بيروت- “القدس العربي”:
فتح اللبنانيون صفحة جديدة مع بداية سنة 2024 تحمل في طياتها تركات ثقيلة من سنة 2023 أبرزها المواجهات الدائرة على الجبهة الجنوبية التي تنذر بتوسع رقعتها واستحقاق رئاسة الجمهورية وتحدي التعيينات العسكرية والخروج من الازمة الاقتصادية.
وفي غياب أي تقدم للاتصالات الهادفة إلى احتواء المعارك في الجنوب في ظل رفض حزب الله أي بحث في تطبيق القرار 1701 قبل وقف الحرب الاسرائيلية على غزة والعدوان على الحدود، فقد اجتازت البلاد ليلة رأس السنة بالدعوات لمنع الاحتفالات ببداية العام الجديد والدعوة إلى التظاهر في ساحة الشهداء تضامناً مع قطاع غزة ما دفع بوزير الداخلية بسام مولوي والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان لاتخاذ كل الاجراءات الكفيلة بحماية حرية الناس في السهر في وسط بيروت وتجنب أي احتكاكات أو صدامات.
الراعي وانتخاب الرئيس
وقد حضرت هذه التحديات في عظة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي شدّد على اهمية بناء السلام والحياد بقوله: “صنع السلام بطولة وانتصار، أما الحرب والنزاعات فضعف وانكسار”، واضاف “احرصوا أن تسالموا، إن أمكن، جميع الناس.. هذا هو الدور الطبيعي المعطى للبنان بحكم ثقافته السلامية ونظامه السياسي المميز بثلاثة:
أ- ميثاق العيش المشترك في الوحدة (سنة 1943) هذا الميثاق كرّسه اتفاق الطائف (1989) بجعل لبنان وطنًا مشتركًا مسيحياً-إسلامياً، يرتكز على فكرة قبول الآخر وحق الآخر بالاختلاف. كرّس الدستور (1990) مبدأ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، بغض النظر عن العدد. قال أحد رؤساء الوزارة السابقين المغفور له رشيد كرامي، عن هذا الميثاق الوطني: “لنعمل لما يُغنيه ولا يُلغيه”.
ب- رئيس الجمهورية هو “رئيس الدولة” (المادة 49 من الدستور) “رئيس الدولة” يعني ضامن المصلحة العامة. مهما كان مستوى الاندماج والتضامن بين 18 طائفة في لبنان لا يستقيم من دون رئاسة جمهورية. فرئيس الجمهورية ضامن الشأن العام، والمصلحة العامة العابرة لكل الانتماءات الطائفية، ليس رئيس عائلة أو فئة أو طائفة، بل رئيس كل الدولة.
ج- حياد لبنان هو هويته الأساسية والجوهرية التي تمكنه من عيش رسالته في بيئته العربية. إن حياده عن الصراعات الإقليمية والدولية هو في صلب ميثاق 1943، وميثاق جامعة الدول العربية، وسياسة لبنان الخارجية الرسمية منذ 1943، وكل قرارات الأمم المتحدة، وكل البيانات الوزارية منذ الاستقلال”.
وأكد الراعي أن “عدم انتخاب رئيس للجمهورية، والتحجج بأسباب واهية غير مقبولة، وقد سمعنا مؤخراً من يشترط لانتخاب الرئيس وقف النار النهائي في غزة، كل هذه تعني القضاء على الميزات الثلاث التي ذكرنا. وهذا أمرٌ مُدان وغير مقبول على الإطلاق. ونكرر أن من واجب المجلس النيابي، إذا كان سيد نفسه، أن ينعقد وينتخب رئيسًا للجمهورية، فالمرشحون معروفون وممتازون. أما ماذا يُخبئ المعطلون، فبات واضحًا من نتيجة الممارسة في ظل هذا الفراغ”.
وكان البطريرك الراعي رفض “امتداد الحرب إلى جنوب لبنان”، مشدداً على “وجوب إيقافها وحماية اللبنانيين وبيوتهم وأرزاقهم، فهم لم يخرجوا بعد من نتائج الحرب اللبنانية المشؤومة”، وطالب “بإزالة أي منصة صواريخ مزروعة بين المنازل في بلدات الجنوب التي تستوجب ردًّا إسرائيليًّا مدمراً”، سائلاً “أهذا هو المقصود؟ فليحترم الجميع قرار مجلس الأمن 1701 بكل بنوده لخير لبنان”، ومتأسفاً “للحملة التحريضية والمسيئة والخارجة عن الأخلاق والحقيقة التي وُجهت إلى سيادة أخينا المطران موسى الحاج رئيس أساقفة حيفا والأراضي المقدسة”، قائلاً “إننا نرفض وندين كل ما كُتب بحقه في وسائل التواصل الاجتماعي أو قيل كذبًا في محطات التلفزة والإذاعات، وما سُمّي “إخبارًا” كل هذه تمسّ بشخص هذا الأسقف الماروني الوقور وكرامته الأسقفية وفينا شخصيًّا “كأب ورأس” للكنيسة المارونية، وتستوجب الملاحقة القضائية لأصحابها المغرضين”.
الوضع الميداني
ولم تعرف الجبهة الجنوبية مع بداية العام الجديد الهدوء إذ بقي التوتر مسيطراً مع دوي صفارات الانذار في الجليل وحانيتا ورأس الناقورة، حيث أوردت القناة 12 الاسرائيلية أن صاروخاً مضاداً للدروع أطلق من لبنان في اتجاه المطلة فيما أسقط جيش الاحتلال مسيّرة لحزب الله اخترقت أجواء تل ابيب آتية من لبنان، وسط قصف مدفعي اسرائيلي على أطراف بلدة طيرحرفا وبنت جبيل ومارون الراس. وحلّق الطيران التجسسي الاسرائيلي بكثافة فوق البلدات الجنوبية منفذاً طلعات استكشافية على مستوى متوسط فوق قرى وبلدات قضاء حاصبيا وصولاً إلى الهرمل وقرى القضاء. وأطلقت مسيّرة معادية صاروخين على بلدة كفركلا قرب محطة الشامي وصاروخين مماثلين على أحراج منطقة اللبونة جنوب الناقورة في ظل إعلان الجيش الاسرائيلي عن قصف خلية لحزب الله قبيل إطلاقها طائرات مسيّرة. وأفيد عن رفع جيش الاحتلال منطاداً تجسسياً فوق تلة الغضاين قبالة بلدتي الضهيرة وعلما الشعب.
وترافقت هذه الاعتداءات مع كلام مسؤول اسرائيلي لوكالة “رويترز” بأنه “لن نسمح للوضع على الجبهة اللبنانية بالاستمرار وبأن الاشهر الستة المقبلة حرجة”.
مغامرات العدو
في المقابل، اعلن نائب الأمين العام في حزب الله الشيخ نعيم قاسم أن “على إسرائيل أولاً أن توقف حرب غزَّة لتتوقف الحرب في لبنان، ومع التمادي في قصف المدنيين في لبنان هذا يعني أن الرد سيكون أقوى وسيكون متناسباً مع العدوان الإسرائيلي”. وقال: “نحن اتخذنا قرارنا بأن نكون في حالة حرب ومواجهة على جبهة الجنوب في مواجهة إسرائيل، لكن بتناسب ينسجم مع متطلبات المعركة، أما أن تتمادى إسرائيل فسيكون الرد عليها أقوى، وأما أن تهدد إسرائيل فلا قيمة للتهديدات لدينا، لأننا سنكون جاهزين وحاضرين ونحن لم نخض هذه المعركة نزهة أو عن عبث، بل خضناها لأنها واجبة من أجل وضع حد لهذا العدو الإسرائيلي وغطرسته واستمراره في انتهاك الحرمات وفي عدوانه الخبيث واللئيم على غزة، رغم أننا نعلم أن التضحيات التي نقدمها كبيرة ولكن هذه التضحيات مهمة ومطلوبة وتدفع تضحيات أكبر، وتكسر مشروعاً خطيراً على فلسطين والمنطقة”.
بدوره، اشار عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب علي فياض إلى “أن العدو الإسرائيلي يمضي في مغامراته المجنونة، وهو في قلب المأزق، فاذا اوقف الحرب في هذه اللحظة فهي هزيمة نكراء له لانه ليس باستطاعته على الإطلاق أن يتحدث عن أي إنجاز يُذكر”. ورأى “أن العدو لم يستطع ان يوقف أعمال المقاومة فضلاً عن هدفه الذي اطلقه شعاراً لهذه العملية العسكرية وهو سحق المقاومة، وهذا الامر على العكس تماماً انما المقاومة تؤكد في كل لحظة انها لا تزال على فعاليتها وعلى قدراتها وبحسب معلوماتنا التي يرسلها الأخوة المقاومون في غزة ان المقاومة لا تزال على امكانياتها وقدراتها وجاهزيتها وفعاليتها، وهي تطمئن من يتولون ادارة القرار السياسي ان المقاومة لا تزال بألف خير”.
وختم فياض: “من يريد أن ينفذ القرارات الدولية عليه في البداية، ان يمارس ضغوطه على العدو الاسرائيلي الذي لا يحترم لا القانون الدولي ولا القرارات الدولية، وهو الذي يعتدي ويحتل هذه الأرض، أما المقاومة في لبنان فهذا شأن لبناني سيادي ولا أحد على المستوى الدولي لا قوى ولا مؤسسات دولية معنية بهذا الأمر فهذا امر سيادي يمارسه اللبنانيون دفاعاً عن ارضهم وسيادتهم وسعياً لتحرير ارضهم المحتلة”.
إنهاء المحكمة الدولية
على خط آخر، أنهى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رسمياً أعمال المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي أنشئت بقرار من مجلس الأمن لمحاكمة قتلة الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري ورفاقه في تفجير وسط بيروت عام 2005. وقال المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوجاريك “إن المحكمة الخاصة عقدت جلسات غيابية، وقضت بإدانة 3 أفراد هم سليم جميل عياش، حسن حبيب مرعي، وحسين حسن عنيسي، في ما يتعلق بهجوم 14 شباط فبراير 2005، وحكمت عليهم بالسجن المؤبد 5 مرات”.