لا شيء يشبه سورية سوى سورية

حجم الخط
0

كثيرةٌ هي الأقلام التي شابهت الوضعَ السوري بالحالةِ العراقية أو اللبنانية، من خلال تركيز تلك التحليلات على أن ما وصلت إليه الأزمة السورية ليس سوى تكرار للسيناريو العراقي إبان الحرب الطائفية في مطلع عام 2006، أو سيناريو الحرب الأهلية اللبنانية، مستشهدين على ذلك بأعمال العنف الجارية من قتلٍ وخطفٍ متبادل بين السنة والعلويين في بعض المناطق من سورية، معززين وجهة نظرهم بالاقتتال الذي بدأ منذ اسابيع بين دولة العراق والشام الاسلامية التابعة لتنظيم القاعدة وبعض فصائل المعارضة المسلحة .
لكن الوضع السوري مختلفٌ من حيث الشكل والمضمون، ومن حيث السياق التاريخي يمكن إبراز هذا الاختلاف من خلال ثلاث نقاط أساسية :
أولها الطائفية في سورية حالة وليدة وليست من موروثات المجتمع السوري، جاءت نتيجة أعمال عنف سادية قامت بها قوات النظام ضد المتظاهرين السلميين في بداية الثورة، عملت من خلالها على إثارة النعرات الطائفية بين مكونات الشعب السوري من خلال انتهاك مقدساتٍ دينية، كما حصل في المسجد العمري في درعا والأموي في حلب، واستهداف أحياء دون أخرى، كما في حمص، أو من خلال عمليات قتل وتعذيب مصورة تقصَّد النظام تسريبها بهدف بث الرعب في قلوب السوريين، ترافقها العبارات الطائفية، ناهيك عن الفاظ التأليه التي اطلقها مؤيدو الأسد خلال الأزمة السورية، هذه التصرفات دفعت جزءاً من المعارضة المسلحة، لاسيما المتشددة منها والوافدة من خارج سورية للرد بالمثل وربما بشكل أعنف .
هذه الحالة الوليدة في سورية تختلف كلياً عن الحالة العراقية او اللبنانية، فالطائفية فيهما لها جذور، سواء في العراق الذي شهد ثورة شيعية في تسعينيات القرن الماضي ضد حكم صدام حسين، أو لبنان الذي تعود فيه جذور الطائفية لعقود مضت ازدادت ترسخاً في المجتمع اللبناني بعد الاستقلال، حيث قسمت المناصب الرسمية والمناطق تبعاً لمبدأ المحاصصة الطائفية، هذا المبدأ الذي مهد لحرب أهلية دامت 15 عاما .
النقطة الثانية وهي عدم وجود توازن للقوى البشرية في سورية بين الطوائف كما هو الموجود في العراق ولبنان، حيث تتساوى فيهما نسبة تمثيل كل طائفة مع الأخرى ولا توجد طائفةٌ تمثل الأكثرية، كما يختلف العراق ولبنان عن سورية بمناطق النفوذ الطائفي على الأرض، حيث تشغل كل طائفة منطقة جغرافية معينة، كوجود الشيعة في الجنوب والسنة في الوسط بالعراق، وهو ما ساعد على اشتعال الحروب الأهلية فيهما، وهو الأمر الذي ينتفي وجوده في سورية، فالسنة في سورية تقارب نسبتهم الـ80′ من تعداد الشعب السوري وهذه النقطة كفيلة بعدم تشجيع أي من الطوائف الموجودة في سورية على الدخول في حرب أهلية، كما أن المدن السورية تتميز بالتداخل الطائفي بين السكان، فالساحل السوري الذي يزعم البعض أنه منطقة نفوذ للطائفة العلوية توجد فيه نسبة كبيرة من السنة والمسيحيين، والعكس صحيح في دمشق وفي السويداء وغيرها .
النقطة الثالثة وهي سلمية المجتمع السوري بكامل طوائفه وإثنياته وقومياته، فجميعها تنبذ العنف وترفض ربط السلاح بالطوائف.
فالسنة في سورية بغالبيتهم يرفضون الممارسات التي تقوم بها دولة العراق والشام الإسلامية من اعتداء على الكنائس وعمليـــــات القـــتل ذبحاً بحق أسرى النظام أو مواليه، والأمر ذاته ينطـــــبق على الطائفة المسيحية المعروفة لــــدى الســــوريين بسلــمية ابنائها ورفضهم حمل السلاح، وهو ما برز جلياً من خلال تخلف معظم شباب الطائفة المسيحية عن الخدمة العسكرية ولجوئهم للهجرة باعداد كبيرة.
أما الدروز فموقفهم واضح منذ بداية الثورة كطائفة بقيت على الحياد ورفضت دخول النظام أو المعارضة للمناطق التي يسكنونها، رغم انخراط بعض أبنائها باللجان الشعبية الموالية للنظام.
في سورية لا توجد حرب أهلية بمعناها الحقيقي، كالذي حصل في العراق ولبنان، هناك اعمال عنف يغذيها المتطرفون من الطرفين، إلا أن السوريين بغالبيتهم مازالوا يحاولون تجنب الحرب الطائفية، فالكثير من أهالي حلب السنة نزحوا باتجاه الساحل السوري الذي يقطنه أبناء الطائفة العلوية، والكثير من أهالي حمص وديرالزور السنة لجأوا إلى السويداء، التي يقطنها الدروز الموحدون .
ويبقى السؤال الأهم هل سيتجاوز المجتمع السوري الشرخ الذي أصابه بفعل الحرب الدائرة منذ ثلاثة أعوام؟ أم أن الإنزلاق لحرب أهلية طاحنة يروج لها الكثير من الجهات الأقليمية والمحلية هو المستقبل الذي ينتظر أبناءها؟

‘ صحافي سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية