لا مبالاة إعلامية بشأن مأساة وطنية! سقطة الريسوني بين الأشقاء

ندد رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بلامبالاة الاعلام الجزائري، وغض الطرف عما يحدث من مآسي الحرائق المهولة، التي عرفتها عدة مناطق من البلاد، لا سيما المنطقة الشرقية منها. «شرق البلاد يحترق والقنوات تعرض أفلام السهرة… صح الإعلام مات في هذا البلد، والله لا يرحمه». تدوينة الإعلامي يوسف شنيتي على صفحته الرسمية على فيسبوك. وكتب السيد «الصغير باله» بعدما نشر واجهة العديد من الصحف، التي لم تول أي أهمية للحدث: «لاحظوا. الجزائر في مأساة. والصفحات الأولى لبعض الجرائد». والأكثر من ذلك فلا حداد على الأرواح التي سقطت. فلم يعد يهمنا سوى «الهروب» إلى حياة بعض «الأشخاص النكرة» لدى الجزائريين لاقتفاء آثار أقدامهم، فهذه ستقيم في دبي، و»أخرى اختارت المغرب وجهتها السياحية»! وبينما الناس في حداد يشيعون موتاهم بالجملة، هناك من يكرم «الشاب بيلو»، صاحب أغنية: نسكر ونسوق راقد»! تشجيع الشباب على السكر والسياقة وهو نائم». أي أن ولاية معسكر من قامت بهذا التكريم إن صح الخبر. باستهزاء دونت صفحة «شوف – شوف» تكريم على بحثه العلمي الأخير» أنا العديان غبنوني».

مسلسل الحرائق والقرابين البشرية

كل هذه اللا مبالاة، رغم عودة النيران وعودة المأساة الوطنية. نعم مأساة وطنية عندما تلتهم النيران النباتات والحيوانات والبشر. لم ننس بعد ضحايا ألسنة النار في «تيزي وزو» وبجاية وبعض جهات الشرق الجزائري، حتى اشتعلت النيران ذات يوم شديد الحرارة (50°) ورياح قوية زادت من سرعة انتشار اللهب في الطارف الرائعة والقالة السيدة المزينة بالمرجان والتي تضرجت بآلام موتاها، الذين لم يتم احصاؤهم الفعلي وتحديد عددهم. وبين فرضيات الطبيعة والتآمر البشري، تبقى الحصيلة مفجعة والناس في حالة ذهول، لا سيما وأننا نلدغ من الجحر عشرات المرات، لكننا لا نعتبر. كان بإمكان الجزائر وامكاناتها أن تحوز على طائرات أطفاء كثيرة وليس طائرة واحدة. ولم تأت من اسبانيا كما كان مقررا. أو أتت الطائرة الروسية، لكنها معطلة، أي في حكم «الخردة»، عندما لا تعين المستغيثين! تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي لحظة بلحظة ما تعرضت له المنطقة والناس فيها بألم شديد وبعجز أشد وسط «أهوال القيامة»، التي عاشها السكان والمارة ومن اختاروا الحظيرة المحمية لقضاء عطلتهم. من قضوا نحبهم حرقا. ومن ماتوا اختناقا. كان «أربعاء أسود»، كما كتب الأستاذ ضربان المهدي على صفحته في فيسبوك: « بعد الأربعاء الأسود في الطارف وسوق اهراس. لنكون من تاريخ اليوم واقعيين واستراتيجيين. رحمة الله على من ماتوا في حرائق الشرق الجزائري».
ودعا إلى العمل مستقبلا بخطة تتضمن عدة نقاط «أن تقتني الجزائر ومن تاريخ اليوم على الاأقل 10 طائرات إطفاء للحرائق. لا يهمني ما اسمها. أقول طائرات، لا حوامات صغيرة ولا تفي بالغرض. تسخر الطائرات لعمليات الاطفاء ولا تكون معطلة، مثل الطائرة التي استأجرناها من الحليفة روسيا الشقيقة. طائرة تشكل ترسانة لنا في القضاء على كل حرائق الوطن. أن تكون الحماية المدنية في حالة طوارئ وطنية دائمة لتنتقل كل الوحدات من كل الولايات بدون تعليمات من مدير أو وزير. ضرورة أن تزود المسالك الغابية بقنوات مياه في كل المناطق الغابية ليسهل لعناصر الحماية المدنية مد يد العون لعمليات الاطفاء».
كما دعا إلى ضرورة «توقف الحركة للسيارات والشاحنات وكل المركبات في الطرق الوطنية الولائية وحتى في المسالك الغابية «.
ويقصد بهذه النقطة الأخيرة احتراق الحافلة التي كانت تقل الركاب في قرية «المالحة» في الطارف وتفحم 12 شخصا، وهناك من يقول 8 أشخاص. وهناك من يقول أكثر، أي 23 راكبا. وينهي السيد ضربان، بعد حديثه عن العديد من التدابير الضرورية للوقاية من كوارث الحرائق بالقول وإن لم يكن «خبيرا أمنيا» فإن «بعض الأمور مدبرة فمن يحب الخير للجزائر»؟! حسب قوله. وعرج على الريسوني وتصريحاته، التي تدعو «للفتنة بين الشعوب». وفي نفس سياق أن «الأمور مدبرة»، نقرأ على صفحة «الجزائر- نيوز على الفيسبوك أن «كل المعطيات كانت ستؤدي إلى ردة فعل خبيثة، خصوصا بعد النجاح الكبير الذي حققته السياحة الجزائرية وانتشار أخبارها في كل العالم، خصوصا في الولايات الشرقية وما يجري اليوم خير دليل على ذلك. حرائق في كل من الطارف. القالة. سوق اهراس. جيجل. سطيف. قالمة. لا وجود للصدفة. كل شيء مفتعل». أما في صفحة «الكيميائي»، فنجد أن نبرة التدوينات بها تحيل إلى استهتار المسؤولين في البلاد وعن الغابات والكثير من القطاعات…» في حرائق غابات فرنسا الأخيرة أو حرائق كاليفورنيا كل سنة، تجد الدولة تقوم بإجلاء كلي للمواطنين كإجراء احترازي لتفادي الخسائر البرية. أما في الجزائر التي يعيش بها 70 في المئة من سكانها في قرى ومدن تقع في قلب غابات أو محاذية لها، وبعد 60 سنة لا توجد أي استراتيجية وطنية لمواجهة الحرائق التي تعتبر كوارث طبيعية». وفي تدوينة أخرى وعلى الصفحة نفسها «المرصد الأوروبي للحرائق كان قد حذر قبل أيام من احتمال اندلاع حرائق في الكثير من المناطق في حوض المتوسط يوم 17 أغسطس 2022. أين كان أكبر إنذار لحرائق كبيرة في هذا اليوم وفي كل دول البحر المتوسط؟ كان في أقصى شمال شرق الجزائر. ولايات الطارف وسوق أهراس، وكذا جندوبة التونسية. وهو ما حصل فعلا».
ويتساءل «الكيميائي»: «أين كانت الحكومة الجزائرية من هذه التحذيرات؟ أين كانت مصالح الأرصاد الجزائرية؟ أين كانت إدارة الغابات؟ كلهم متواطئون في الأرواح، التي احترقت واختنقت. والكثير منهم أطفال جاءوا لقضاء أيام عائلية سعيدة في حديقة حيوانات، وفي إحدى أجمل المحميات الوطنية. المحمية الوطنية للقالة هي أهم منطقة تنوع بيئي في الجزائر كاملة. فيها حيوانات ونباتات استثنائية». ويضيف «ما حصل هو جريمة مكتملة الأركان بسبب الاهمال العمدي المؤدي الى القتل». الله وحده أعلم.

الجهاد الباطل: عندما تحلل دماء الأخوة

تصريحات الريسوني، لا تليق برئيس اتحاد عالمي للمسلمين. ولا تخدم مصالح البلدان المغاربية، بل تدمرها. ولا تليق بكيان يحمل على عاتقه «سماحة» الإسلامي وكونيته، ومما صرح به الريسوني: وجود موريتانيا غلط وحتى الصحراء. وعلى المغرب أن يعود إلى حدوده قبل الغزو الاوروبي. يعني نحن الآن نثبت مغربية الصحراء ببيعة أهلها للعرش الملكي المغربي. لكن علماء موريتانيا وأعلام موريتانيا ما يسمى الآن بموريتانيا أي ما يسمى ببلاد شنقيط أيضا بيعتهم ثابتة. ورأيى بأن قضية الصحراء وقضية موريتانيا صناعة استعمارية. لكن الصحراء ما دام المغرب تمسك بصحرائه. فطبعا نقول مشكلة الصحراء صناعة استعمارية. وللأسف أن تتورط دول شقيقة وعربية وإسلامية في دعم وتبني هذه الصناعة الاستعمارية. شعب 35 مليونا مستعد أن يجاهد بماله وبنفسه وأن يتعبأ، كما تعبأ في المسيرة الخضراء. وأن يقطع آمال الذين يفكرون في فصل الصحراء، ولا في خلق أي مشكل للمغرب. المغرب مستعد إذا دعا جلالة الملك إلى مسيرة بالملايين. إذا دعا للجهاد بأي شكل. إذا دعا للجهاد بالمال نحن مستعدون. علماء المغرب. دعاة المغرب مستعدون أن يذهبوا ويقيموا بالأسابيع والشهور في الصحراء وفي تندوف. نحن لا نقوم بالمسيرة فقط إلى العيون، بل وبمسيرة لتندوف».
من تصريحاته على قناة «وطن 24». مثل هذه التصريحات المتعدية على حقوق الجيران والشعوب والمسلمين خطيرة وتؤجج المشاعر وتحقنها وعواقبها ستكون وخيمة – لا قدر الله – على المنطقة المغاربية بأكملها.
أدان رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر وموريتانيا، تلك التصريحات إدانة واسعة ومن طرف هيئات رسمية سياسية وأحزاب وتنظيمات دينية ومجتمع مدني. ولعل آخر ردود الأفعال بشأن تصريحات الريسوني، هو قيام جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بتجميد نشاطها في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يرأسه الريسوني. فعلى موقع «الإذاعة الجزائرية»، الذي أورد الخبر نقرأ أن السيد عبد الرزاق قسوم: «كشف عن تجميد نشاط الجمعية في الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين. واشترط للعودة تقديم اعتذار صريح ودقيق من رئيسها أحمد الريسوني أو استقالته من منصبه». كما دعت «الرابطة الرحمانية للزوايا العلمية إلى تنحية الريسوني من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مثلما جاء في موقع «أوراس»، حيث «اعتبرت الرابطة تصريحات أحمد عبد السلام الريسوني» إزاء الجزائر وموريتانيا تحريضا واضحا على الفتنة والاقتتال بين المسلمين. ودعت الرابطة إلى تنحية الريسوني من رئاسته بعد أن فقد مصداقيته».
كما «حث البيان الشعب الجزائري لنبذ الخلافات والوقوف صفا واحدا أمام من يهددون وحدته وحدوده وأمنه، كما دعا الشعب المغربي إلى الوقوف في وجه التطبيع ودعم القضية الفلسطينية». وكتب نذير طيار، أستاذ الرياضيات والشاعر ردا على تصريحات الريسوني: «إذا أردت قياس عقل الفقيه المسلم، فانظر إلى حديثه في السياسة، هل ينظر في عواقب ما يقول؟ وهل يراعي في مواقفه السياسية مصلحة المسلمين جميعا، أم مصلحة القطر الذي ينتمي إليه؟ وهل يقدم ولاءه للحاكم على ولائه للحق؟ وهل يفكر من داخل قوقعة المذهب أم بمنظور الدين الرحب والإنسانية الجامعة؟ الفقيه الذي يتبنى خطابا حربيا بين شعبين مسلمين يعاني خللا فظيعا في منهجه «المقاصدي» ورؤيته «الاعتدالية». الفقيه الذي يستعمل مصطلح الجهاد بالنفس والمال ضد بلد مسلم غير معتد يفقد كل مصداقيته العلمية». ويختم منشوره بالقول: «ما زلت عند رأيي أن بعض الفتاوى التي صدرت وتصدر بشأن صراعات سياسية عربية – عربية أو عربية – إسلامية هي مواقف سياسية مغلفة بخطاب ديني، لأن السياسة اجتهاد يدخل في باب الظن لا اليقين». نتساءل إذا لم تعد الجغرافيا تجمعنا ولا المشترك في التاريخ والثقافة يوحدنا، ولا حتى الدين بكل ما أتي من مقومات التلاحم والتآزر، فنحن أمم ستتفتت وتزول؟ أم هناك أمل يرسل خيوطه وسط الظلمات والتعنت والمهالك، عله يوقظ الضمائر المحتضرة بسبب السلطة السياسية وشهوات أخرى!
٭ كاتبة من الجزائر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول حليم:

    تحياتي لصاحبت المقال مشكورة كل الشكر ?

  2. يقول Saih:

    كلام الريسوني مجرد كلام اتفق معه من اتفق او اختلف معه من اخلتف..،

  3. يقول صقر قريش:

    منصب رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين ليس لعبة .

  4. يقول شهاب الجزائر:

    سيدتي
    اذا أمريكا و قوتها و قدرتها تعجز عن إطفاء حرائقها
    عندما تشتعل فما بالك بالجزائر.
    لماذا نحمل الدولة كل شيء .
    رحم الله الموتى و الشفاء للمصابين إن شاء الله.

    1. يقول أسامة حميد- المغرب:

      أولا يجب امتلاك الوسائل من طائرات قادفة للمياه وغيرها بعدها قارن أمريكا بالجزائر. أما في الظروف التي تتوفر فيها على طائرة واحدة مؤجرة ومعطلة تصبح المقارنة مع أمريكا عبثية…

  5. يقول يوسف المغربي:

    الدكتور أحمد الريسوني تناول مسالة تاريخية يتفق حولها حتى حكام الجزائر و هي ان الصحراء الشرقية مغربية تاريخيا و ان الاحتلال الفرنسي سيطر عليها بعد هزيمة المغرب في معركة إيسلي التي خاضها المغاربة للدفاع عن الجزاىريين.. و بعد هذه الهزيمة اجتاحت الجيوش الصحراء الشرقية المغربية… و صمتها إلى الجزائر التي كانت تعتبرها فرنسا حينها مقاطعة فرنسية… و اتفقت القيادة السياسة الجزائرية مع الملك محمد الخامس على إرجاع الصحراء الشرقية إلى المغرب بعد استقلال الجزائر.. لكن بعد صعود قيادة اخرى بزعامة بن بلة و بومدين تراجع الجزائريون عن إعادة الاراضي المغربية إلى حاضنة المغرب و خرجت هذه القيادة بأسطورة الحدود الموروثة عن الإستعمار و هذا الرد هو تاكيد على العديد من الاراضي الجزائرية هي مغربية في الاصل… فمتى كان الاحتلال هو الذي يرسم الحدود بين الدول؟ و بما ان الصحراء الشرقية مغربية فهذا الحق لا يقسط بالتقادم… و خلق جبهة البوليزاريو الانفصالية من النظام الجزائري كانت الغاية منهم هو إبعاد المغرب و إشغاله عن عدم المطالبة بالصحراء الشرقية المغربية…

إشترك في قائمتنا البريدية