بيروت-“القدس العربي”: لم يدم الهدوء في طرابلس بعد ليل ساخن تخلّلته مواجهات بين مواطنين محتجين على قرار الإقفال العام وعدم تمكّنهم من تأمين لقمة العيش في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة وبين القوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي. وعمّ الغضب شوارع المدينة بعد تشييع الشاب عمر طيبة 30 عاماً الذي سقط متأثراً بإصابته في المواجهات قبل أن ينضم إليه شاب آخر قضى انتحاراً بمسدسه.
وبعد التشييع توجّه شبّان غاضبون إلى منازل نواب طرابلس وطالبوا باستقالتهم وحاولوا اقتحام منازلهم. وتجمّع محتجون أمام منزل النائب الحليف لحزب الله فيصل كرامي وردّدوا هتافات تطالبه بالاستقالة، مؤكدين أن “دماء شباب طرابلس ليست رخيصة ولن تذهب سدى”.وقد منعهم الجيش من الدخول إلى المنزل.
واعتصم المحتجون أمام منزل عضو “كتلة المستقبل” النائب سمير الجسر، وعمدوا إلى إحراق مستوعبات النفايات وإطلاق هتافات تطالب باستقالته، في ظل انتشار عناصر الجيش التي أبعدتهم عن المبنى قبل أن يتوجّوا إلى منزل الرئيس نجيب ميقاتي.
وكان المحتجون قطعوا طريق معرض رشيد كرامي بمستوعبات النفايات وأضرموا النيران فيها. كما حطّموا كاميرات المراقبة عند مدخل منزل النائب السابق أحمد فتفت. وعادوا إلى ساحة النور حيث أشعلوا إطارات السيارات وحاولوا التقدّم نحو السرايا لتوجيه رسالة إلى محافظ الشمال رمزي نهرا المحسوب على التيار الوطني الحر إلا أن القوى الأمنية واجهتهم بالقنابل المسيّلة للدموع.
وردّ المحتجون بتوجيه الهتافات ضد العهد والنائب جبران باسيل. وأكدت إحدى المتظاهرات ” لن نخرج من الشارع مهما فعلوا ولن نقبل مساعدات طالما سالت دماء على الأرض”. وتوعّد أحدهم “بالرد على مسؤولي الدولة وتجويعهم وتهجيرهم كما فعلوا بالشعب”.
وفيما لم تتبّن أي جهة سياسية الوقوف وراء هذه التحركات الاحتجاجية ووسط تأكيد المحتجين أن من دفعهم إلى الاحتجاج هو الجوع، كان لافتاً ما أورده البعض عن ” صراع بين الشقيقين بهاء وسعد الحريري” مع العلم أن المستشار الإعلامي لبهاء جيري ماهر كان نفى الطلب من الناس النزول إلى الشارع ،فيما الرئيس الحريري أكد أن “قرار الإقفال هدفه حماية المواطنين من خطر الكورونا، والالتزام به مسؤولية لا يجوز التهاون فيها”، منبّهاً” من استغلال الضائقة المعيشية لتوجيه رسائل سياسية”. أما مصادر قريبة من قصر بعبدا فألمحت إلى رابط بين تحريك الشارع وبين محاولة الضغط على رئيس الجمهورية ميشال عون للسير بعملية تأليف الحكومة وفق معايير الرئيس المكلّف، واستندت المصادر في مقاربتها إلى التوزيع الجغرافي للتحركات التي تركّزت في مناطق طرابلس وبيروت وصيدا والبقاع وهي مناطق معروفة بتوجهّأتها السياسية، وإلى هتافات تُطلَق أحياناً ضد رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
تزامناً، أكد “تيار المستقبل” أن “الحل الأمني للازمة المعيشية ليس حلاً، والذين يراهنون على استدراج طرابلس إلى ساحات الفوضى والفلتان يعلمون جيداً أن الأكثرية الساحقة من أبناء طرابلس وسكانه، لن يجاروا هذا المخطط الدنيء الذي يطل برأسه من أقبية المخابرات سيئة الذكر و أزلامها المعروفين”. ورأى التيار أنه “بين الايادي المشبوهة التي تعمل على إغراق طرابلس بالفوضى وبين الصرخة المحقة التي تعكس واقع المعاناة المعيشية في الأحياء الشعبية، تتصدّر عاصمة الشمال المشهد السياسي والأمني والحياتي، وسط معلومات تؤكد وجود أمر مريب يعود بالذاكرة إلى مراحل الفلتان الأمني والاشتباكات المسلحة التي كانت تحصل غبّ الطلب. وإذا كان الكثير من المواقف قد أكدت في الساعات الماضية على وجود جهات حزبية وسياسية وفعاليات محلية، اشتغلت على تسلّق أوجاع المواطنين وقامت بتمويل مجموعات بعضها استقدم من خارج طرابلس والشمال، فإن أداء أطراف في أجهزة أمنية سواء في غض النظر عن ممارسات مخلّة بالأمن والقانون أو في التخلف عن دعم القوى الأمنية في الوقت المناسب، هي وجه من وجوه التقصير الذي يثير الشكوك ويطرح الكثير من علامات الاستفهام حول الأهداف المبيتة لعمليات التخريب التي استهدفت الأملاك الخاصة والعامة في المدينة”.
وعلّق رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على أحداث طرابلس قائلاً : “مواطن ينتحر يأساً، ومواطن آخر يسقط في طرابلس ضحية أعمال العنف التي اندلعت على هامش التحركات الشعبية في طرابلس وفي مناطق أخرى بالرغم من قرار الإقفال وخوف الناس من كورونا. ثلاثة أشهر ونصف على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة ولا بصيص أمل في الأفق لتشكيل أي حكومة، لأنه طالما الأكثرية النيابية الحالية، والتي قوامها “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” حاكمة ومتحكّمة، فلا أمل يرجى في أي شيء، والحاضر المباشر، كما الماضي القريب والماضي الأبعد قليلاً، خير دليل على ذلك”.
وفي المواقف، رفض الوزير السابق أشرف ريفي إتهام أهالي طرابلس بالفوضى والشغب، ورأى أن كل من يتهمهم بذلك” متآمر أو جاهل”.
وقال عن الاحتجاجات ” هذه انتفاضة الوطن والحقوق والكرامة، وهي ناتجة عن الوضع الكارثي الذي وصل إليه الناس، في ظل هذه المنظومة الفاسدة والفاشلة التي أوصلت الوطن إلى الانهيار”
من جهتها أسفت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ” لما آلت إليه الأمور من أعمال شغب واعتداءات وأفعال جرميّة في طرابلس نتج عنها سقوط ضحيّة ووقوع إصابات بين المواطنين وإصابة 41 عنصرًا وضابطًا، 12 منهم أُصيبوا من جرّاء رمي القنابل اليدويّة من بينهم إصاباتٍ بليغة وتحت المُراقبة الطبيّة، مع العلم أنّ قوى الأمن ليست المسؤولة عن تدهور الأوضاع الاقتصاديّة والمعيشيّة في لبنان وبخاصّة في طرابلس، لا بل تبقى هي الأمل والضّمانة -في هذه المرحلة المصيريّة والحسّاسة-لأمن المواطنين وحريّاتهم وحقوقهم إلى جانب المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة الأخرى، من أجل بلوغ غدٍ أفضل”.
وعرضت قوى الأمن الداخلي شعبة العلاقات العامة في بيان للأحداث في المدينة بقولها “بعد الأحداث المأساويّة والمؤسِفة التّي شهدتها مدينة طرابلس ليل تاريخ 27-1-2021، ومنعًا لأيّ تأويل أو تحريف للأحداث التّي حصلت، يهمّ المديريّة العامّة لقوى الأمن الدّاخلي أن توضح ما يلي:
في السّاعة 15.45، تجَمّع عددٌ من المواطنين أمام سراي طرابلس احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية والمعيشيّة المُتدهوِرَة وعلى الإقفال العامّ.
وبدأ التّصعيد من قبل بعض المشاركين في التّظاهُرة برمي الحجارة وحرق غرفة حراسة السراي وباب التفتيش بمادة البنزين وتزايدت وتيرة أعمال الشغب عند محاولات دخول عدد من الشبان إلى قصر العدل وأقدموا على خلع البوابة الرئيسية وبدأوا برمي الحجارة تجاه العناصر والآليات المركونة أمام السراي.
وقرابة السّاعة 17.00 أقدم عدد منهم على تحطيم مصابيح الإنارة وخلع باب كاراج قصر العدل الجديد المؤدي إلى مدخل السيارات، ولم تقم القوّة المولجة حفظ الأمن والنظام حتّى تلك الساعة بأية ردّة فعل تجاه المخلّين بالأمن، إلى أن بدأوا برمي عدد هائل من قنابل المولوتوف وعدد كبير من المفرقعات والحجارة على العناصر داخل السراي. عندها عمد العناصر على رشّ المياه وإلقاء القنابل المسيّلة للدموع لإبعاد المُشاغبين ومنعهم من دخول السّراي، وفي هذا الوقت سُمِع صوت إطلاق عدة أعيرة نارية مجهولة المصدر قرب أحد المباني المُجاورة له.
وبقيت الاعتداءات على هذا المنوال حتّى السّاعة 20.45 حيث أقدم حوالى 200 شخص من المتظاهرين على اقتحام السراي ورمي قنابل المولوتوف وإحراق وتحطيم السيارات والآليات المركونة داخل الموقف، عندها قامت القوّة من جديد بإطلاق القنابل المسيلة للدموع لإخراجهم من الباحة.
وفي الساعة 21.15 تحوّلت ساحة التظاهُر إلى ساحة معركة بكلّ ما للكلمة من معنى، حيث تمادى المُشاغبون بإلقاء قنابل مولوتوف وصل عددها إلى أكثر من 300 قنبلة ومن ثمّ تمّ رمي 3 قنابل حربيّة روسيّة الصّنع باتجاه مداخل السّراي والباحة الرئيسيّة، انفجر منها 2 نتج عنها إصابة عدد من الضبّاط والعناصر وتضرّر عدد من الآليّات.
عندها، اتخذت القوّة المولجة عمليّة حفظ الأمن والنّظام إجراءات تصاعديّة مشروعة ومتناسبة بحسب القوانين المرعيّة الإجراء (المادّة 221 من قانون 17) للدّفاع المشروع عن حياة العناصر والمراكز والأماكن المولجين حراستها، عبر إطلاق النّار في الهواء تحذيرًا وتنفيذ عمليّة التفريق، ومع ذلك أصرّ البعض على الهُجوم على العناصرّ ممّا اضطّرهم إلى إطلاق النار بشكل دفاعي حفاظا على حياتهم، وبالتزامن جرى إطلاق عدة أعيرة نارية مجهولة المصدر من خارج السّراي”.
وختم البيان”بتحذير المخلّين بالأمن عدم الاعتداء على الممتلكات العامّة والخاصّة وعلى عناصر ومراكز قوى الأمن، وأنّها ستكون مضطرّة إلى استخدام جميع الوسائل المشروعة وفقا للقوانين المرعيّة الإجراء حفاظاً على الاستقرار وأمن المجتمع والمواطنين”.