سوف لن تخلو الجلسة النيابية من تبادل اتهامات بين بعض نواب المعارضة والموالاة حول مَن سهّل وغطى دخول النازحين السوريين ومن اختلافات حول موقف السلطات السورية من عودة النازحين.
بيروت ـ «القدس العربي»: على الرغم من كرة النار المتدحرجة على الجبهة الجنوبية والتي لا أفق بعد لأي حل لها طالما الحرب الإسرائيلية متواصلة على غزة، فإن ملف النزوح السوري وتداعياته على لبنان أخذ يتصاعد في الأيام القليلة الماضية في ظل انخراط البطريركية المارونية والأحزاب المسيحية في الحملة الضاغطة لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم. وكان لافتاً تنظيم بكركي برئاسة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي طاولة وزارية نيابية مع بعض الخبراء لوضع تصور وتوصيات عملية في هذا الملف عشية الجلسة النيابية العامة لمناقشة الحكومة يوم الأربعاء حول موضوع المليار يورو المقدم من الاتحاد الأوروبي على مدى 4 سنوات والذي قرأ فيه سياسيون أنه «رشوة» لإبقاء النازحين على الأرض اللبنانية، رافضين أن يكون لبنان أرضاً للبيع أو للإيجار.
ويأتي هذا التحرك الضاغط قبل انعقاد مؤتمر بروكسل نهاية أيار/مايو الحالي حيث سيتم عرض ملف النزوح بكل تأثيراته السلبية على لبنان وعلى أوروبا في ضوء مخاوف قبرص التي عبّر عنها الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس من الهجرة غير الشرعية إلى الجزيرة والتي حملته لزيارة بيروت مرتين حيث رافقته في الجولة الثانية رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التي تسببت تصريحاتها بنقزة كبيرة لدى شرائح واسعة من اللبنانيين ولاسيما حديثها عن «الهجرة الموسمية للبنانيين إلى دول الاتحاد الأوروبي» وإطراء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على كلامها، الأمر الذي عرّضه لسلسلة من التهجمات والانتقادات خلافاً لما حصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي نفى مناقشة مسألة المليار يورو معه خلال اجتماعه بالرئيس القبرصي ورئيسة المفوضية الأوروبية، ليتبيّن في وقت لاحق أن هذا المليار ليس إلا زوبعة في فنجان، وهو نفسه المبلغ الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي كمساعدة سنوية للبنان بواسطة منظمات الأمم المتحدة وبعض الجمعيات غير الحكومية بقيمة تتراوح بين 140 و160 مليون يورو مع زيادة بسيطة تقدر بحوالي 40 مليون يورو لحاجات الجيش اللبناني والقوى الأمنية ليتحوّلوا كما يتمنى الاتحاد الأوروبي خفر سواحل لمنع انطلاق مراكب الهجرة غير الشرعية من الشواطئ اللبنانية إلى القارة الأوروبية.
كل هذه الأمور ستُطرح في مداخلات النواب في جلسة الأربعاء النيابية التي سيختلط فيها حبل المزايدات بنابل الحرص على عدم التحريض وضرورة التواصل مع النظام السوري، ولن تخرج الجلسة بأكثر من توصية بقبول الهبة الأوروبية أو ردها مع اشتراط عدم اقترانها بأي شروط على الدولة اللبنانية ودعوة الحكومة إلى التشدد في إجراءاتها لضبط النزوح وفقاً لتعاميم وزارة الداخلية وتنفيذ المذكرة الموقعة بين المديرية العامة للأمن العام ومفوضية شؤون اللاجئين لجهة اعتبار لبنان بلد عبور وليس بتاتاً بلد لجوء إضافة إلى مطالبة المفوضية بتسليم الداتا الكاملة للنازحين السوريين المسجلين على لوائح المفوضية.
ولن تخلو الجلسة النيابية من تبادل اتهامات بين بعض نواب المعارضة والموالاة حول مَن سهّل وغطى دخول النازحين السوريين منذ عام 2011 كما لن تخلو من اختلافات حول موقف السلطات السورية من عودة النازحين حيث ستحمّل المعارضة النظام السوري مسؤولية رفض عودتهم لأسباب سياسية وديموغرافية أو ربط هذه العودة بإعمار المناطق المهدمة، فيما سيدعو نواب الممانعة إلى فتح حوار مع السلطات السورية لاسترجاعهم علماً أنه سبق لوزير الخارجية عبدالله بو حبيب أن زار دمشق وكذلك فعل المدير العام للأمن العام من دون تسجيل أي تقدم يُذكر.
وكان حزب القوات اللبنانية نجح بعد مقتل منسّق منطقة جبيل باسكال سليمان في تحريك ملف النزوح بقوة وقام وفد من تكتله النيابي برئاسة النائبة ستريدا جعجع بجولة على المرجعيات الرسمية وقائد الجيش العماد جوزف والمدير العام للأمن العام بالانابة اللواء الياس البيسري للحض على تنفيذ تعاميم وزارة الداخلية التي تنص على ترحيل أي نازح سوري غير شرعي مقيم على الأرض اللبنانية والضغط على البلديات للالتزام بمضمون هذه التعاميم وشرح مخاطر النزوح السوري على التركيبة اللبنانية وتوازناتها، وهو ما شرحه أيضاً البطريرك الراعي و«تكتل لبنان القوي» في خلال جولاته الأخيرة وتحركه الاحتجاجي أمام «الأسكوا» في وسط بيروت.
وقد ترددت أصداء هذه التحركات في أروقة واشنطن ونيويورك من خلال جولة الوفد النيابي المعارض الذي طرح هذه القضية بموازاة تطبيق القرار 1701 في جنوب لبنان في ظل تصعيد العمليات على طرفي الحدود.
غير أنه وفي غمرة هذا التحرك الضاغط ثمة من لاحظ محاولات لتنفيسه من خلال تسريب أخبار عن تنظيم قوافل لعودة النازحين السوريين إلى سوريا في الأيام القليلة المقبلة حيث تباينت الأرقام بين قائل إن القافلة تضم ألفي شخص وقائل إنها لا تتعدى 400. وقد كانت هذه الأخبار محور تعليق مستهجن لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي لم يرَ فيها سوى «قوافل غب الطلب في محاولة لامتصاص النقمة الشعبية والسياسية والوطنية وطي الملف» منتقداً المسؤولين في الحكومة الذين «لا يعالجون هذا الملف بالجدية المطلوبة ويواصلون إهدار الوقت، لأننا نتحدث عن مليون و700 ألف مهاجر سوري غير شرعي على الأقل موجودين في لبنان وليس عن بضع مئات أو آلاف أو حتى عشرات الآلاف».
فهل يتم التعاطي بعد جلسة الأربعاء مع ملف النزوح بمسؤولية وطنية مشتركة وأي توصية يمكن أن تصدر عن الجلسة بعيداً عن محاولات التسويف أو المزايدات السياسية؟