لبنان يعاني من المشاكل. عشرات آلاف اللبنانيين يتظاهرون منذ بضعة أيام ضد حكومتهم احتجاجا على الأزمة الاقتصادية. وكان المحفز لإخراج الجماهير إلى الشوارع: قرار الحكومة في بيروت فرض ضريبة على استخدام تطبيق واتس أب وغيرها من التطبيقات التي تسمح بمكالمات صوتية، وذلك في محاولة لإدخال اليد إلى جيوب المواطنين لتغطية العجز المالي في صندوق الدولة.
الاقتصاد اللبناني ينهار. بداية جاءت الحرب في سوريا، والتي دفعت إلى الانهيار بضعة فروع هامة في الاقتصاد، مثل التجارة والسياحة، وإضافة إلى ذلك أُغرق لبنان بملايين اللاجئين الذين يلقون بمزيد من العبء على اقتصاده. بعد ذلك جاء غضب دول الخليج على مكانة حزب الله المتصاعدة، فمنعت مواطنيها من زيارة لبنان أو الاستثمار المالي فيه. وأخيرا جاءت العقوبات الأمريكية التي تسعى إلى خنق اقتصاد حزب الله، وعلى الطريق محاسبة كل مؤسسة اقتصادية تساعده في لبنان.
ولكن يخيل أن للاحتجاج أسباب أعمق بكثير، تكمن في إحساس النفور في أوساط الجيل الشاب من السياسة اللبنانية ومن السلوك الفاسد للسياسيين وعائلاتهم، ممن يديرون لبنان منذ عشرات السنين مثلما أدارت عائلات الجريمة نيويورك في سنوات ازدهار المافيا.
غير أن الاحتجاج والغضب لن يقودا لبنان إلى أي مكان، وبالتأكيد ليس إلى شاطيء أمان وأفق جديد. ينبغي الافتراض بأنه مثلما كان دوما، فان إحساس التعب لدى الشباب اللبناني لا يمكن أن يتغلب على ولائهم لزعماء الجيل القديم، وفي واقع الأمر للعائلات، للقبائل وللطوائف التي هي العمود الفقري للحياة السياسية في لبنان ومرضهم ايضا.
إن الطائفية والقبائلية تسمم لبنان منذ عشرات السنين وتخلد وجوده كدولة ضعيفة تخضع لملكية أرباب الجريمة والفساد. هؤلاء من يرى اللبنانيون فيهم زعماءهم الطائفيين ووراءهم يسيرون بالنار والماء ولهم يصوتون بجموعهم في الانتخابات. إذا كان ثمة شيء أهم من العدالة الاجتماعية أو من الغضب على الوضع الاقتصادي، فإنه الكراهية لأبناء الطائفة الخصم والخوف المتبادل، واللذين يؤديان المرة تلو الأخرى إلى التصويت القبلي لزعماء القبائل. حتى لو سقطت الحكومة وأُجريت انتخابات جديدة، فمن غير المتوقع ان تؤدي إلى تغيير جوهري.
لقد كانت أيام اعتبر فيها السلوك الفوضوي للساحة اللبنانية، حيث لا توجد حكومة ولا قانون، وكل وجيه وعائلة هما سيدي نفسيهما، سر قوة لبنان. هذه دولة ليس فيها ولا يمكن أن يقوم فيها دكتاتور، ولهذا فان سكانها تمتعوا بحرية نسبية وازدهار اقتصادي. ولكن هذه الأيام انقضت، وواقع انعدام مؤسسات دولة متينة يؤدي إلى الانهيار والفوضى. مثال على ذلك هو حقيقة أن لبنان لم يبدأ بعد في التنقيب عن الغاز الطبيعي في شواطئه. والتبرير الرسمي هو انعدام التوافق مع إسرائيل على ترسيم خط الحدود. عمليا ينبع الأمر من صراعات القوى بين السياسيين اللبنانيين على توزيع الغنيمة وأرباح الغاز فيما بينهم. وهناك العديد من الأمثلة المشابهة، ولا غرو أن لبنان وصل إلى حافة الانهيار الاقتصادي.
إن المظاهرات في لبنان هي وجع رأس لحسن نصرالله ولحزب الله. فبعد عقدين من الشراكة في الحكومة، أصبح نصرالله جزء من النظام ومن صلب الساحة الرسمية في الدولة. لا يمكنه أن يفر من المسؤولية عن الوضع أو يلقي بالذنب على الآخرين. فضلا عن ذلك، فان نشاط حزب الله هو أحد العوامل المركزية للازمة في لبنان. فمساهمة المنظمة في إضعاف الدولة ومؤسساتها معروفة جيدا، ولكن اضافة إلى ذلك، فإن الصراع الذي تعيشه – ليس فقط مع إسرائيل بل وايضا مع دول الخليج ومع الولايات المتحدة – يتبين كمغامرة لا يستطيع لبنان الصمود أمام نتائجها. وعليه، فقد تجند نصرالله من أجل، سعد الدين الحريري الذي صفت منظمته أباه، رفيق، قبل عقد، وهو يعمل الآن على تهدئة الخواطر والحفاظ على الحكومة. إن موجة الاحتجاج كفيلة بأن تخبو في الايام القادمة، ولكن حتى لو وقعت أزمة حكومية فهذه ستنتهي بالقرف وبالطريق المسدود. لا جديدا في بلاد الارز، ولا ربيعا يطل في الافق اللبناني.
ايال زيسر
إسرائيل اليوم 23/10/2019