جاءت نتيجة التصويت لكل من فرنجية وأزعور لتعزز القناعة بأن ميزان القوى لا يسمح لأي فئة بإيصال مرشحها ما يفترض التفتيش عن خيار ثالث وإلا سيطول الفراغ الرئاسي.
بيروت ـ «القدس العربي»: أي انطباعات يمكن للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان أن يخرج بها بعد زيارته الماراثونية إلى لبنان ولقاءاته الكثيرة التي لم توفّر مكوّناً سياسياً، وأي تصوّر سيضعه أمام الإدارة الفرنسية بعد زيارته الأولى إلى وطن الأرز قبل عودته في زيارة أخرى لحمل أفكار ومقترحات خلافاً لزيارته الأولى التي كان فيها مستطلعاً ومستمعاً؟
أولى الانطباعات التي يحملها معه لودريان هي: أن الثنائي الشيعي المكوّن من حزب الله و«حركة أمل» متمسك بمرشحه سليمان فرنجية وليس في وارد البحث حالياً في خطة «ب» معتقداً أن الأصوات الـ 51 التي نالها فرنجية في جلسة انتخاب الرئيس في 14 حزيران/يونيو مرشحة للارتفاع.
ثاني الانطباعات هي أن الفريق الذي تقاطع على دعم ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور تخلّى عن دعم ترشيح النائب ميشال معوض الذي كان يُنظَر له من قبل الثنائي الشيعي على أنه مرشح تحد أو مواجهة، واختار من يرى فيه مرشحاً لا يشكل تحدياً لأحد، وكان يمكن لو لم يتعطل نصاب الجلسة أن ينال في الدورة الثانية 65 صوتاً تؤهله للفوز بالرئاسة بعد حسم بعض المترددين قرارهم.
أما الخلاصة التي قد يتوصل إليها الموفد الفرنسي هي أن الانقسام الحاد بين اللبنانيين والتوازن السلبي الذي أنتجته جلسة انتخاب الرئيس في 14 حزيران/يونيو لا تتيح تغليب رأي فريق على آخر أو أن يقوم الثنائي الشيعي مهما بلغ فائض القوة لديه بفرض إرادته على باقي اللبنانيين وتحديداً المسيحيين الذين تقاطعوا على التصويت للمرشح جهاد أزعور. وقد جاءت نتيجة التصويت لكل من سليمان فرنجية وجهاد أزعور لتعزز القناعة بأن ميزان القوى لا يسمح لأي فئة بإيصال مرشحها ما يفترض التفتيش عن خيار ثالث حول مرشح توافقي وإلا سيطول الفراغ الرئاسي.
وحسب المعلومات فإن لودريان طرح في خلال لقاءاته فكرة الحوار للتوافق على مرشح رئاسي من دون الدخول في الأسماء علماً أن اجتماعه ببعض الأسماء الوسطية في قصر الصنوبر كالوزير السابق زياد بارود تشكّل إشارة لافتة لاستخلاص العِبَر.
ولكن هل تتوقف مهمة لودريان عند الانطباعات والخلاصات فقط أم سينتقل إلى مرحلة ثانية بدعم من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي طرح الملف اللبناني مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان؟ وهل تنتقل الإدارة الفرنسية إلى مرحلة جديدة كما لمست قيادات لبنانية لجهة طي الصفحة السابقة التي تبنّت فيها باريس المقايضة بين انتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية إرضاء للثنائي الشيعي مقابل الاتيان برئيس حكومة يُرضي الفريق الآخر؟
وفقاً لمطلعين فإن لودريان سمع من بعض القيادات اللبنانية أن الاستحقاق الرئاسي يفترض الاحتكام إلى اللعبة الديمقراطية وترك الجلسات النيابية مفتوحة ليصل من يصل إلى الرئاسة إما فرنجية أو أزعور إذا كان الطرف الداعم للمرشحين مقتنعين بالقدرة على إيصال مرشحه إلى بعبدا، وإلا فعلى الثنائي الشيعي التخلي عن مرشحه للوصول إلى مرشح توافقي، وإلا التدخل لدى إيران كي تطلب من فريقها السياسي والعسكري الممانع في لبنان ملاقاة المعارضة إلى مساحة مشتركة على غرار تخلي المعارضة عن معوض والتقاطع على أزعور، ماذا وإلا سيستمر «البلوكاج» حسب تعبير لودريان بعد زيارته البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، ما يعزّز إبقاء لبنان في دوّامة الشغور الذي سيتحمّل مسؤوليته الفريق المعطّل وغير المتجاوب مع الطروحات التوافقية الذي يستمر في رفع معادلة «مرشحي أو الفراغ».
ومع تجدّد المسعى الفرنسي يتبيّن أن فرنسا ما زالت تحاول الحفاظ على دورها التاريخي في لبنان على اعتبار أنها «الأم الحنون» وهي لطالما وقفت إلى جانب الشعب اللبناني ككل وليس فقط إلى جانب الموارنة بدليل علاقتها المتينة التي ربطتها بالرئيس الشهيد رفيق الحريري في عهد الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك وعلاقتها المتوازنة التي تربطها بمعظم الفئات اللبنانية وخصوصاً الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وفي خلال كل ذلك رعايتها مؤتمر «سان كلو» ومسارعة رئيسها إيمانويل ماكرون لزيارة بيروت غداة الانفجار المدمّر في مرفأ بيروت، وهو ما يعبّر عن عاطفة فرنسية تجاه لبنان منذ ما قبل الانتداب مروراً بالاستقلال ونقل التجربة الرائدة في التعليم والحرية والمساواة بحيث شكّل لبنان جسراً بين الشرق والغرب.
وتعتبر أوساط مسيحية أن فرنسا بإعادة تصويب مبادرتها وتراجعها عن المقايضة بدل الاستسلام لتصلّب الثنائي الشيعي تكون عادت إلى موقعها الطبيعي إلى جانب من يدافع عن الدستور ويرفض الاستقواء والهيمنة، كما تكون حافظت على مبادئها وقيمها الديمقراطية وعدم مبادلتها بمصالح اقتصادية وتجارية على حساب إرثها الحضاري، إذ لا يمكن لأحد أن يتصوّر وقوف فرنسا في مواجهة من انتفضوا في 14 آذار/مارس أو في 17 تشرين الأول/أكتوبر ضد منظومة أفلست البلد وتحاول تغيير هويته وفرض مشروع رجعي لا يشبه الحداثة والإصلاح بشيء، ولا يمكن كذلك لأحد أن يتصوّر قبول فرنسا بإستئثار فريق بتسمية رئيس لأرفع منصب ماروني في البلد كثمن لموافقته على ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.