لا تضربوا عن الكلام!

حجم الخط
11

الإضراب عن الطعام وسيلة احتجاج أو ضغط قديمة جداً، وذُكر في كتاب «فالميكي رامايانا» الهندي، استخدم منذ حوالي 700 عام قبل الميلاد كوسيلة ضغط لتحقيق مطلب سياسي، حيث أضرب باهارتا عن الطعام مطالبا المنفي راما العودة والسيطرة على المملكة.
إضرابات السجناء من سياسيين وغير سياسيين، عادة ما تكون لأجل تحقيق مطالب لتحسين ظروف اعتقالهم، في أمريكا مثلا أضرب ملايين السجناء عام 2018 عن الطعام، مطالبين بتحسين ظروف سجنهم، وتحسين أجورهم مقابل الأعمال التي يقومون بها في السجن، حيث وصفوها بالعبودية الحديثة، وطالبوا بحقهم في الاقتراع في الانتخابات، حيث أن بعض الولايات تحرم السجناء من حق التصويت. الإضرابات عادة ما تواجه بالعنف، خصوصاً تلك التي ينفذها سجناء سياسيون، ومن أشهر الإضرابات في العصر الحديث، هي إضرابات الجمهوريين الأيرلنديين في عام 1916 التي استمرت بشكل متقطع حتى أواخر القرن الماضي.
أول إضراب فلسطيني عن الطعام في سجون الاحتلال كان في عام 1969 في سجن الرملة، واستمر أحد عشر يوماً، وكان رفضاً لعبارة «حاضر سيدي» التي كان على السجين أن يتلفظ بها أمام السجّان، وكذلك على عدم السماح لتجمّع أكثر من سجينين في وقت الفورة، ثم توالت الإضرابات عن الطعام بمعدل إضراب في كل عامين، وأحيانا جرى أكثر من إضراب في العام الواحد. أول فلسطيني استشهد في السجن نتيجة الإضراب عن الطعام، كان في مايو/ أيار عام 1970 في سجن عسقلان، وهو الشهيد عبد القادر أبو الفحم من مخيم جباليا، الذي كان جريحاً ومصاباً، انضم للإضراب رغم حالته الصحية السيئة، وحاول السجانون إطعامه بالقوة، ولكنه أصرّ على رفض الطعام، واستشهد في اليوم الرابع من الإضراب، منذ ذلك الإضراب ألغيت عبارة «حاضر سيدي»، التي كان السجين الفلسطيني مضطراً لأن يتلفظ بها أمام سجّانه.

ليس لدى السجناء أسلحة سوى أمعائهم بعدما تفشل محاولاتهم التفاوضية مع إدارات السجون في تحقيق مطالبهم البسيطة

ليس لدى السجناء أسلحة سوى أمعائهم يلجأون إليها، بعدما تفشل محاولاتهم التفاوضية مع إدارات السجون في تحقيق بعض المطالب البسيطة. يطلب السجناء من خلال تجويع أنفسهم لفت انتباه أولئك الأحرار خارج الجدران، بأن يتحملوا المسؤولية، وأن لا ينسوهم وراء الجدران في غياهب السجون، تحت رحمة سجان فقد الرحمة والإنسانية. هناك عشرات الآلاف ممن مرّوا بتجربة السّجن على طريق التحرر، وهناك آلاف ما زالوا في السجون، وهنا لا بد لنا أن نذكّر بعشرات الآلاف من السجناء، إن لم يكن مئات الآلاف في سجون العالم العربي، وهم سجناء رأي وموقف وحُرّية، ويتعرضون مثل إخوانهم، وربما أسوأ وأخطر مما يتعرض له الفلسطينيون في سجون الاحتلال.
الحرّية لا تتجزأ، وقمعها لا يختلف في جوهره هنا أو هناك، فالإنسان هو الإنسان، والظلم هو الظلم، والظلام هو الظلام، والمجرم هو المجرم، هذا ضحية يحلم بحريته ويدفع ثمنها، ومثله شقيقه في ذلك البلد العربي أو ذاك. أنين الأسرى وصرخاتهم ومعاناة ذويهم لا تختلف، هنا وهناك، إنها أنات وعذابات قضية الحرية المفقودة نفسها التي ينشدها المواطن العربي هنا وهناك، فيواجه بالعنف والقمع والسجن والتنكيل والقتل. إذا كان السجناء في سجون الاحتلال يُضربون عن الطعام، وأنهم على وشك الإعلان عن إضراب جديد، فهناك أيضا من أضربوا عن الطعام في السجون العربية احتجاجاً على ظروف اعتقال غير إنسانية، ويعرف العالم بأن كثيرين منهم استشهدوا تحت التعذيب، وفي ظروف وحشية وسادية لا يمكن التعبير عنها. كذلك إضافة لقمع الاحتلال والقمع العربي يحق لكل فلسطيني وعربي وحُرٍ في هذا العالم، أن يتساءل كيف تعامل السلطة الفلسطينية في رام الله سجناءها الأمنيين في منطقة سيطرتها؟ وكيف تعامل المتورطين في قضايا تعتبر أمنية؟ قبل أيام أُعلن عن استشهاد الفلسطيني محمود رشاد الحملاوي في معتقل بيتونيا في رام الله تحت التعذيب؟ فكيف يمكن أن يحدث مهما كانت جريمة هذا الشاب في بلد يطالب بالحرّية، ومرّ مئات الآلاف من أبنائه في تجرية السجن؟ وهل يرغم محققو السلطة في رام الله معتقليهم على شتم إسماعيل هنية وغيره من قادة حماس؟ كذلك نسأل حركة حماس الحاكمة في قطاع غزة، كيف تعامل معارضيها السياسيين في سجونها؟ وكيف عاملت المحتجين الذين جرى اعتقالهم خلال حراك «بدنا نعيش»؟ وهل يُرغم محققوها معتقليهم على شتم محمود عباس وغيره من قادة فتح؟ حاسبوا أنفسكم.
أخيرا إذا كان سجناء الحرية الفلسطينيون يضربون عن الطعام في سجون الاحتلال لتحقيق ظروف سجن أفضل، فعلينا نحن خارج السجن واجب الكلام على الأقل وتذكير العالم بهم، وبسجناء الحرّية والرأي في كل مكان في الوطن العربي وفي العالم قاطبة.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    التعذيب مرفوض بالإسلام, فحتى الجلد بالحدود والتعزير يكون بلا آثار على الجسم! أما الرجم فقد تم نسخه بالقرآن!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول الصفاقسي / تونس:

      حين نقول إن الله نسخ حكما بمعنى ألغاه وبدله بحكم آخر … كلام لا يليق بمؤمن أن يقوله عن الله العالم بأحوال عباده وبما يصلح لهم من تشريع ، ومن هنا علينا أن نبحث عن معنى آية ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها … )

  2. يقول كمال - نيويورك:

    الظلم هو من أسوأ الذنوب التي قد نقوم بها في حياتنا، كما أعدّ الله سبحانه وتعالى عقاباً كبيراً للظالم المبتغي على حقوق الناس، سواء أكان ظلمه بالقول أو الفعل. ظلم الأقارب أشد وقعا من السيوف.

  3. يقول سامح //الأردن:

    *فك الله أسر كل (سجين ) داخل
    فلسطين وخارجها وخاصة في
    بعض الدول العربية (المنكوبة )
    بحكام مستبدين فاسدين.

  4. يقول ختام قيس:

    صباح الخير استاذ سهيل ولجميع القراء
    اعتقد ان قلمك هذا دائما يبحث عن الاصوات التي تم كتمها،بحق علينا ان نستيقظ من حالة التقوقع بالذات والنظر فيما حولنا عما يحدث من انتهاك حقوق سواءا في السجون او خارجها،بتنا لامبالين معتقدين ان الامور ستتغير اذا توقفنا عن التفكير بها.
    اعتقد ان حجم الألم الذي يتعرض اليه السجين اكبر بكثير من ان يوصف بكلمة احتجاج،فقد تطرق بعض الروايات لوصف بعض من يتعرض اليه السجين من ظلم وانتهاك لابسط الحقوق.
    دمت بخير .

  5. يقول سوري:

    سجون الأنظمة العربية أسوأ سجون في العالم وأكثرها تعذيبا للمساجين وخاصة سجون الجرم ابن المجرم بشار الكيماوي بائع سورية فالداخل مفقود والخارج موجود والعدو الصهيوني لايحق له أن يسجن أي فلسطيني يدافع عن أرضه ووطنه

  6. يقول رسيله:

    مساء الانوار للاستاذ سهيل ولجميع المعقبين والمعقبات مقالتك كاتبنا أثارت في داخلي الكثير من الشجون والمشاعر والتساؤلات مثل : هل المظلوم يظلم ؟ وهل متلقي العصي يبحث عن معذبين ليغتالهم بنفس السلاح الذي آلمه ؟ وأين العدل في هذا الزمان ؟ هل على حد قول جبران خليل جبران :” والعدل في الأرض يبكي الجن لو سمعوا … به و يستضحك الأموات لو نظروا … فالسجن والموت للجانين إن صغروا..والمجد والفخر والإثراء.. إن كبروا! فسارق الزهر مذمومٌ ومحتقر..وسارق الحقل يدعى الباسل الخطر وقاتل الجسم مقتول بفعلته وقاتلالروح لا تدري به البشر.”واين الحريه؟ أليست الحرية هي التحرر من القيود التي تكبل طاقات الإنسان وإنتاجه سواء كانت قيودا مادية أو قيودا معنوية، فهي تشمل التخلص من العبوديةلشخص أو جماعة أو للذات، والتخلص من الضغوط المفروضة على شخص ما لتنفيذ غرض ما، والتخلص من الإجبار والفرض.

  7. يقول رسيله:

    ( تتمه اخرى)وماذا عن وجوهها الثلاثة الوجه الإيجابي الذي ّ يُعبّر عن التصرُّف باستقلاليّة وعفويّة، والوجه سلبي الذيّ يَرفُض المُمارَسات السلبيّة من البعض، مثل: العبوديّة، وإكراه الأفراد على القيام بِأعمال لا يرغبون بها، والوجه النسبي الذي يَجمع بين الإيجابيّ والسلبيّ، وهو قائِم على أساس أنّ الإنسان قادر على أنْ يَقوم بما يُريد، على ألّا يتعارض ذلك مع الآداب، والقوانين، والأنظمة العامّة وفقَ القانون الدستوريّ، وألّا يُلحِق الضّرر بِالآخرين وفقَ المادّة الرّابعة من الإعلان العالميّ لِحقوق الإنسان.وماذا عن أنواع الحُريّات وهما:حُريّة التّنفيذ والتي تعني قُدرة الفرد على العمل أو امتناعه عنه، دون أنْ يَخضَع لأيّ ضغوطات خارِجيّة وحُريّة التّصميم والتي تعني قُدرة الفرد على الاختيار، وتحقيق ما يُريد دون أنْ يخضع لتأثير أهوائه ودوافعه الباطِنة التي تحدّ بدورها من حُريّة التّصميم. مقالتك كاتبنا المبدع أثارت الكثير من الجراح في داخلي

  8. يقول رسيله:

    ( تتمه اخيره )وهذا ان إن دل فإنما يدل على وعيك العميق والمامك الرحيب وشعورك المتذوت بالآم الآخرين دمت قلبا نابضا بكل حنين مشتعل لنصرة اي اسير، وكما قال عاصي الحلاني في أغنيته :”الحرية للاسرى الفلسطينيين” كلمات الشاعر رامي اليوسف:”رغم الدمع صامدين … على ضوّ الشمع سهرانين … نكتب على حيطان الزنازين … عاشت عاشت فلسطين.”

  9. يقول الكروي داود النرويج:

    تعليقي كان من القرآن ! آيه 1 و 2 من سورة النور!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  10. يقول رسيله:

    السيده فيروز تقول :” يا حريه طلعنا …. حررنا
    طلعنا على الضو
    طلعنا على الريح
    طلعنا على الشمس
    طلعنا على الحرية
    يا حرية يا زهرة نارية
    يا طفلة وحشية يا حرية
    صرخو عالعالي على العالي
    اركضو بالحقالي على العالي
    قولو للحرية نحنا جينا و افرحوا افرحوا
    يا ليل يا حب يا دروب
    يا حجار الحقونا عالشجرة البرية
    غيرو اساميكن اذا فيكن
    لونو عيونكم اذا فيكن
    خبو حريتكم بجيابكم و اهربو اهربوا

إشترك في قائمتنا البريدية