بيروت- “القدس العربي”:
عاد الاشتباك السياسي بوضوح بين الرئاستين الأولى والثانية، وكان هجوم محطة NBN التابعة لرئيس مجلس النواب نبيه بري على رئيس الجمهورية ميشال عون حول تدخله في القضاء وعرقلته التشكيلات القضائية أحد فصوله. ويبدو أن الرئيس بري يتعامل مع أي أسلوب كيدي معه أو أي محاولة لفتح ملفات على طريقة “الرطل بدو رطل ونص”، وقد وصلت رسالة بهذا المعنى إلى القصر الجمهوري.
وقد انتقل الاشتباك الرئاسي إلى المقربين من عون وبري، إذ بادر أمين سر “كتلة التنمية والتحرير” النائب أنور الخليل إلى اتهام رئيس الجمهورية “بانتهاك الدستور من خلال تسليم الرئيس المكلف سعد الحريري طرحا حكوميا متكاملا، بينما المادة 64 من الدستور تُنيط بالرئيس المكلف تشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها”.
وردا على الخليل قال مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي: “كنت آليت على نفسي ألا أرد على أمين سر كتلة “التنمية والتحرير” النائب أنور الخليل لأكثر من اعتبار، وقد يكون في مقدمة الاعتبارات الشيب والوقار، إلا أنه خرج عن وقاره مجددا وتكرارا باتهام رئيس الجمهورية بخرق الدستور، وهو مصرفي عريق لا يبدو أنه يعرف أحوال الدساتير بقدر ما يعرف صناعة الأموال”. وأضاف: “إن خرق الدستور، يا سعادة النائب الوقور، تهمة خطيرة، لا تدرك حجمها وعواقبها وتبعاتها، ما يجعلني أنصحك بأن تعود إلى رئاسة كتلتك قبل التسرع والتهور في إطلاق مثل هذه التهم جزافا، عل في العودة هدأة”.
وعاد الخليل ليرد على جريصاتي بالقول: “لأن القاضي جريصاتي رد بكلام سياسي عام لا يمت إلى مضمون التغريدة في الموضوع الدستوري بصلة. قيل في عهد الرئيس فؤاد شهاب: “لا يُقتَل العهد دائما بسهام خصومه. يُقتَل غالبا بنصائح مستشاريه”. يبدو أن هذا القول يصح في عهد الرئيس عون”.
القوات والضاهر
وعلى خط آخر، وبعدما فتحت المؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناسيونال فجأة ملفات الفساد يمينا وشمالا، ومن بينها أخيرا ما تم التفاهم عليه بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر في معراب لتوزع المسؤوليات والشراكة في السلطة في انتقاد منها للمحاصصة بين الطرفين، ردت الدائرة الإعلامية في حزب “القوات اللبنانية” بعنف على المحطة ومديرها العام الشيخ بيار الضاهر ببيان مطول أعادت فيه التذكير بملكيتها للمحطة ووضع الضاهر يده عليها.
القوات ترد على LBCI مستحضرة سوء أمانة الضاهر والتدخل السياسي لعدم استرجاع المحطة
وجاء في البيان: “إن ما جاء في مقدمة أخبار “إل بي سي” في سياق نشرتها وخصوصا عن الفساد، ينطبق عليه القول المأثور: “الفاجرة تحاضر بالطهارة والعفة”. فآخر من يحق له تناول القوات اللبنانية بالتجريح والسوء هو ذاك “الابن الضال” الذي لم يكتف بإساءة الأمانة في ما اؤتمن عليه، بل بلغت به الوقاحة حد تنصيب نفسه مرشدا إعلاميا أعلى للجمهورية اللبنانية، يحلل ويحرم على هواه، ويمنح شهادات حسن سلوك وأخلاق وأمانة ونزاهة وشرف لمن يدفع له أكثر، ويسخر المنبر الذي استولى عليه إلى حين بقلة الضمير والمصداقية وكثرة الوساطات والتدخلات السياسية، من أجل الطعن في مصداقية وأخلاقية وشرف ونزاهة الحزب الذي يعرف جيدا جدا قصته مع موضوع الأمانة والنزاهة والأخلاق عن ظهر قلب”.
وأضاف البيان: “يهم الدائرة الإعلامية في القوات اللبنانية توضيح الآتي:
أولا: جاء في مقدمة أخبار “إل بي سي”: قضاؤنا مسيس، وقضاتنا يُعينون بإشارة سياسية من هذا الفريق أو ذاك… قضاء، مع وقف التنفيذ، لا يجرؤ على فتح ملف فساد واحد، إلا إذا أخذ “الضوء الأخضر من الطرف المحسوب عليه… وإذا فتح الملف… نيمه في جوارير العدل و”فهمكم كفاية”.… هذا الكلام صحيح جدا، وينطبق أكثر ما ينطبق على القضية القضائية المتعلقة باستعادة هذه المحطة التي يعرف القاصي والداني بأنها ملك للقوات اللبنانية منذ نشأتها، والتحقيقات كلها كشفت كم أن رئيس مجلس إدارتها امتهن الكذب والتلفيق بادعائه أن عملية بيع وشراء قد تمت. وعلى الرغم من ذلك كله امتنع القضاء عن إنصاف القوات بسبب التدخلات السياسية الفاضحة التي استجداها المذكور على عمل القضاء بغية تنويم الملف أو حرفه عن مساره الصحيح، لعلمه اليقين أن قضيته من حيث القانون والقضاء والحقيقة والرأي العام خاسرة من النواحي والوقائع والاتجاهات كلها.
ثانيا: لقد أسقطت نشرة أخبار إل بي سي عن سابق تصور وتصميم الشق السياسي كله من اتفاق معراب وخصوصا ورقة النقاط العشر التي تُعنى بقيام الدولة السيدة القوية القادرة، وذلك بالتركيز فقط على الشق المتعلق بالمشاركة في السلطة، ولكن غاب عن بال المحطة المذكورة أن تطبيق الشق السياسي كما هو منصوص عليه في الاتفاق، كان ليجعل الجوانب الأخرى كلها من الاتفاق لزوم ما لا يلزم بالنظر إلى أن قيام الدولة القوية العادلة يلغي بالأساس منظومة المشاركة كلها من جذورها، وهو ما كان يحقق للقوات طموحاتها الوطنية والاستراتيجية. والحق يقال، إن الشق المتعلق بالمشاركة في السلطة الذي شددت القوات في الوقت ذاته على ضرورة تلبيته معايير الكفاءة والنزاهة والآلية التي كان مفترضا أن تضعها الحكومة، لم يكن في الحقيقة سوى صمام أمان وطني سيادي يؤمن التوازن داخل السلطة السياسية، والدليل على ذلك أن القوات لم تتورع في التخلي عن المناصب والمواقع السياسية كلها عندما تطلبت القضية الوطنية الكبرى ذلك.
ثالثا: لقد سها عن بال المحطة المذكورة أن الطرفين الموقعين على اتفاق معراب كانا يشكلان في ذلك الحين 86% من الرأي العام المسيحي بشهادة استطلاعات الرأي. وبالتالي، ومن حيث المبدأ، إن أي حديث عن اختصار المواقع المسيحية في السلطة بالتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، يعبر في الواقع عن جزء كبير من الحقيقة، إضافة إلى ذلك كان واضحا في الاتفاق أن القوات والتيار الوطني الحر يحسبان حسابا لحلفائهم الآخرين.
رابعا: إن الإخلال باتفاق معراب هو ما ساهم في إيصال الأوضاع إلى ما وصلت إليه لاحقا، وليس التوقيع عليه بالأساس.
خامسا: إن شعار “كلن يعني كلن” الذي ترفعه المحطة المذكورة ينطبق أولا على الإعلام المأجور الذي يبدل توجهاته بحسب اتجاه الريح لمن يدفع أكثر، والـ”إل بي سي” في طليعة هذا الإعلام في الوقت الحاضر، وليس على القوات التي يشهد لها أخصامها قبل الأصدقاء على نزاهتها وأمانتها ونظافة كفها وصفاء بصيرتها. وإذا كانت المحطة هذه تمتلك المعطيات المتعلقة بالفساد كلها مثلما تدعي، فلماذا نامت عليها قبلا؟ وما الذي دفعها لأن تفرج عن معلوماتها بسحر ساحر. والجواب على ذلك بسيط ويتعلق بمصدر تمويلها، إذ يكفي رصد تنقل رئيس مجلس إدارتها من تأييد فريق إلى آخر، تبعا للتمويل والمشاريع التي هبطت عليه في إحدى الدول العربية الغنية في تواريخ مختلفة.
سادسا: لقد كان حريا بالمؤسسة اللبنانية للإرسال، ورئيس مجلس إدارتها بالتحديد، أن ينزع خشبة الفساد والمحسوبية وقلة الأمانة الضخمة من عينه، عوض البحث في الميكروسكوب عن القشة في عين غيره”. وختمت الدائرة الإعلامية: “أخيرا نهدي هذا القول لرئيس مجلس إدارة إل بي سي: لسانك لا تذكر به عورة امرئ، فكلك عورات وللناس ألسن”.