سوريا- أ ف ب – في خيم مهترئة لا تقيهم حرارة الشمس، يبكي اطفال خوفاً وجوعاً فيما الذباب يحوم حولهم، وسط مئات من الفارين من معارك الموصل والعالقين بين ناري القوات الكردية وتنظيم الدولة الاسلامية عند الحدود السورية العراقية.
فجأة، تقترب دراجة نارية من تجمعات اللاجئين في منطقة رجم الصليبة الحدودية في محافظة الحسكة في شمال شرق سوريا. ويسارع عناصر قوات سوريا الديموقراطية الى اطلاق النار عليها، خشية ان يكون انتحاري يقودها.
تبتعد الدراجة النارية لتعود مجدداً، فيقطع اطلاق النار حديث احد الشبان اللاجئين.
يلف الشاب وجهه بكوفية سوداء وصفراء اللون، إذ لا يريد ان يظهر في الصور خوفاً على من بقي من اهله تحت حكم الجهاديين في الموصل، ويقول “هذه هي الحال منذ عشرة ايام، واحيانا تسقط قذائف هاون، وقد اصابت احداها عائلة عراقية”.
ويضيف “الاشتباكات تتواصل ليلاً نهاراً، نحن هنا في خطر”.
ومنذ اعلان السلطات العراقية عملية عسكرية واسعة لطرد تنظيم الدولة الاسلامية من مدينة الموصل، ثاني اكبر المدن العراقية وابرز معقل للجهاديين منذ العام 2014، نزح الآلاف من السكان نحو مناطق اكثر أمناً وتوجه عدد منهم نحو سوريا المجاورة على رغم الحرب فيها.
لكن كثيرين منهم لم يجدوا مكاناً آمناً يحميهم. كانوا يقصدون مخيم الهول للاجئين العراقيين في محافظة الحسكة، لكنهم وجدوا أنفسهم عالقين في منطقة تقع على بعد اكثر من كيلومترين من مواقع تنظيم الدولة الاسلامية في الجهة العراقية وعلى بعد أمتار من حواجز لقوات سوريا الديموقراطية التي تضم مقاتلين اكراداً وعرباً في الجهة السورية.
-“على خط النار”-
ويفصل اللاجئين عن حواجز قوات سوريا الديموقراطية خندق بعمق ثلاثة امتار وعرض مترين، كان الهدف منه أساساً إعاقة وصول الجهاديين بآلياتهم او دراجاتهم النارية من العراق الى سوريا، بحسب ما يقول مسؤولون اكراد.
بالقرب من الخندق، يلف شاب عراقي آخر وجهه بكوفية سوداء اللون، ويقول بعصبية “الآن بدأ اطلاق النار والعائلات خافت وفرت باتجاه الخندق”.
ويتساءل بانفعال “مرض ابني من الحر، لماذا لا يساعدوننا ويأخذوننا الى مخيم الهول؟ نحن هنا على خط النار”.
في المقلب الآخر من الخندق، يقف عناصر قوات سوريا الديموقراطية بأسلحتهم الخفيفة والمتوسطة خلف حواجز ترابية. ويشرح احدهم ان ثمة “اجراءات امنية” ينبغي القيام بها قبل ارسال اللاجئين الى مخيم الهول.
ويخوض الفارون من الموصل رحلة شاقة للوصول الى الحدود مع سوريا ومنها الى مخيم الهول، حيث يسيرون في منطقة صحراوية على مسافة تمتد لأكثر من مئتي كيلومتر، ويضطرون لقطع جزء كبير منها سيراً على الاقدام.
-“ذبحنا الحر”-
وتخضع عملية دخول اللاجئين الهاربين من الموصل الى المخيم لإجراءات امنية احترازية خشية تسلل جهاديين.
وتعمل ادارة مخيم الهول حالياً على توسيعه استعداداً لاستقبال الفارين من معركة الموصل، خصوصاً ان الامم المتحدة حذرت مع بدء الهجوم على الموصل من نزوح اكثر من مليون شخص مع تطور عمليات القتال، ما قد يتسبب بأزمة انسانية كبرى.
ووصل 912 عراقياً الى مخيم الهول خلال الأيام الماضية، وفق ما أعلنت مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين الجمعة.
ولكن بانتظار السماح لهم بمواصلة مسيرتهم الى المخيم، يعيش آخرون في المنطقة الحدودية ظروفاً مأساوية في ظل ارتفاع الحرارة نهاراً وانخفاضها ليلاً في هذه المنطقة الصحراوية الخالية.
ويفترش بعضهم الارض بينما صنع آخرون لأنفسهم خيماً مهترئة. ويجلس الاطفال الى جانب ذويهم على أكياس من الخيش، يتناول بعضهم البسكويت في ظل نقص كبير في المواد الغذائية والمياه. ويحوم الذباب على وجوههم ويغطي التراب اقدامهم الحافية. كما انهم يفتقدون المياه لتروي افواههم الجافة او تنعش اجسادهم المرهقة.
وفي محاولة للاحتماء من اشعة الشمس الحارقة، يجول احدهم وهو يضع كرتونة على رأسه، ويحمل آخرون اغراضهم التي تمكنوا من احضارها معهم في اكياس خيش فضلاً عن البطانيات والفرش التي يبحثون عن مكان ليضعوها فيه.
وتفترش نوال، محاطة بعشرات الاطفال والنساء، الارض، وهي تلبس عباءة سوداء تحتها ثوب بني فضفاض. وتروي المأساة التي تعيشها منذ اكثر من عشرة ايام قبل ان تنفجر بالبكاء قائلة “ذبحنا الحر والجوع” نهاراً و”البرد ليلاً”.
وتتابع “نحفر حفرة في الارض ونضع ايدينا فيها لنتدفأ”.
وتحت خيمة صغيرة مصنوعة من قماش مهترئ ودعامات من عبوات المياه البلاستيكية المثبتتة فوق بعضها البعض، يجلس الرجل الخمسيني ابراهيم الخلف مع ستة من افراد عائلته.
ويقول بغصة “نعاني العطش هنا منذ اسبوع، سعر صندوق المياه 500 ليرة سورية (دولار تقريباً) ولا يمكن ان نتحمل كلفته، كما ان سعر ثلاث ربطات من الخبز يصل الى الف ليرة سورية، لا يمكننا ان نشتريها”.
ويختم قائلاً “هربنا من الظلم ونتمنى ألا نظلم هنا”.