الناشبة في باريس لا تلبث أن تشعل حريقاً ثورياً هائلاً على امتداد القارة الأوروبية وفي المستعمرات، فقد اختلفت الأحوال في كومونة 1871. فرغم أن مدناً سبقتها الى اعلان كوموناتها، بهذا الإسم وبدلالة الحكم البلدي – الشعبي فيها، كحال ليون التي شارك الثوري الروسي ميخائيل باكونين في كومونتها التي دامت لبضعة أيام، الا أن الكومونات الأخرى كانت تضعضعت قبل أن تتمرد باريس وتطرد الحكومة «البرجوازية» منها، هذه الحكومة التي سارعت للالتئام في فرساي، وعكفت، تحت إشراف ألماني، على تعبئة جيش جديد تحضيراً لسحق الكومونة.
بخلاف الصورة التي شكلها التقليد الماركسي حول الكومونة، كانت تجربة الـ 72 يوماً التي لم تهزّ العالم، «أقل عمالية» من ثورة 1848، أي شهدت مشاركة أوساط شعبية أوسع من القاعدة العمالية، وبخاصة بين الموظفين. وكان عمال باريس أيام الكومونة في حالة انتقالية بين الصنائع الحرفية وبين الصناعة الحديثة، ويختلفون بالتالي عن العمال في المراكز الصناعية الكبرى المعاصرين لهم. وكانت جمعياتهم لا تقارن بالنقابات المتشكلة في انكلترا وألمانيا في تلك الفترة.
بعد عشرة أيام على إعلان الوحدة الألمانية، وبعد الفشل الذريع لمحاولة الحرس الوطني التقدم باتجاه فرساي (معركة بوزنفال). قضت الهدنة بتسليم جميع التحصينات حول باريس للألمان
لم تكن هناك أحزاب منظمة في الكومونة. الأغلبية كانت تميل الى التراث اليعقوبي للثورة الفرنسية، والأقلية موزعة بين الفوضويين البرودونيين (رغم أن برودون نفسه كان انتهى مبايعاً لنابليون الثالث) وبين أنصار الثوري الإشتراكي أوغست بلانكي الذي أمضى حياته بين تشكيل الجمعيات السرية بقصد الاستيلاء عنوة على السلطة وبين السجون. وكانت حكومة أدولف تيير نجحت في اعتقال بلانكي قبل يوم من قيام الكومونة، حارمة بذلك الكومونة من «القائد».
قلة، معدودة لكن مؤثرة، من الكومونار انتمت الى «الجمعية العالمية للشغيلة» أو الأممية الأولى التي كان من أبرز وجوهها كارل ماركس وميخائيل باكونين، والتي ستنفجر أزمتها وتتحلل في إثر انهزام الكومونة.
هذا ولم تكن هذه الأممية حزباً منظماً عابراً للبلدان، بل كان الحزبان العماليان الأساسيان في المانيا وقتها رسمياً خارجها. بيد أن النداءات التي كتبها ماركس باسم هذه الأممية والتي جمعها كتابه «الحرب الأهلية في فرنسا» ستسهم بشكل قوي في فتح الباب لمحاولة استقاء دروس للحركة العمالية من الكومونة، كما ستسهم في أسطرة مشهدية «اقتحام السماء».
لقد انتقل ماركس وانجلس بسرعة، على ما يظهر في مراسلاتهما، من المجاهرة بالحماسة لهزيمة فرنسا أمام الألمان، الى التخوف من أي عمل يائس قد يبادر اليه الباريسيون، الى تأييد الكومونة التي سيرى فيها انجلس صورة «ديكتاتورية البروليتاريا» مع الإدراك بأنها محكومة بانسداد الأفق، والادراك في نفس الوقت ان دورهما يتقوم في حجز مكان لها في المستقبل. فتح باب المستقبل لها، وبها.
جوزيبي غاريبالدي أيضاً، رمز الجناح الثوري من الحركة الوحدوية الايطالية، كان انتقل من معاداة فرنسا الامبراطورية الى الانخراط في المقاومة دفاعاً عن فرنسا الجمهورية، وانتخبته باريس بكثافة نائبا عنها «من بعيد» وكانت الكومونة تنتظر تسلله اليها، ولم يحصل ذلك.
خاب الأمل بوصول غاريبالدي. لكن مئات من المتطوعين الأجانب، النسبة الأكبر منهم من الإيطاليين، ثم البولونيين والمجريين والروس، شاركوا في الدفاع عن باريس المنتفضة. أبرزهم البولوني ياروسلاف دابروفسكي، الذي قاد التصدي العسكري للهجوم الدموي على الكومونة وسقط على المتراس. هذا الضابط في الجيش القيصري الروسي، الذي شارك في الانتفاضة البولونية لعام 1863 على الروس، يكثف الى حد كبير مفارقة عصره: ناضل من أجل التحرر الوطني لبولونيا، وبرز كأممي في معركة باريس. بولوني آخر، خاض معركة التحرر البولونية ضد الروس، لكنه بدلا ان يتجه غرباً، لجأ الى السلطنة العثمانية، واعتنق الإسلام، وصار اسمه مصطفى جلال الدين باشا بل كان من رواد الجمع بين الجامعة الإسلامية وبين جامعة الشعوب التركية، خاصة في كتاباته بالفرنسية، وسقط قتيلاً هو الآخر، في الدفاع عن الدولة العثمانية، بمعارك الجبل الأسود.
في القرن التاسع عشر، كان ممكناً للحركة التحررية البولونية ضد الضم الروسي أن تفرز هاتين الحالتين. دوبروفسكي الكوموني وبورزجسكي العثماني، أو جلال الدين باشا. تماماً مثلما ان الخبرة التي اكتسبها فون مولتكه الالماني في معارك السلطنة ضد الانتفاضات الكردية أعاد فاستخدمها ضد الفرنسيين. لم تكن الدولة الأمة استقرت بعد في أي مكان بعد من العالم بشكل نهائي، بما في ذلك في فرنسا نفسها التي عاملت باريس الكومونية على أنها انفصالية منشقة عنها، وسفكت دماء عشرات الآلاف من سكانها والمتطوعين الى جانبهم أو شردتهم من المنافي. واذا كان دوبروفسكي المنتمي الى الأريستوقراطية البولونية في الأساس قد توّج حياته بطلاً للكومونة الباريسية، فإن جلال الدين باشا أخذ مساراً مختلفاً، هو وعدد من ثوار بولونيا الآخرين، باتجاه الأستانة، للدفاع عن سلطنة لا عن كومونة، انما لتلبيس هذه السلطنة شيئاً من الخطاب الثوري، بل ان جلال الدين لعب دوراً في تحويل لفظة «الترك» الى عنوان اعتزاز داخل الطبقة الحاكمة العثمانية، ولم تكن كذلك قبله أبداً، بل كان سكان الأستانة يستخدمونها استهزاء بترك الأناضول! ثمة من يتهمه في المقابل بأنه أول من أسس للنزعة الطورانية. المفارقة أنه رغم ابتعاده في المسار عن دوبروفسكي وبولونيي الكومونة الآخرين، الا انه تشاء الصدف ان يكون واحداً من أحفاد جلال الدين باشا هذا هو الشاعر الشيوعي التركي ناظم حكمت!
كاتب لبناني
السؤال بالنسبة لي يا (د وسام سعادة)، هل نحن (أسرة انسانية) على الكرة الأرضية، أم لا،
تعليقاً على ما جمعته ونشرته عن الأحداث التي حصلت بعد طرد اليهودي والمسلم من الأندلس (أوربا) قبل خمس قرون تحت عنوان (كومونة وسلطنة: عن تاريخ متشابك) في سياق فشل إدارة وحوكمة كورونا في عام، وفشل في إدارة وحوكمة توزيع اللقاحات في العام الذي يليه؟!
Leader VS Boss
بين القائد والرئيس
بدون اعتراف، القائد أو الرئيس بوجود الإنسان والأسرة والشركة المُنتجة للمنتجات الانسانية، لن يمكن الاستفادة من أي شيء في المجال الاقتصادي بالذات،
فالوزير الذي استشهد بكلامه (د فيصل القاسم) بخصوص كورونا أو اللقاحات، أو ثلاثية أساليب الحكم، من الرئيس المصري (عبدالفتاح السيسي) أو رئيس الوزراء العراقي (مصطفى الكاظمي) أو الملك (عبدالله الثاني)،
وموضوع تقليل قيمة العملة أو زيادة الرسوم والضرائب والجمارك دون تحسين مستوى كفاءة وجودة الخدمات التي يقدمها الموظف،
ستؤدي إلى هجرة أهل العقل والمال، إلى دول مجلس التعاون في الخليج العربي أو الفارسي أو تركيا،
وليس فقط بواسطة قوارب الموت إلى أوربا،
لأن ثبت على أرض الواقع، عقلية السلبطة، أو الجدية/الشحاتة/الشحاذة، على أكتاف المُهجّرين، داخل حدود الدولة، لم ولن ولا تبني اقتصاد،
من وجهة نظري، هكذا يتم طبخ الاستفزاز، والاستفزاز المضاد،
في التقارير الأمنية والعسكرية والمخابراتية في أي إعلام موجه، يا حبيبنا يا زياد،
ولذلك، أنا ذكرت، هل هناك علاقة أو تشابه،
بين (غرور) القطط اللبنانية، مع استهتار وزير (الكيان الصهيوني)، في شهر شباط بالذات،
عند التحرّش بأي (دب)، روسي أو غيره؟!
والدليل الكيان الصهيوني، نفسه،
فالحمدلله، أخيراً، حتى دولة الكيان الصهيوني، طلبت من دول مجلس التعاون في الخليج العربي أو الفارسي، المال لغرض الاستثمار من صناديقها السيادية؟!??
??????
قراءة مقالاتك دائما ممتعة شكرا لك