لا للعقوبات على الدول: نعم لإسقاط الطواغيت إذا كنتم صادقين!

يتبجح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأفراد إدارته بأنهم فرضوا على إيران أقسى العقوبات في تاريخها، وخاصة العقوبات المفروضة على بيع النفط الشريان الحيوي للاقتصاد الإيراني. لكن قبل أن يصفق أحد لهذه العقوبات كنوع من الشماتة بإيران، لا بد أن يتساءل: ألا تخضع إيران للعقوبات الأمريكية والغربية منذ وصول الخميني إلى السلطة عام 1979؟ متى ارتاحت إيران من بعض العقوبات إلا بعد الاتفاق النووي مع الغرب قبل مدة وجيزة فقط، ثم ما لبثت أمريكا أن أعادت بعض العقوبات؟ هل يا ترى تأثر النظام الإيراني بالعقوبات المفروضة عليه منذ حوالي أربعين عاماً، أم إنه استطاع تحت العقوبات أن يقيم مشروعاً نووياً وبرامج عسكرية عملاقة؟ ألم تتمكن إيران من احتلال أربع عواصم عربية وهي ترزح تحت العقوبات الأمريكية؟ فكيف، لا سمح الله، لو لم تكن تحت العقوبات؟
لا شك أن الشعب الإيراني عانى كثيراً في لقمة عيشه بسبب العقوبات الأمريكية منذ عقود. ولا شك أنه سيعاني أكثر جراء العقوبات الجديدة التي دمرت العملة الإيرانية، وخفضت من قيمتها بنسبة تفوق الثمانين في المئة، بحيث أصبحت مدخرات الشعب الإيراني بلا قيمة إذا ما أراد أحد أن يستبدلها بعملات صعبة كاليورو والدولار. لا شك في ذلك مطلقاً. من الضحية إذاً في العقوبات الغربية على مدى التاريخ الحديث؟ الشعب أولاً وأخيراً، بينما تستمر الأنظمة كما هي تنعم برغد العيش. هل تأثر الحرس الثوري الإيراني الحاكم الحقيقي للبلاد بالعقوبات؟ هل تأثرت الطبقة الحاكمة؟ أم إنها استمرت في التهام ما لذ وطاب من المأكل والمشرب، بينما تحولت الحياة إلى جحيم بالنسبة لغالبية الإيرانيين؟ هل انتفض الشعب على النظام بسبب العقوبات؟ ربما حاول عام 2009 بتحريض خارجي، لكنه لم ينجح، واستطاع النظام المدجج بالقوة والسلاح أن يخمد الشعب ويعيده إلى حظيرة الطاعة كي يستمر في معاناته من قمع الداخل وعقوبات الخارج.
ألم تفرض أمريكا عقوبات أقسى ألف مرة على العراق بعد غزو الكويت؟ ألم تمنع عنه حتى أقلام الرصاص والأدوات المدرسية على مدى ثلاثة عشر عاماً؟ ألم تستخدم برنامج النفط مقابل الغذاء لتركيع العراق وإسقاط نظامه؟ لكنها مع كل تلك العقوبات الشيطانية، ظل النظام صامداً، وظلت القيادة تدخن السيجار الكوبي الفاخر، بينما كان الشعب يموت من الفقر والجوع. لقد فشلت العقوبات في تركيع النظام، لهذا تدخلت أمريكا وبريطانيا عسكرياً بكل قواتهما البرية والجوية لإزاحة صدام حسين عام 2003 بعد ثلاثة عشر عاماً من التعذيب المنظم للشعب العراقي دون غيره.

من الضحية إذاً في العقوبات الغربية على مدى التاريخ الحديث؟ الشعب أولاً وأخيراً، بينما تستمر الأنظمة كما هي تنعم برغد العيش

هل تأثر النظام الليبي بقيادة القذافي من العقوبات الأمريكية على مدى سنوات وسنوات؟ بالطبع لا، فقد ظل القذافي وحكومته تنعم بما لذ وطاب من الملذات، بينما تضرر الشعب كالعادة. وعندما قررت أمريكا وشركاؤها إسقاط النظام، تدخلوا بمئات الطائرات. وهذا يعني أن العقوبات كانت لإيذاء الشعب فقط.
هل تضرر النظام السوداني من العقوبات الأمريكية على المستوى الرسمي؟ بالطبع لا، بل ظل الرئيس السوداني المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية يجوب العالم ضارباً عرض الحائط بالعقوبات الأمريكية والدولية. أما السودانيون كشعب فقد عانوا الأمرين جراء العقوبات على المستوى المعيشي والاقتصادي.
هل توقف الرئيس السوري وعصابته عن تناول أغلى أنواع الأسماك واللحوم والكافيار والمشروبات الكحولية على مدى السنوات الثماني الماضية بسبب العقوبات على نظامه؟ بالطبع لا، لا بل إن الرئيس السوري كان يتفاخر بأنه يمارس حياته الطبيعية، ويستمتع بها على أكمل وجه، بينما كان الشعب السوري يدفع ثلاثة أرباع راتبه على الأكل والشرب بسبب ارتفاع الأسعار وندرة السلع بسبب الحصار على سوريا.
هل أسقطت العقوبات النظام الكوبي بقيادة فيديل كاسترو على بعد ضربة حجر من الحدود الأمريكية، أم ظل نظام كاسترو صامداً حتى الآن رغم مئات العقوبات التي لم يتضرر منها سوى الكوبيين كشعب، بينما ظل النظام يتحدى أمريكا ويتبجح بمواجهتها.
ما فائدة العقوبات الغربية إذاً على الأنظمة؟ لا شيء أبداً، فلا يتضرر من العقوبات سوى الشعوب والأوطان، بينما تستمر الحكام والحكومات في ممارسة حياتها الاعتيادية وطغيانها الوحشي على الناس، وكأن شيئاً لم يحدث. والسؤال الأهم: لماذا تفرض أمريكا عقوبات لعشرات السنوات على بعض الأنظمة، ثم تتدخل عسكرياً بعد طول انتظار لإسقاطها بالقوة؟ ألم يكن من الأفضل أن تفعل ذلك في وقت مبكر كي توفر العذاب والمعاناة على الشعوب إذا كانت فعلاً تريد معاقبة الأنظمة القذرة وليس الشعوب، أم إن العقاب الحقيقي ليس للطغاة كلاب أمريكا، بل للشعوب والدول، وأن هؤلاء الطواغيت ما هم سوى أدوات في عملية التدمير الغربي المنظم لبلادنا؟ إذا كانت أمريكا والغرب عموماً جاداً في معاقبة الأنظمة التي يعتبرها مارقة وديكتاتورية، أليس التخلص منها بالقوة واستبدالها بأنظمة ديمقراطية أقل تكلفة بكثير على الشعوب والدول من العقوبات الشاملة التي تدمر حياة الناس والبلدان، بينما يبقى الطواغيت جاثمين على صدور الشعوب، فتصبح الشعوب بين مطرقة عقوبات الخارج وسندان الطغيان الداخلي.
هل فعلاً تعادي أمريكا الأنظمة المستبدة في بلادنا وتعاقبها، أم إنها تستخدمها كأدوات تدمير وابتزاز لأوطاننا فقط، ولا تتخلص منها إلا بعد أن تكون قد أدت مهمتها التدميرية والتخريبية على أكمل وجه؟

٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سلام عادل(المانيا):

    الامر الاخر انه بوجود عوائل حاكمة لن تسمح تلك العوائل الحاكمة لجيرانها ان تتمتع بالديمقراطية والحرية والعراق مثالا فرغم ان من اسقط نظام صدام هم حكام الخليج باموالهم ولكنهم ما كانوا ليقبلوا ان يكون العراق مستقر منذ البداية ويتمتع شعبه بميزات لا يملكها شعب الخليج ولذلك جعلوا الطائفية والعنصرية جزء من العراق الجديد وهكذا سيكون الامر في سوريا فلن يستطيع السني والكردي ان يتعايش كما في الماضي مع العلويين والاقليات.ان لم يتحرر شعب الخليج من حكامه ستبقى المؤامرات والدسائس على كل البلدان القريببة والعربية

  2. يقول سامح //الأردن:

    *من الآخر ؛- حتى نستوعب المشهد
    علينا الإعتراف أن(أمريكا) تعمل
    لمصلحة امريكا أولا وأخيرا..
    سلام

  3. يقول Walid Errin (Atlanta):

    مادور العقوبات ؟
    ليس إصلاح الأنظمة ولا الدول.
    بل الحصول على تنازلات، إن لم نقل تبعية تامة لامريكا
    د. فيصل، هل حال شعوب الدول غير المحاصرة (مصر مثلا) خير من المحاصرة (إيران).

  4. يقول أيمن:

    يجب أن تسقط حكومة بلاد الحرمين الشريفين لكي يتم إسقاط طواغيت المنطقة ، لأن استمرار حكم بني سعود هو استمرار حكم باقي الطواغيت .

  5. يقول الخالدي:

    يجب اسقاط السعوديون قبل الحديث عن اي دولة اخرى مثل الصهاينه اسقاطهم يعني اسقاط جميع الديكتاتوريات المظلمة وحتما ستسقط اسرائيل مباشرتا . لان الجيش الذي اسس نظام السعوديون هو نفس الجيش الذي اسس اسرائيل . والوثائق البريطانية تثبت ذلك . اذا لاقدس قبل الرياض

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية