أجواء الأزمة بين اسرائيل والولايات المتحدة اشتدت هذا الاسبوع، بسبب خلافين على المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين والمحاولة لايجاد حل وسط دبلوماسي في الاتصالات على البرنامج النووي الايراني. فقد هاجم بنيامين نتنياهو ما وصفه بالاتفاق السيء المتبلور مع ايران، فيما انتقد وزراء آخرون سلوك وزير الخارجية الامريكي جون كيري في المفاوضات الفلسطينية. في القيادة السياسية في اسرائيل يقولون ان الاجواء خلف الكواليس مشحونة ومعادية اكثر مما تنعكس في وسائل الاعلام. فقد قال وزير كبير لـ ‘هآرتس’ ان كيري لا يمكنه ان يكون وسيطا نزيها بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. لقد اشتد التوتر في القناتين في آن واحد تقريبا. في يوم الاربعاء الماضي، 6 تشرين الثاني، عشية استئناف المحادثات مع ايران في جنيف، اطلع الامريكيون القيادة الاسرائيلية على تقرير فهموه في اسرائيل بان ادارة اوباما تطلب اتخاذ تخفيف هام جدا في العقوبات: تحرير املاك ايرانية مجمدة في الغرب، بقيمة ثلاثة حتى اربعة مليار دولار. فانتقدت اسرائيل البادرة المبالغ فيها، برأيها ولكن بعد نحو يومين، في صباح الجمعة، تبين بان الاتفاق المتبلور يسير بعيدا اكثر من ذلك باتجاه ايران. ففي القدس يشتبهون منذ فترة طويلة بان واشنطن وطهران تقيمان قناة اتصالات مباشرة، سرية، منذ الانتخابات للرئاسة في ايران في حزيران الماضي وربما حتى قبل ذلك. وأكدت المعلومات التي وصلت اسرائيل هذا الاسبوع هذه التقديرات. لقد تبين هذه المرة بان القوى العظمى مستعدة لتخفيفات حقيقية اخرى في العقوبات على ايران، في مجالات اساسية مثل الصناعة البتروكميائية، التجارة بالذهب، صناعة السيارات واستيراد قطع الغيار للطائرات. ويقدرون في القدس قيمة الامتيازات بنحو 20 مليار دولار. (الوزير يوفال شتاينتس ذكر هذا الاسبوع مبلغا مضاعفا، ولكن حسابات مبالغ فيها برأي زملائه). ‘لقد اعدت الادارة هنا شيئا ما لا يمكن وصفه بالكلمات’، يقول الوزير الكبير. ‘الامريكيون يقولون لنا اننا اذا كنا متشددين اكثر مما ينبغي فسنضر الرئيس الايراني حسن روحاني. هذا هراء: الوحيد الذي يقرر في طهران هو علي خامينئي، الزعيم الروحي. وروحاني لا يعبر الا عن الوجه الجميل للنظام، الذي ارسل الى الامم المتحدة والى الاتصالات في جنيف’. وعلى حد قوله فان ‘خامينئي عاد الى المفاوضات على ركبتيه بسبب التاثير الشديد للعقوبات على الاقتصاد الايراني. وبدلا من ممارسة المزيد من الضغط وحشره في الزاوية، قرر الامريكيون التنازل’. نتنياهو ووزراؤه يؤمنون، في خلاف تام مع رأي الامريكيين وبعض القوى العظمى الاخرى التي تشارك في الاتصالات، بانه يمكن ان ينتزع من خمينئي اتفاق افضل بكثير، يوقف تماما تخصيب اليورانيوم، على كل المستويات، ويوقف تماما عمل أجهزة الطرد المركزي. وبزعمهم، فانه في المعضلة بين تحقيق القنبلة وبقاء النظام والازمة الاقتصادية تضع حكم آيات الله في خطر حقيقي سيختار خمينئي البقاء. ولكن ما انتزعه الغرب منه حتى الان كان طفيفا. ‘جرى الحديث عن وقف العمل في مفاعل المياه الثقيلة في اراك لمدة نصف سنة الاتفاق الانتقالي. ولكن اراك على اي حال لم يخطط له ان يعمل حتى نهاية 2014’، يقول الوزير. ‘فقد حول الايرانيون اليورانيوم المخصب الى مستوى 20 في المائة الى قضبان وقود، بمبادرتهم، بعد الخط الاحمر الذي رسمه نتنياهو في خطابه في الامم المتحدة في ايلول من العام الماضي’. وعلى حد قوله، اذا ما بقيت للايرانيين قدرة التخصيب الى 3.5 في المائة، ولا يوجد ضرر حقيقي باجهزة الطرد المركزي، فستبقى قدرتهم على أن يقتحموا، عند الحاجة، فينتجوا كمية كافية من اليورانيوم المخصب لغرض القنبلة النووية في غضون بضعة اشهر. وعليه، فان التسوية المقترحة لا تعيد الى الوراء قدرة ايران الكامنة. واذا لم يكن هذا بكاف، فان اجواء التخفيف في العقوبات تترجم منذ الان الى تحسن في الاقتصاد الايراني. ‘الصينيون يعتزمون استئنف المفاوضات معهم على التوقيع على عقود اقتصادية؛ رجال أعمال اوروبيون يقفون في الطابور من أجل اغلاق صفقات جديدة معهم. وفي واقع الامر، فان الاقتصاد الايراني يقف منذ الان على عتبة الخلاص. سيكون من الصعب جدا اعادة العجلة الى الوراء، ولا سيما اذا ما تمت التسهيلات المبالغ فيها التي تعتزم القوى العظمى اقرارها لاحقا’. وحسب الاسرائيليين، فقد وقعت امريكا في الفخ الايراني. طهران، من اللحظة التي يرفع فيها قسم من العقوبات، لن تسارع الى التوقيع على اتفاق نهائي بل ستحاول التسويف في المدة الزمنية للتسوية الانتقالية. لقد أدى اتضاح التفاصيل الى هجوم نتنياهو العلني على اوباما. وبالتوازي، وجه انتقاد مشابه ايضا من جانب فرنسا، السعودية وامارات الخليج. كيري، الذي اعتزم الانضمام الى الاتصالات في جنيف يوم الجمعة الماضي، للتوقيع على الاتفاق، غير الان نهجه وحاول اعادة فتح الشروط. وهنا نشبت أزمة مع الايرانيين، أدت الى القرار بجولة مداولات اخرى يوم الاربعاء القادم، 20 تشرين الثاني. ويتعين على الادارة الان ان تتصدى لجبهة اخرى، هذه المرة داخلية. فبتشجيع هادىء من اسرائيل تطرح مبادرتا تشريع جديدتان في مجلس الشيوخ: السناتور الديمقراطي بوب مننديلز يحاول ان يتصدر موجة جديدة من العقوبات الاكثر حدة ضد ايران، رغم معارضة اوباما. السناتور الجمهوري ليندزي غرهام يتصدر تشريعا سيسمح للادارة بالهجوم على ايران (وحسب الفكرة المطروحة، يلزم بدعم امريكي في حالة قصف اسرائيل لمواقع النووي). ويقدر مننديلز بانه سيكون لمشروعه أغلبية 75 سناتور؛ اما غرهام فيتحدث عن 95 صوتا من اصل 100 . ولا يزال، رغم كل المصاعب، يبدو ان ادارة اوباما مصممة على عقد صفقة مع ايران في الجولة القريبة القادمة. وهذا يضع اسرائيل مرة اخرى في مكانة ‘قلنا لكم’ المحبب عليها: فهي ستحذر من اضرار الاتفاق وتنتظر انهيار الصفقة في المستقبل. وسيواصل نتنياهو التليمح بخطوة عسكرية اسرائيلية محتملة، وان كانت لا تبدو في هذه اللحظة على جدول الاعمال. بالتوازي مع الخلاف على ايران، اشتعل من جديد الجدال مع واشنطن على الاتصالات مع الفلسطينيين. فقد اغضبت اسرائيل الادارة بنشر العطاءات لتخطيط 20 الف وحدة سكن جديدة في الضفة الغربية. وفي القدس غضبوا من تحذيرات كيري، في المقابلة مع القناة 2، من اندلاع انتفاضة ثالثة، اذا لم يطرأ تقدم في المحادثات. في هذه الحالة، حددت القدس وزير الخارجية الامريكي، وليس الرئيس، كمصدر للازمة. يقول الوزير الكبير ‘هذه مواجهة جبهوية مع كيري، وليس مع اوباما’، ويضيف أن ‘المفاوضات السياسية هي الطفل المدلل لوزير الخارجية. افكاره ببساطة لا ترتبط بالواقع. وهو يوعظنا ويهددنا بالانتفاضة الثالثة، العزلة الدولية ومنح الشرعية للتوجه الفلسطيني احادي الجانب الى المنظمات المرتبطة بالامم المتحدة. هذا الرجل يعطي شرعية للسلوك الفلسطيني الشاذ عن اطار الاتفاقات. وهو ليس وسيطا نزيها’.