دُعيت الى الخدمة الاحتياطية مرة اخرى. وحضرنا إرشادا استعدادا للتوجه الى الحاجز 104 وهو حاجز مدخل طولكرم المقام على جدار الفصل جنوب انعطافة نتسانيه عوز. وبيّن القائد ان الجيش الاسرائيلي يريد ان يدعم تطوير الاقتصاد الفلسطيني، فقد كان الفرض ان الانسان الذي له مصدر رزق يكون أقل ميلا للمشاركة في اعمال ارهابية. ولهذا يُمكّن الجيش الاسرائيلي من دخول العرب الاسرائيليين الى طولكرم كي ينفقوا شيئا من المال في الجانب الفلسطيني وليطوروا علاقات تجارية ايضا. ومهمتنا أن نقف عند الحاجز وأن نتحقق من ان كل من يدخل طولكرم عربي. ونعرف ذلك ببساطة بحسب الاسم في بطاقة الهوية أو بحسب المظهر الخارجي، ونتمنى لهم سفرا طيبا. أما اذا جاء يهود فنُبين لهم ان الدخول ممنوع ونمنعهم من الدخول. حينما وصلنا الى المكان انتبهت الى أنه عُلقت على واحدة من الكتل الاسمنتية في مركز الحاجز لافتة حمراء كبيرة كُتب عليها ‘المنطقة التي أمامك هي منطقة فلسطينية أ، لا دخول للاسرائيليين فدخول هذه المنطقة مخالفة للقانون’. ولم يكتب احد على اللافتة ‘اسرائيليين ما عدا عربا’ بل ‘اسرائيليين’ ببساطة. وأسكت ضميري بذلك بأنه يوجد فرق موضوعي بين اليهود والعرب، فاليهودي الذي يدخل المنطقة أ يخاطر بنفسه، أما العربي فلا يتعرض لخطر. وبقيت متضايقا من أنه طُلب إلي أن أقف تحت الشمس الحارقة مرتديا درعا واقية وأهتم بأدب سائلا: لأي الأعراق تنتمي يا سيدي؟ أسيدتي عربية؟. وطُلب إلي بعد ذلك ببضعة ايام ان أساعد على حراسة رجال شرطة عسكرية قاموا بتفتيش سيارات دخلت اسرائيل من حاجز ‘تئنيم’ المقام على الجدار بالقرب من قرية خربة جبارة. وكان الضابط قائد الحاجز يرشد جنديا شابا بقوله: الأمر سهل في هذه السبيل: تأتي السيارة فتقول سلاما، فتسمع أنه ليست لهم لهجة (عبرية) وتفتح الباب. وفكرت في ان هذا ليس لطيفا، لكن ليس فيه جديد فهذا ما يفعله كل حارس عند مدخل مجمع تجاري. وانتبهت بعد بضع دقائق الى ان صف التفتيش في المسار الأيمن أطول كثيرا من الصف في المسار الأيسر (وهو المسار الذي وضع الجندي عنده). ولاحظ أحد السائقين في المسار الأيمن هذا ايضا وبدأ يتقدم الى المسار الأيسر. وبدأت شرطية عسكرية تصرخ به: هالو! ماذا تفعل؟ وقالت في لغة خافتة: ‘العرب الى هنا’. وسارع السائق الى تصحيح سيره وعاد الى مسار العرب. وتوجهت الى قائد الحاجز قائلا: قل لي أهذا هو الأمر؟ أمسار للعرب ومسار لليهود؟ ‘نعم’، أجاب ببساطة. ‘والعرب الاسرائيليون ايضا؟’، قلت في إصرار. فأجاب لا يوجد ما يدعو الى أن ينتظر يهود لا نفتش سياراتهم في الصف. لكنني قلت متحصنا في موقفي: لكن لا يمكن ان يصدر الجيش الاسرائيلي أمرا كهذا، لو قلت إن الامر العسكري يقضي بأن يوجد صف للمواطنين الاسرائيليين وصف للفلسطينيين لصدقتك. فأجابني: إن الامر العسكري المكتوب يقول إن من يملك ‘سمة ساكن’ يمر في المسار السريع. فقلت: لكن هذا الذي مر في هذه اللحظة لم تكن له سمة، فأجاب قائد الحاجز: صحيح لكنك ترى انه يهودي أليس كذلك؟ واحتد الجدل ورفضت الاستمرار في المشاركة في حراسة الحاجز وشكاني الضابط بسبب ذلك لقائد سريتي الاحتياطية. وأظهر أودي قائد السرية تفهما لسلوكي، لكنه حاول ان يقنعني بأن الفصل مناسب. وتعلق تفسيره الرئيس بأمن اليهود الذين يمرون من الحاجز، فقد زعم أنه اذا انتظر اليهود في المكان زمنا طويلا فسيكونون هدفا ساكنا لمنفذي العمليات، ولهذا ينبغي تقصير مدة بقائهم هناك بواسطة مسار سريع. مع كل الاحترام لهذا التفسير أقول انه يوجد حل أقل ضررا، وهو زيادة القوة العاملة في الحاجز واستعمال مسارات تفتيش اخرى، بحيث يضاءل وقت الانتظار على الحاجز الى الصفر لكل الناس من اليهود والعرب معا. أصبح لدي انطباع ان الجيش الاسرائيلي لم يفكر كما ينبغي في الفصل العنصري في هذين الحاجزين، وأن الأوامر صدرت بصورة مرتجلة. ويوجد على ذلك دليلان، الاول انه أُقيمت عند الحاجز 104 لافتات كبيرة بارزة تقول ‘ممنوع دخول الاسرائيليين’. فلو ان الجيش الاسرائيلي كان مقتنعا بحل الامر الذي يميز بين مواطني اسرائيل اليهود ومواطنيها العرب لصيغت اللافتة صياغة مختلفة بيقين (أو لأزيلت اللافتة من مكانها على الأقل). والثاني انه يتبين من كلام قائد حاجز ‘تئنيم’ ومن كلام أودي قائد السرية الذي عمل قائد المنطقة، ان الجيش الاسرائيلي يعرض أمرا واحدا في الأوامر العسكرية المكتوبة (الفصل بالاعتماد على ‘سمة ساكن’)، ويطبق في واقع الامر أمرا آخر (الفصل على أساس عرقي). اذا كان الجيش الاسرائيلي يرى ان مسارات الانتظار المنفصلة لكل عرق هي أمر مناسب واخلاقي فلماذا لا يفعل ذلك بصورة مكشوفة؟ يؤسفني أنني أعتقد ان اصدار الأمر العسكري شفهيا يرمي الى التمكين من طرح المسؤولية على الضباط الصغار وهذا تكتيك معروف للجيش الاسرائيلي، ففي اليوم الذي سيبحثون فيه عن مذنبين ستُلقى فيه المسؤولية على قائد الحاجز وجنوده الذين لم ينفذوا الأمر المكتوب. ولن يفاجئني ان يكون هذا هو رد الجيش الاسرائيلي على نشر هذا الكلام. إن الأمر الأكثر إقلاقا في نظري هو ان أكثر رفاقي في السرية الاحتياطية، وهم اسرائيليون صالحون وذوو اكتراث (وأقول هذا حقا بلا تهكم)، ظلوا غير مبالين بالفصل العنصري. ولم يفهم أكثرهم حقا ما الذي يغضبني. لو أنه وجدت لافتة تقول: اليهود الى اليسار والعرب الى اليمين لربما أثار فيهم ذلك تداعيات غير طيبة وحتى لو لم يتغير رأيهم آنذاك كانت بطونهم ستؤلمهم شيئا ما.