عندما نقول لا للمتاجرة بالدين ولا للمتاجرة بالهويّة، نقول أيضا لا للمتاجرة بالأمازيغية التي تُعتبر رافدا حضاريا ومكوّنا أساسيا للهوية التونسية. فظاهرة التوظيف المغلوط للأمازيغية برزت على بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك خاصة). ومن يتمعن في هذه الصفحات يلاحظ حجم التفاعل الشعبي الذي تلقاه من خلال نقرات الإعجاب ونوعية التعليقات، فالفيسبوك يبدو تافها للكثيرين لكنه ناجع في استباق الظواهر السوسيولوجية التي قد تتكوّن نواتها إلكترونيا قبل أن تسود على أرض الواقع. العديد من صفحات التواصل الاجتماعي تستغل حالة التوتر لإثارة مسألة الهوية الأمازيغية بطريقة مريبة تقوم على خلق تناقضات شعبوية بين العروبة والأمازيغية أحيانا ،وبين الإسلام والأمازيغية أحيانا أخرى.. إذا كان استنهاض المسألة الأمازيغية في إطار سليم يقوم على أساس التنوع والتعايش والتكامل في إطار الهوية المركّبة المتناغمة، فلا بأس في ذلك. أما أن يقع الزج بالمسألة في المشاحنات والصدامات السياسية أو لغاية في نفس يعقوب، فهذا أمر مرفوض. تعود الأسباب السيكو- سوسيولوجية لهذه الظاهرة إلى المشهد السياسي القائم والتجاذبات التي تشهدها الساحة الاجتماعية-السياسية. فالزج بمسألة الدين والهوية في المزايدات الحزبية والسياسية، وتحويلها إلى صفقة تعقد من هنا وهناك مع هذا الطرف أو ذاك، وإصرار الحزب الحاكم على إدارة المجتمع انطلاقا من الإيديولوجيا الإخوانية، وانتشار ظاهرة التكفير والإرهاب والشعارات المعادية لليهود التونسيين، جعل شريحة واسعة من التونسيين تمارس تطرفا مضادا، فظهرت نزعات جديدة من االسلفية القوميةب كرد فعل طبيعي على الهويات المتطرفة التي برزت على الساحة. فانتشار ظاهرة النكوص أو الارتداد والتقهقر في النشاط النفسي إلى مرحلة سابقة، جعل الكثير من شرائح الشعب تنادي بالماضي لما تعانيه في الحاضر القائم لأنها تفتقد إلى الوسيلة الدفاعية من الواقع الحالي، والخطير في هذه الظاهرة أنها تقوم على النزعات التفكيكية بجعل مكونات الهويّة تتناقض فيما بينها وتتحول إلى أدوات صراع، وهذا ما قد يساهم في تفكيك الهوية الوطنية على المستوى المتوسط والبعيد. تناول المسألة بسطحية من خلال اعتبارها فتنة وتطرفا لا يحل القضية بل قد يساهم في تفاقمها نحو الأخطر. فالهويات المتطرفة تُضعف المناعة الوطنية وتساهم في تهديد الهوية الوطنية. فالعديد من صفحات التواصل الاجتماعي التي تتناول المسألة الأمازيغية تقف وراءها أطراف صهيونية تستغل الأمازيغية لضرب المكونات الأخرى للهوية االعروبة والإسلامب وذلك لأهداف مرتبطة بالبرنامج الصهيوني الإستراتيجي. ومن جهة أخرى هناك تيارات سياسية تستغل الأمازيغية لتعميق استقطابها الاجتماعي ولضرب الطرف السياسي الخصم. على الأطراف السياسية والاجتماعية أن تتحمل مسؤولياتها لأن المسألة خطيرة وليست مجرد أهواء عابرة، فالتطرّف يولّد التطرّف المضاد، والمجتمع التونسي لا تمكن إدارته بمثل هذه الإيديولوجيات السلفية – الإخوانية المتطرفة والمستوردة التي تقوم على سلعنة مفهوم الهويّة، فاستنهاض مركبات الهوية لا يكون سليما إلا في ظل نظام لا يتاجر بالتنوع الهوياتي المشترك. يوسف بلحاج رحومة