الأكثر ألمًا في إخفاق الفريق الجزائري في الوصول إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022، الطريقة. بالذات هدف الكاميرون القاتل في الثواني العشر الأخيرة من عمر المباراة.
أعترف بدايةً بأنني لا أفهم في كرة القدم، وبأنها في آخر سُلّم اهتماماتي.
أتابع المباريات الدولية فقط، ولمَّا يسمح الوقت والظروف.
وعندما أفعل أضع “رجليَّ في ماء بارد”، حتى لو كانت الجزائر تلعب نهائي كأس العالم.
أتزود أيضا بدروع ذهنية واقية من قبيل أنها مجرد “جلدة منفوخة”، وأن الفوز بها لا يرفعنا إلى صف الأمم التي تقود البشرية، والهزيمة ليست نهاية العالم، وأن الجزائريين بعد المباراة، ربحا أو خسارة، سيعودون إلى همومهم ومصائبهم التي لا حصر لها.. إلخ.
أتابع المباريات بلغات أجنبية، وإنْ تعذَّر أتابعها صامتة حتى أحمي نفسي من التعليق وسيول الهذر والهذيان التي ترافقه.
أجلس قبالة التلفاز قبل دقيقة أو اثنتين من بدء المباراة، وأطفئه في الثواني القليلة التي تعقب صفَّارة نهايتها.
أسارع إلى هذا كي لا أستمع لتحليلات “المحللين” وفتاوى “الخبراء”. لا يقلل هذا من احترامي لهم وبعضهم أصحاب باع طويل في ملاعب الكرة.
لا أمتنع عن الرد على الهاتف إذا رنَّ.
يمكنني بسهولة أن أذهب إلى المطبخ لتحضير قهوة والمباراة في قمة إثارتها.
أزعم أن هذه الطريقة وفّرت لي الحماية التي تحتاجها صحتي البدنية والذهنية. وقد بلغتُ من العمر والنضج ما يُحصّننيي من خطر السقوط في شركها الآن.
إلى جانب (أو رغم) هذا، لا أتمنى أن أكون مكان جمال بلماضي.
ليس فقط لأن كل ما بناه طيلة أربع سنوات انهار في عشر ثوانٍ. لا، الموضوع سبق تلك الثواني القاتلة بشهور وسنوات.
مشكلة بلماضي أنه علّم الجزائريين الفرح. وأقنعهم بأن النجاح ممكن بالعمل والانضباط والإيمان بالنفس، ولا شيء غير ذلك.
وعندما تعلّموا نسوا أن في الحياة خسارة وإخفاقات وعثرات. بدليل: خلال دردشة مع أحد أقاربي في ذروة سكرة الفوز بكأس العرب في قطر شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، قال محدّثي: سنفوز بكأس العالم! قلت: أنت أكيد تمزح. قال بانفعال: لا والله.. أقسم لك أن بلماضي سيفعلها.
حدّثتُ قريبا آخر بهذا الكلام فقال إن كل المجتمع الجزائري مصاب بهذه الهستيريا وليس إبراهيم وحده!
أيقنتُ أن بلماضي في ورطة، لأن ثمن ما علّمه للجزائريين أن كثيرين منهم رفعوه إلى صف الأنبياء المنزَّهين عن الخطأ والممنوع انتقادهم.
الضغط الشعبي والرسمي الذي كان على بلماضي غير طبيعي، ولم يتوقف عن الإطباق عليه يوما.
بات مطلوبا منه أكثر من مجرد انتصار في مباراة أو التأهل إلى منافسة دولية.
قطر توفّقت عندما جعلت الكرة جزءا من ماكينتها الناعمة المكوّنة من أجنحة دبلوماسية واستراتيجية واقتصادية انتشرت إقليميا وعالميا منذ سنوات، فكان المونديال “حبة الكرز التي توجت الكيكة”، كما يقول المثل
السلطة تنتظر منه أن يُسعد الجزائريين بعد أن عجزت عن إسعادهم. والجزائريون ينتظرون منه أن يعيد لهم الفرحة التي سرقتها منهم حكومتهم، وأن ينقذهم من الحياة المنكوبة التي أغرقتهم فيها.
الأنكى أن هذا المسكين أوكلت له مهمة تحقيق هذه المعجزة وسط جوٍّ من الهزائم والانكسارات والإحباط.
بإخفاقه في الوصول لكأس العالم يكون بلماضي قد حرم السلطة، دون أن يريد، من أوراق هدنة اجتماعية عمرها سنتين، سنة تسبق نهائيات كأس العالم وأخرى تليها.
من الظلم أن تنتظر من بلماضي أن يحقق معجزة كروية بأبعاد سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية في محيط معطَّل بالكامل.
لا يمكنك أن تحقق معجزات كروية والقطاع الصحي والمستشفيات عندك في فشل ذريع.. ومدارسك بلا أي دور، ونظامك المصرفي متأخر عن العالم بقرن، ومنظومتك الرياضية ينخرها الفشل والفساد، وأجهزتك تخنق الأنفاس وتطارد الحريات الجماعية والفردية.
لا أتفق مع القائلين إن الكرة سياسة أولًا وأخيرا. إنها سياسة فقط عندما تكون جزءا (وليس كل شيء) في ماكينة شاملة تتحرك بعقل وعلم وعلى أكثر من صعيد.
قطر توفّقت عندما جعلت الكرة جزءا من ماكينتها الناعمة المكوّنة من أجنحة دبلوماسية واستراتيجية واقتصادية انتشرت إقليميا وعالميا منذ سنوات، فكان المونديال “حبة الكرز التي توجت الكيكة”، كما يقول المثل.
أما عندما تكون ملاعب الكرة عندك مسارح لمعارك أسبوعية دامية، وعندما يضطر مناصرو فريقك القومي إلى السفر مئات الكيلومترات والمبيت في العراء جائعين ومقهورين من أجل متابعة مباراة أو شراء تذاكر غير مضمونة، فتصبح الكرة آفة. هذا جهاد بينما الكرة ترف وفرجة.
عندما تسهم الكرة في إذلال الناس، خسرتَ الرهان حتى لو لعب فريقك نهائي كأس العالم.
الكرة سياسة (بائسة) عندما توظفها الدول والحكومات التي لا تستطيع توفير حياة كريمة لشعبها، فتنتظر من اللاعبين والمدربين أن يفعلوا نيابة عنها.
الكرة سياسة (مؤذية) عندما تتعمد وسائل إعلام الدول المنهزمة، كما هو حال الجزائر هذه الأيام، تحريض الناس على رفض الهزيمة وبيعهم أوهام أن المباراة ستعاد، فيصدّقون الهراء ويتحول الموضوع إلى هستيريا داخل الوطن وسخرية خارجه. هذا تلاعب مشين بطيبة الناس وبخيباتهم ربما احتاج لأمر قضائي يحظر الحديث في مباراة الكاميرون مثل الأوامر التي تحظر بها إسرائيل التعليق على العمليات العسكرية والمهمات الأمنية.
صورة بلماضي جاثما على ركبتيه بعد نهاية مباراة الثلاثاء فطرت قلوب حتى الذين اختلفوا معه (الجزائر فيها 40 مليون مدرب). حملت صدقا كبيرا واختزلت مرارة أكبر. لكنها أيضا اختزلت بلدا تعطل فيه كل شيء، ومع ذلك بين شعبه مَن صدّق أن فريقه الوطني (وهو منتوج أوروبي) يمكن أن يفوز بكأس العالم وبأن مباراة الكاميرون ستعاد.
الضغط الذي تراكم مع الأيام على بلماضي جعله يستحق الشفقة، وربما يبرر قليلا عصبيته المتنامية وتوتره الواضح خلال الفترة الأخيرة.
*كاتب صحافي جزائري
أخطأ بلماضي عندما باع وهم الفوز بكأس العالم للجزائريين…نحن في المغرب باعنا روجي لومير وهم الفوز بكأس العالم، وكان من أحسن المدربين، لكنه قام بإقصائيات كارثية…في كرة القدم لايمكنك تقديم وعد بالفوز حتى بدورة رمضانية، فما بالك ببطولة طويلة تحسم فيها المباريات بجزئيات بسيطة…وحتى كأس إفريقيا التي فازت بها الجزائر في مصر، كان يمكن أن تقصى أمام كوت ديفوار، ونتذكر بكاء بونجاح لضياع ضربة جزاء خلال المباراة…
أما بلماضي، فإذا آمن أنه لم تعد له إضافة يقدمها، فليرحل ويترك صورة جميلة في أذهان الجماهير…كما أن هناك دائما لاعبون يتمنون رحيل المدرب ليأخذوا فرصتهم مع مدرب جديد.
رغم الاخفاق في الذهاب إلى كاس العالم، يبقى الفريق الجزائري من أقوى الفرق في العالم
وهو فريق يلعب الكرة بطريقة جيدة وممتعة، يصنع الفرحة والفرجة لدى المتتبعين، جزايريين كانوا أواجانب.
أما الربح أو الخسارة فهي مميزات المواجهات الرياضية، ولولا تعاقبهما في الحدوث ماكانت تجرى أصلا تلك المواجهات.
وبالتالي الخسارة لا تعني أبدا الانتهاء كما أن الربح لا يعني الخلود
وهو ما يدعو إلى مناشدة بلماضي البقاء في منصبه، لاستكمال العمل الجبار الذي شرع فيه، والحفاظ على الفريق الوطني الذي تكون في عهده، لان بعد العسر يسر
جمال مستقبله المادي والرياضي خارج الجزائر
لكنه لا يدري،في دول الخليج او أفريقيا سيعيش معززا مكرما بعيدا عن الضغوط، لكنه لا يدري
أن النظام يسكت به الشارع، ليساهم دون قصد في جريمة العسكر ضد الشعب
جمال بلماضي ليس من هذه الطينة التي تتحدث عنها وهمه أن يعيش معززا مكرما ولو خارج بلاده ، كلا ، جمال بلماضي حياته في العمل الدؤوب والجاد والمثابرة ثم النجاح ، مدرب بدون مركب نقص ، بل يرى نفسه قادرا على صنع ما صنعه المدربون الكبار دوليا ، وقد صنع بالفعل وبدأ في تعبيد الطريق نحو المجد ، لكنه ربما نسي هو واللاعبون ونحن أيضا أننا في إفريقيا ، وأي مجد تطمح لصنعه لا يمر إلا عبر إفريقيا بفسادها الرسمي وغير الرسمي !
السيد بلماضي مدرب ولاعب سابق…ومن المفترض أنه يعرف جيداً أن الكرة هي لعبة تنتهي برابح وخاسر فوق الميدان….وكما أنه فاز بكأس إفريقيا في مصر… فإنه أيضا كان كلاعب من ضمن التشكيلة التي خسرت مقابلة الإقصائيات لمونديال كوريا 2002 أمام مصر في القاهرة ب5…2…ولم تقم حينها القيامة…ولم يتبارى منظروا الهامش…وتجار الوهم بإطلاق عقيرتهم بالصراخ…ومخيلتهم بابداع سيناريوهات التآمر…بل واستعمال كل أسلحة..الشحن…بما فيها الفتوى الشرعية!!!! ….لسبب بسيط وهو أن الشعب كان منهكا بكوارث العشرية…ودماء الضحايا لم تكن قد جفت…؛ وما حصل اليوم هو أن من راهن على عنصر الالهاء عن الواقع…يقوم بتطبيق السيناريو البديل المتعلق بحالة الهزيمة في المباراة كما فعل نظام حسني مبارك في 2010….وهو تحشيد الناس حول مناحة كبرى…موضوعها ظلم الحكم…وتواطىء الجامعة الدولية….دون أن ننسى لازمة الجوار…وذلك لمنع الناس من التحول الى التساؤل عن الهزائم الحقيقية…في الميادين الحقيقية…
اتخذت مباريات التأهل لكأس العالم أبعادا كبيرة في نظر الجماهير نظرا لتوظيف مباريات الرياضة وخاصة كرة القدم سياسيا من طرف بعض الدول الى درجة أن آمال بعض الشعوب تركزت حول التأهل لنهائيات قطر فكان الإخفاق و الإقصاء خيبة كبرى وحزنا عميقا للجماهير وكأن كارثة وطنية حلت بالبلاد لأن الكرة أصبحت أفيون الشعوب. هذا ما حصل في الجزائر و كأن الاقصاء نهاية العالم علما أن ما يروج حول إعادة المبارة و دعوات الشيوخ على الحكم غاساما و حرمان المنتخب من رفع علم فلسطين…أمور غريبة. إيطاليا التي فازت أربع مرات بالكأس لم تتأهل و لم تحصل فيها مثل هذه الأمور و اليابان و الصين والهند من القوى الاقتصادية الكبرى في العالم و ليس لها هذا الاهتمام والولع بالتأهل و لا هذا الحزن والحسرة على الإقصاء.
السلام عليكم. و الله من أحسن المقالات التي قرأتها. شكرآ لك.
استوقفني قولك (لا يمكنك أن تحقق معجزات كروية والقطاع الصحي والمستشفيات عندك في فشل ذريع……) لكن كانت البرازيل تفوز بكأس العالم ويحكمها نظام ديكتاتوري وفقر مدفع ونظام صحي من الاسوأ بالعالم، وأطفال لم تسمع بكلمة مدرسة……يا اخي هذا ما جعل كرة القدم محبوبة الملايين اذ انها تفتح المجال للطبقات المسحوقة لتنتصر وتتميز……فالاشقر الأوروبي سيطر على كل شيء بالبرازيل والأرجنتين من بيوت فارهه لسينمات وتمثيل الى وظائف ….الا كرة القدم فهي لا تمييز وهي من فتح ابوابها للفقراء مثل بيليه مارادونا رونالدو وصلاح ….ليصبحوا اسيادا للعبة .
الكاتب معه حق يجب ترتيب الأولويات . فكيف يعقل صرف الملايير على اللهو وترك القطاعات الحيوية من صحة وتعليم وتنمية في حالة خراب. ثم ماذا استفادت الشعوب من صعود مارادونا وبيلي ومحمد صلاح…؟كرة القدم أصبحت أفيون الشعوب يوظفها الحكام الفشلة لتخدير العامة وإلهائهم عن القضايا الحقيقية ويساعدهم في هذا بعض المهرجين من المعلقين الرياضيين الذين يصمون الآذان بصراخهم.
وهو كذلك
تعليقك وجيه وبناء
نعم استاذ هيثم، أتفق تماما حول ضرورة ترتيب الاولويات. واتفق تمام حول عدم نفعية كرة القدم. لكن ما قصدت تصحيحه هو قول الكاتب الكريم المحدد المشار اليه اعلاه
ما شاءلله عليك لقد لخصت كل شيء شكرا
هذه هي شعوبنا العربية كلها مخدرة بشكل رهيب. ليس في الجزائر بل في جميع الدول العربية. يستغل الحكام الكرة لإبقاء الناس تعيش في الوهم. في المغرب بلدي اوضاع التعليم جد متدنية اما المستشفيات فمنا من يفضل الموت في منزله على الذهاب إلى المستشفى العمومي. لأنه يدرك جيدا المعانات التي تنتظره هناك. أموال لدفع رواتب رجال التعليم والمستشفيات فهي قليلة. أما أموال كرة القدم فتوفرها الدولة بشكل كبير. فراتب مدرب فريق في الدرجة الثانية يفوق راتب أي مهندس أو طبيب..
إذا كان الغرب استعمل الكرة للفرجة والمتعة وخلق مناصب شغل وتقوية العلاقات بين شعوبهم. فعندنا في العالم العربي تستعمل الكرة لتخذير الشعوب. وبد نجحوا في ذلك. ع
مجرد تساؤل.
ماذا عن تتويج الجزائر بكأس أمم إفريقيا وكأس العرب !!!؟؟؟
نظرية، الكوب المملوء إلى النصف، تنطبق على أي دولة أو أي شخص في العالم. نراهم سيئين إذا نظرنا إلى مساوئهم ونراهم جيدين إذا نظرنا إلى محاسنهم. والعقل العاقل عليه تجنب هذه القاعدة في الحكم على الدول والأشخاص لأن الحكم يكون مجحفا سواء نظرنا إلى النصف المملوء أو الفارغ من الكوب.