لندن ـ ‘القدس العربي’ لغة غامضة اتسم بها بيان مجلس الامن القومي الامريكي حول استخدام نظام الرئيس بشار الاسد استخدام الكيماوي، وبيان يعكس تردد الرئيس باراك اوباما المستمر الانسياق للحرب في سورية، وفيه محاولة لارضاء كل الاطراف داخل ادارته.
ويعبر عن رؤية تريد احتواء الازمة في سورية وحلها عبر اجماع دولي. ولكن البيان والذي جاء فيه قرار لتسليح المعارضة السورية يثير اسئلة عن موقف الادارة وان كان البيان يشكل مرحلة لسياسة جديدة تجاه الازمة السورية، وان كانت امريكا فعلا سترسل الاسلحة، وما هي طبيعتها ولمن ترسل اليه؟ كما ان توقيت اعلان الادارة الامريكية وعلاقته بقمة الثماني التي ستعقد في مدينة فارما شمال ايرلندا، فهو اعلان مرتبط بالدرجة الاولى بموعد سفر الرئيس باراك اوباما للقمة حيث سيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين داعم الاسد. وستحضر المسألة السورية بقوة في اجتماعات يوم الاحد حسب ما اعلن ديفيد كاميرون، رئيس الحكومة البريطانية راعي القمة هذا العام، وفي المقام الثاني انتهاء وكالات الاستخبارات من تحقيقاتها.
ومن هنا فالاعلان عن تورط النظام السوري بالهجمات سيجعل من مهمة اوباما سهلة لاقناع الدول الحلفاء العمل والموافقة على اجراءات تتخذ ضد النظام السوري.
ويعكس القرار ايضا تغلب الجناح الداعي لتسليح المعارضة السورية في الادارة الامريكية ومن انصاره الكبار وزير الخارجية جون كيري على الجناح المتحفظ اي وزارة الدفاع – البنتاغون.
حلفاء غاضبون
وجاء بيان البيت الابيض ليلة امس ليؤكد خرق النظام السوري خط الرئيس باراك اوباما الاحمرـ عن استخدام السلاح الكيماوي وليؤكد في نفس الوقت عدم وجود ادلة عن استخدام المعارضة السورية المسلحة له وبالضرورة حيازتها لها. وتم التوصل الى الحكم بعد سلسلة من التصريحات المتضاربة من البيت الابيض والخارجية وداخل الكونغرس، ومحادثات وتشاورات مع العواصم الدولية والعربية الداعمة للثورة السورية، حيث اكدت الخارجية الفرنسية على ضرورة تحسين موقع المعارضة السورية قبل محادثات جنيف 2 بعد هزيمة قواتها في القصير الاسبوع الماضي. ومن هنا جاء البيان نتاجا طبيعيا للتطورات الميدانية في سورية. ولا يستبعد ان يكون دخول ادارة اوباما بهذه الطريقة مرتبطا بالتدخل الايراني العلني ودخول قوات حزب الله اللبناني التي كان قتالها في معركة القصير عاملا مهما في نجاح الجيش السوري لاستعادة البلدة الحدودية. واضافة لذلك فالاعلان هو بمثابة تتويج لسلسلة من اللقاءات التي نظمتها الادارة على جناح السرعة لدراسة الموقف فيما بعد القصير حيث عبرت الادارة عن خشية من انهيار قطاع كبير من المعارضة المسلحة. وفي تفسير للتطورات الجديدة تقول ‘نيويورك تايمز’ ان الموقف الامريكي الحذر ادى الى توتير العلاقة مع الدول الحليفة في الشرق الاوسط والتي وصفت سياسة اوباما تجاه سورية بالضعيفة ولم يستشر كل من الاردن والسعودية الولايات المتحدة في برنامج لتدريب قوات المعارضة السورية، وهو قرار نبع من اعتقاد حكومتي البلدين من الالتزام الامريكي الفاتر تجاه الازمة السورية حسب قول مسؤولين امريكيين. ومن تداعيات غياب القيادة القوية للازمة هو رفض الامارات العربية المتحدة استقبال مؤتمر لخوفها من تحول المؤتمرالى لعبة مماحكة وتبادل الاتهامات بين دول الخليج حول احسن طريقة لمساعدة المعارضة. ولوحظ ان الضغوط زادت على الرئيس في داخل امريكا حيث انضم الرئيس السابق بيل كلينتون الى الاصوات الداعية للتدخل العسكري والتي يقودها جون ماكين، المرشح الرئاسي السابق. وقال كلينتون يوم الثلاثاء اثناء لقاء خاص حضره ماكين ‘في بعض الاحيان من الافضل ان يلقى عليك القبض وانت تحاول ما دمت لم تلتزم’. وبدا شعور الادارة بضرورة عمل شيء من سلسلة من اللقاءات التي انعقدت على مستويات عليا في واشنطن بين المسؤولين لمناقشة مسار الفعل حول سورية، وقد تم تنظيم اللقاءات على جناح السرعة بعد سيطرة قوات الاسد على بلدة القصير حيث اثار سقوط المدينة مخاوف من انهيار قطاعات من المعارضة المسلحة.
اي اسلحة؟
ولم يتضح بعد طبيعة الاسلحة التي ستقوم واشنطن بارسالها الى المعارضة ولا الجدول الزمني، مع ان البرنامج ستشرف على تنفيذه وكالة الاستخبارات الامريكية (سي اي ايه) وسيشمل على اسلحة مضادة للدبابات.
وقالت صحيفة ‘واشنطن بوست’ ان شحن الاسلحة للمعارضة سيتم في غضون اسابيع وتحت اشراف المخابرات الامريكية والتي كانت على اتصال مع المجلس الاعلى للثورة السورية وسليم ادريس، حيث يحتاج تعاونها معه الى مصادقة من الرئيس، وبهذه الطريقة تتجنب الادارة التعقيدات القانونية حول تقديم اسلحة تستخدم للهجوم على دولة اخرى بدون مصادقة من منظمة دولية مثل الامم المتحدة حسب مسؤول امريكي نقلت عنه الصحيفة. ومن المحتمل ان يتم نقل الاسلحة الى المعارضة جوا عبر تركيا او الاردن او كليهما ومن ثم برا الى داخل سورية من خلال الممرات التي تقع تحت سيطرة المقاتلين. لكن تقديم الصواريخ المضادة للطائرات التي يطالب بها المقاتلون ليست محل تفكير في الوقت الحالي. وجاء قرار اوباما بعد عام من خطة تقدم بها مدير سي اي ايه السابق الجنرال ديفيد بترايوس ودعمتها وزيرة الخارجية السابقة ووزير الدفاع السابق ليون بانيتا القاضية بتسليح جماعات معينة من المعارضة السورية وهي الخطة التي رفضها اوباما في حينه. وحتى مع قرار الرئيس الدخول للحرب في سورية عبر تسليح المعارضة فلا تزال ادارته منقسمة وبشكل عميق حول طبيعة الدور الذي يجب ان تلعبه الولايات المتحدة في الازمة السورية لوقف العنف الذي حصد حتى الآن اكثر من 90 الفا حسب اخر الاحصائيات التي اعلنتها الامم المتحدة، ولا يستبعد ان يكون هذا الاعلان الاخير الذي جاء قبل فترة وجيزة من قرار الادارة عاملا من العوامل التي جعلت اوباما يتخلى عن موقفه المتردد. ووجه الخلاف حول الدور ينبع من اعتقاد بعض المسؤولين في الحكومة الامريكية ان شحن الاسلحة لجماعات معينة من داخل المعارضة المسلحة قرار متأخر ولن يغير من ميزان المعركة التي انحرفت ضد المقاتلين في الاشهر الاخيرة.
ويقولون ايضا ان الدعم العسكري المحدود الذي تعد واشنطن بتقديمه الان لن يصل الى مستوى الدعم العسكري الضخم الذي تقدمه ايران لحليفها الاسد حيث تم شحن معظم الاسلحة بالطائرات عبر الاجواء العراقية ومباشرة الى دمشق. ويقول المسؤولون ان وتيرة نقل الاسلحة وان توقف بعد الضغوط التي مارسها جون كيري على رئيس الوزراء نوري المالكي اثناء زيارته بغداد الا ان الرحلات استؤنفت مرة اخرى في بداية شهر ايار (مايو) الماضي حسب مسؤولين نقلت عنهم صحيفة ‘نيويورك تايمز’.
وشكلت الرحلات الجوية ودخول حزب الله للحرب الارضية التي دفعت بالنظام للتقدم على حساب المعارضة لدرجة اعتقادها ان تقدم الاسد لن يتم وقفه بدون وقف التسليح الايراني للاسد وتدمير المطارات العسكرية التي تستخدم لانزال الاسلحة ونقلها من مكان لاخر داخل سورية.
اثبات الكيماوي
والسؤال الذي يطرح الان هو عن الكيفية التي توصلت فيها الادارة لتحديد استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي ضد قوات المعارضة؟ فقد اكد اوباما في آب (اغسطس) العام الماضي ان اقدام النظام السوري على استخدام الكيماوي ضد معارضيه يعتبر بمثابة خرق للخط الاحمر، ثم عاد وكرر كلامه في زيارته لاسرائيل في اذار (مارس) الماضي عندما قال انه ان ثبتت التقارير عن استخدام دمشق للسلاح الكيماوي فستكون بمثابة تغيير لقواعد اللعبة. وفي اثناء هذا ومنذ ظهور تقارير عن استخدام للسلاح الكيماوي في منطقة خان العسل في حلب، ومناطق اخرى مثل حمص ودمشق تمسكت الادارة بموقفها الداعي للتثبت والحصول على ادلة قطعية عن هذا الاستخدام، كما وتحدثت عن عدم معرفتها بالجهة المسؤولة. وجاء موقف الادارة مخالفا لتأكيدات فرنسية وبريطانية وتركية. وفي شهر نيسان (ابريل) قال البيت الابيض في رسالة للكونغرس ان الادلة المتوفرة تتراوح مصداقيتها ودرجة الثقة بها. والان يقول المسؤولون ان النتيجة التي توصلت اليها الوكالات الامنية هي اكثر ‘قطعية’، حيث اشارت الى ان النظام السوري استخدام الاسلحة الكيماوية ضد المعارضة في اكثر من مرة وادت الى مقتل ما بين 100 -150 شخصا مع انهم يقولون ان الارقام قد تكون اعلى. وقد استند البيت الابيض في نتيجته الاخيرة على معلومات امنية عن حكومة الاسد، وشهادات عن هجمات محددة ووصف لاعراض حصلت على الضحايا، وهو ما ادى الى تغيير حسابات الرئيس اوباما. ووصف مسؤول تقرير سي اي ايه بقوله انه قام وقد توصلت الاستخبارات الامريكية لنتائجها من خلال فحص عينات دم وبول اخذت من مقاتلين احدهما قتل والاخر جرح اثناء مواجهات مع الجيش السوري قرب العاصمة دمشق، واظهرت العينات بعد الفحص ان المقاتلين تعرضا لغاز السارين.
مصير جنيف-2
ويعبر قرار الادارة عن تخل عن الحل الدبلوماسي الذي عولت عليه خلال العامين الماضيين لحل الازمة، فهي التي كانت تستعجل عقد مؤتمر جنيف -2 تقوم بابطاء عجلته لخشيتها ان جاء وفد الاسد لجنيف فسيفاوض من موقع قوة ولن يكون مستعدا والحالة هذه لتقديم تنازلات.
وقد تم تأجيل موعد المؤتمر منذ لقاء جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف اكثر من مرة. ويقول المسؤولون في الادارة ان التركيز الان سيكون على تعزيز قوات المعارضة قبل المؤتمر وليس على موعد عقده. وظل الدعم الامريكي قبل الاعلان متركزا على تقديم المساعدات الانسانية، الغذاء والدواء على الرغم من التشجيع غير المباشر للسعودية وقطر وتركيا لشحن اسلحة لداخل سورية. ففي شهر نيسان (ابريل) الماضي اعلنت الادارة تقديم 127 مليون دولار على شكل اجهزة ومعدات غير قتالية مثل عربات عسكرية، ولم تعلم الادارة الكونغرس عن نيتها ارسال هذه العربات ام لا. وبحسب القرار فسيتم شحن الاسلحة للمجلس الاعلى للثورة السورية. ولا بد من النظر في هذا السياق للطريقة التي قدمت فيها الادارة موقفها ضد الاسد واستخدامه للسلاح الكيماوي حيث قدمت نفسها عبر صورة الشريك المتردد، وهو ما بدا في تصريحات رودس، نائب مستشار الامن القومي مؤكدا على استبعاد خيار منطقة آمنة لان تأمينها صعب ليس من ناحية التكاليف فقط بل لصعوبة تحقيقها نظرا لتمازج السكان مع المقاتلين في مناطق الشمال. وعليه فقد اعتبرت صحف امريكية القرار ‘رمزيا’ لان قدرتها على تغيير ميزان الحرب يعتمد على طبيعة الاسلحة وكميتها التي ستقدمها للمعارضة، فتقديم اسلحة قتالية خفيفة لن يحدث تغييرا على المعركة لصالح المعارضة.
هل سياسة جديدة؟
وتساءل اندرو تابلر، الباحث في المعهد اليمني معهد واشنطن لابحاث الشرق الادنى ان كان القرار يمثل تغيرا في سياسة اوباما مجيبا بلا لانه ‘الخط الاحمر يعني تعزيزات عسكرية ولم نلاحظ هذه بعد’. ويرى ايان بلاك في ‘الغارديان’ ان البيان غامض والتقارير عن توسيع الادارة لبرامج الدعم في مجال الاسلحة الفتاكة للمعارضة السورية هو ببساطة يشبه الاعلانات الفرنسية والبريطانية اللتين دفعتا لرفع الحظر عن تصدير الاتحاد الاوروبي السلاح للمعارضة الشهر الماضي. وتنبع اهمية القرار بحسب الكاتب من انه مجرد توسيع ‘للمساعدة’ غير المعلنة التي تقوم بها الادارة للمجلس الاعلى للثورة السورية والذي يتلقى معظم الاسلحة الممولة من السعودية وبتنسيق مع سي اي ايه. ولاحظ بلاك ان اللغة الغامضة في بيان مجلس الامن القومي لا توضح ان كانت الولايات المتحدة هي نفسها من سيقوم بنقل الاسلحة مباشرة الى السوريين ام من خلال طرف اخر. وقال ان واشنطن التي تعاني من خلافات داخل وكالاتها الامنية تتبع سياسة بريطانيا بالتوقف مليا قبل ارسال الاسلحة، حيث تحول قرار تسليح المعارضة الى مسألة خلاف محلية بين الساسة في بريطانيا.
لقد بق بوتين البحصة وهذا ما يفسر تردد امريكا والغرب عن اسقاط نظام الاسيد والذي قال بالحرف الواحد ان بديل الاسيد هو الفوضى وهذا ليس في مصلحة اسرائيل يعني ببساطة ان وقوفة مع الاسيد هو لمصلحة اسرائيل فقط لا غير