لاجئونا واللاجئون الأوكرانيون… تعالوا نقلب الأدوار!

حجم الخط
23

استوقفت العالم صور التعاطف الجميل الذي لقيته العائلات الأوكرانية اللاجئة إلى أوروبا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا قبل ثلاثة أسابيع.
كان التعاطف طاغيا في دول الجوار وفي كل أوروبا. وكان الترحاب المعنوي والمادي، رسميا وشعبيا، قويا يثير الإعجاب والاحترام. وقد استثمر الإعلام الأوروبي في هذا الجانب الإيجابي ليُسوِّق الهبَّة التضامنية في أفضل صورها ولتظهر المجتمعات الأوروبية وقياداتها السياسية والمدنية في أسمى مراتبها الإنسانية. وأتمَّت منصات التواصل الاجتماعي باقي المهمة بنجاح.
من الصعب ألَّا يتوقف العقل الإنساني عند مقارنة تفرض نفسها بين المعاملة التي لقيها لاجئو أوكرانيا، وتلك التي كانت في انتظار اللاجئين العرب والمسلمين والأفارقة الذين قدموا إلى أوروبا في العقدين الماضيين، هاربين هم أيضا من حروب ونزاعات أخطر أحيانا مما يجري في أوكرانيا اليوم.
إذا أراد المرء أن يكون واقعيا، فلا شيء مستغرَب: الرفض الذي لقيه «لاجئونا» مُنتظَر، والترحاب الذي لقيه الأوكرانيون مُنتظَر أيضا. مَن توقّع غير ذلك يحتاج إلى مراجعة بعض المُسلَّمات.
هذا لا يعني إطلاقا أن ما حدث صواب. مُهمٌّ فقط استيعابه حتى لا تتكرر صدماتنا في المستقبل لأن القادم أسوأ بالنسبة «لنا».
«لاجئونا» عوملوا بتلك الطريقة غير اللائقة لأنهم غرباء عن المشهد، ووجودهم فيه يشكّل عبئا ثقيلا على المجتمعات الأوروبية.
اللاجئون الأوكرانيون عوملوا بتلك الطريقة الإنسانية والراقية لأنهم يناسبون المجتمعات التي نزحوا إليها، ولا يشكّلون أيَّ عبء عليها.
العبء الذي يشكّله «لاجئونا» لا يقتصر على الجوانب المادية والمالية والخدماتية، بل يمتد، وهذا الأهم، إلى ما هو ثقافي واجتماعي وديني تداعياته على المجتمع الأوروبي بعيدة المدى.
اللاجئ العربي والمسلم في العموم يصل إلى الغرب محمَّلابجبال من الرغبات والتناقضات الداخلية والهموم. وعندما يجد صعوبة في التخلص منها، يبدأ بالعمل على إسقاطها، وفي بعض الأحيان فرضها، على المجتمع الجديد.
على النقيض من ذلك، يصل اللاجئ الأوكراني (وقبله ملايين المهاجرين من شرق أوروبا) متحررا من كل الأعباء الروحية والثقافية والاجتماعية. لا يطرح مشكلة اندماج، لا يجادل في قضايا هي من صميم المجتمع الذي فتح له الأبواب، ولا يطالب بمأكل خاص وملبس مختلف لأولاده في المدارس.
هذه التفاصيل تصنع الفرق أكثر مما تفعل الأعباء المالية التي تختفي وراءها الحكومات في تبرير تشددها إزاء «لاجئينا».

اللاجئ العربي يصل إلى الغرب محمَّلا بجبال من الرغبات والتناقضات الداخلية والهموم. وعندما يجد صعوبة في التخلص منها، يبدأ بالعمل على إسقاطها على المجتمع الجديد

مشاعر الغبن والظلم وعقدة النقص التي برزت خلال الأيام الماضية في المجتمعات العربية والشرقية المُصدِّرة للاجئين، مفهومة بالنظر لحجم التمييز المقصود الذي استهدف أناسا فقط بسبب اختلاف مظهرهم وموروثهم الثقافي، رغم أنهم ذاقوا الويلات ويستحقون الحماية، ورغم أن القيم الإنسانية واحدة غير قابلة للتجزئة (أو هكذا يفترض) والظلم مرفوض بغض النظر عن مكانه ومرتكبه وضحيته.
لكن (كبيرة) من ضروري أن ندرك أن العالم، وعلى هامش الحروب الصاخبة، يعيش صراعا حضاريا ودينيا بين الشرق والغرب، موجات اللجوء الهائلة ومشاكل الاندماج أحد أعراضه. مثلما تعيش مجتمعاتنا خوفا شديدا من المستقبل، تعيش المجتمعات الغربية خوفا مماثلا من «الآخر» الذي جاء «من بعيد ليهدد نمط عيشنا وتفكيرنا».
هذه الأفكار والمخاوف لم تعد من المحظورات كما كانت قبل بضعة عقود. هي الآن متغلغلة وتتبناها نخب سياسية وثقافية وتجعل منها برامج انتخابية، وإلا ما كان اليمين الفرنسي المتطرف (على سبيل المثال لا الحصر) ليصل أكثر من مرة إلى الدور الثاني في الانتخابات الرئاسية. نحتاج أن ندرك أن الحركات اليمينية في المجتمعات الغربية أصبحت جزءا من حياة الناس، يشاهدونها يوميا على شاشات التلفزيون ويقرأون لها وعنها بلا أيّ انزعاج.
ونحتاج أن نقرَّ بأن اللاجئين القادمين من الشرق يتحملون نصيبا من المسؤولية في تغذية مشاعر الكراهية لهم في مجتمعاتهم الجديدة.
عندما ندرك هذه الحقائق تصبح المقارنة بين «لاجئينا» و«لاجئيهم» غير مزعجة لنا، ونتوقف عن الشعور بالألم من إشادة بعض السياسيين والإعلاميين الغربيين باللاجئين الأوكرانيين «المتعلمين والفاهمين» وبـ»الشُقر الأوروبيين» الذين «فرّوا على متن سيارات جميلة مثل سياراتنا».. إلخ.
عندما نصل إلى هذه المصالحة مع الواقع المُر، يصبح من المؤذي أن يتمنى أحدنا أن يُعامَل اللاجئون الأوكرانيون مثلما عومل العرب والأفارقة والأفغان، لأن هذا سيكون خروجا عن الفطرة الإنسانية السويّة ودخولا في منطق (نكتة) العربي الذي عندما تنقطع الكهرباء في العمارة يلقي نظرة من النافذة فإذا رأى الظلام يغمر المدينة شعر بسعادة وقال: الحمد لله راحت عند الكل!
استيعاب الواقع يمنحنا الجرأة على مواجهة أنفسنا وطرح أسئلة تستحق أن تُطرح من قبيل: ماذا لو قلبنا الأدوار وكانت مجتمعاتنا هي المستقبِلة للاجئين؟ هل كانت ستفتح ذراعيها لأوروبيين شُقر مسيحيين؟ الرغبة في الجواب تحيل إلى أسئلة أخرى أكثر إيلاما: هل استقبل لبنان اللاجئين السوريين بالورود؟ لماذا أوشك المغرب والجزائر على الوقوع في أزمة دبلوماسية بسبب 50 لاجئا سوريا؟ هل يعرف أحدكم عائلة سعودية فتحت أبواب بيتها لعائلة يمنية؟ هل يدلّني أحد على دولة عربية واحدة استقبلت دفعة نظامية من 40 (وليس 4 آلاف) لاجئا سوريا أو أفغانيا؟ هل كان المجتمع التونسي سيرضى بالليبيين لولا أموالهم وقدومهم من أجل الطبابة والعبور؟ هل سأل أحدنا لماذا يختار اللاجئون الأفارقة حوض البحر والموت في أعماقه على البقاء في ليبيا مثلا أو المغرب؟
أعرف أن المجتمعات العربية أصلا منهكة وظروفها الاقتصادية صعبة، لكن هذا لا يبرر كل شيء، ولا يبرر تصرفات وألفاظا عنصرية مقيتة تُرى أحيانا عند أبواب دور العبادة. لا أخشى القول أن مجتمعاتنا كانت ستتصرف بالطريقة ذاتها حيال «الآخر» حتى لو كانت غنية. القضية أكبر من عوز ومعاناة اقتصادية، والفقر في بعض الأحيان سبب ليستيعد الإنسان إنسانيته.

كاتب صحافي جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محي الدين احمد علي:

    وانت سعيد جدا لان إيطاليا استقبلتهم وألمانيا استقبلت مليون مهاجر يشاطر لماذا لانهم شعب بالكامل عواجز ورغم هذا انت اسود وهو ابيض انت أصلا لم تفهم معنى كلمة العنصرية . واسمع انا رجل على أبواب الثمانين عام وحضرت الى أوروبا قبل ان تولد وفي أوروبا 50 عام وسافرت نزهة الى 15 دولة أوروبيا شرق . وغرب والوضح انك ممن استقبلته مراكب الإغاثة . وسؤالي ان حضر في بلدي مهاجرين كنت استقبله واعمل له كنيسة ومدارس بطبع سأقوم معه بالواجب ولكني لا ولان افرض عليه ان يترك عادة وتقليده ودينه مثل ما يحصل الان في السويد أي طفل مسلم الاب او الام تحاول تربيه وسمع الجيران شيء من عتاب الاب او الام فورا البوليس يتم يتدخل . رجائي من جريدة القدس المحترمة ان تنشر رسالتي لان هذا الشخص هاجمني من كام يوم ولم ارها الى اليوم صدفة

  2. يقول محي الدين احمد علي:

    الأخ . زاهي السمردلي . اشكرك على وصفك لي بان ثقافتي ومعلوماتي ضحله وواجب عليك ان تعلمني ما تعلم لكي اقدر على مخاطبتك وللأسف انت لم تفهم ما قلت رغم انك انسان معك دكتوراه في علم النفس والفلسفة وتمكن علمك ان تفهم من 4 اسطر الكثير وهذا يسعدني لأني املي من أي عربي كان مسلم او مسيحي ان يكون متعلم لان مصيبتنا في جهلنا . وأيضا اتهامك لي اني عنصري . انا فخور بعنصريتي التي تاهمتني به . . الله واعلم انت على أي دين اذا كنت على الدين المسيحي سيدنا عسى حرم الخمر والزنة واللواط واسحاق وان كنت على الدين الإسلامي نفس الشيء اذن اخبرني على أي دين انت . ومما لفت نظري انك فهمت ان المسلم في أوروبا سيتم استلامه الخمر . والخنزير على بطاقة التموين الشهرية مع الرز والسكر مش قلت لك انك دكتوراه في علم النفس والفلسفة البلد التي تعيش فيه نمرة 1 في الدعارة . والخمور . والواط واسحاق . وزواج الرجل برجل واذا استقبلت المهاجرين العرب معروف لماذا لان أوروبا بالكامل عجوزه وليس عندهم امل في الانجاب لانعدام الرجولة وانت سعيد جدا لان إيطاليا استقبلتهم وألمانيا استقبلت مليون مهاجر يشاطر لماذا لانهم شعب بالكامل عواجز ورغم

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية