لم يقتصر تواصل النواب التغييريين على قوى المعارضة والسلطة بل شمل مسؤولين فرنسيين وسعوديين في باريس وحثّ المسؤولين اللبنانيين على ضرورة الخروج من المستنقع السياسي وتفادي شغور الرئاسة.
بيروت ـ «القدس العربي»: لم يهضم البعض من جمهور 17 تشرين الأول/أكتوبر جولة نواب التغيير على القوى السياسية لشرح مبادرتهم الرئاسية، هم الذين خاضوا الانتخابات في مواجهة المنظومة السياسية الحاكمة ونالوا الأصوات التفضيلية. ويعتبر ناخبون صوّتوا ضد لوائح السلطة أو لوائح الأحزاب المعارضة في جولة النواب التغييريين اعترافاً بما تمثّله القوى السياسية والحزبية بعد الشعارات الانتخابية التي رفعوها ضد رموز السلطة في التظاهرات وفي طليعتها شعار «إسقاط النظام».
وأبرز اللقاءات التي عقدها نواب التغيير مع أحزاب السلطة كانت مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي ارتفعت الهتافات ضده في انتفاضة تشرين، ومع «كتلة التنمية والتحرير» بمشاركة النائب علي حسن خليل المدّعى عليه في قضية تفجير مرفأ بيروت، وكتلة «حزب الله» المتهم بمصادرة قرار الدولة اللبنانية إضافة إلى كتلة «المردة». أما اللقاءات التي عُقدت مع القوى السياسية المعارضة فشملت الكتائب والقوات اللبنانية وكتلة «تجدّد» وغيرها حيث أظهرت تطورات الأيام الماضية تناغماً بين هذه القوى المعارضة ونواب التغيير وخصوصاً في التضامن معه في مقاطعة الجلسة النيابية يوم الأربعاء في ذكرى اغتيال الرئيس بشير الجميّل ثم تطيير النصاب لدى التصويت على مناقشة الموازنة يوم الجمعة.
ومن علامات الاستفهام التي طرحها ناشطون في انتفاضة 17 تشرين الأول/اكتوبر كيف يمكن للنواب التغييريين أن يلتقوا بنواب مدّعى عليهم في تفجير مرفأ بيروت وهم الذين يعربون عن تضامنهم مع أهالي الضحايا؟ وأين أصبح شعار «كلّن يعني كلّن»؟
غير أن مصادر النواب التغييريين علّقت عبر «القدس العربي» على هذه الملاحظات بقولها «الناس انتخبتنا وانتخبت سوانا ونحن ككتلة تغييرية نمثّل 10 في المئة من مجلس النواب في مقابل 90 في المئة للقوى السياسية وقوى السلطة، ولذلك نحن مضطرون في إطار تسويق مبادرتنا الرئاسية إلى الاجتماع بالكتل الباقية المنتخبة في المجلس، فإما أن نبادر لمنع الفراغ في رئاسة الجمهورية وإما أن نستسلم ونذهب إلى فراغ، لذلك إننا مضطرون إلى التعاطي مع مختلف القوى أملاً بالوصول إلى رئيس وفق المواصفات التي طرحناها وفي طليعتها رئيس خارج الاصطفافات».
ولم يقتصر تواصل النواب التغييريين على قوى المعارضة والسلطة بل شمل أيضاً تواصلاً مع مسؤولين فرنسيين وسعوديين في باريس في إطار لقاءات شملت مروحة من المرشحين وممثلي الكتل الحزبية لحثّ المسؤولين اللبنانيين على ضرورة الخروج من المستنقع السياسي وتفادي الوصول إلى شغور في الرئاسة الأولى أو تكرار سيناريو بقاء الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا على غرار عام 1989.
وحسب الأجواء التي رشحت عن لقاءات باريس، فإن وجهات النظر بين المسؤولين الفرنسيين والسعوديين لم تكن متطابقة حول الاستحقاق الرئاسي، وقد بدت باريس مهتمة بإنجاز الانتخابات الرئاسية في لبنان في المهلة الدستورية بغض النظر عن شخصية الرئيس ومواصفاته تفادياً للدخول في فراغ رئاسي، فيما الرياض تهتم برئيس لا ينتمي إلى فريق 8 آذار/مارس أو خاضع لحزب الله كشرط لإعادة التوازن في البلاد وتشجيع الدول العربية وتحديداً الخليجية على مساعدة بيروت والحد من الانهيار وضبط الحدود والتهريب. وفَهم زوار العاصمة الفرنسية أن باريس التي لم تقطع تواصلها مع إيران ومع حزب الله تتعامل مع الوضع اللبناني انطلاقاً من أن النفوذ الإيراني هو أمر واقع، في وقت تراهن الرياض على توحّد قوى المعارضة وعلى الحد من هيمنة حزب الله التي ازداد مفعولها في عهد الرئيس الحالي ميشال عون الذي شكّل للحزب غطاء رسمياً لدوره ولسلاحه.
ولم يخف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أمام السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو رؤية القوات التي لا تلتقي في بعض الجوانب مع نظرة العاصمة الفرنسية إلى الاستحقاق الرئاسي. وكان جعجع واضحاً في قوله «إننا لا نرى أن ما يسمى بالرئيس التوافقي يمكن أن يدفع الأمور باتجاه الحل، والدليل على ذلك هو تجربتنا خلال العقود الماضية التي لطالما كان الرئيس ينتخب بعد شبه توافق على اسمه، إلا أننا رأينا أين أوصلنا هذا النهج». وأكد جعجع للسفيرة غريو «وجود اختلاف في طريقة إدارة الشأن العام في الدولة والحوكمة بيننا وبين حزب الله وحلفائه، إلى جانب الخلافات العقائدية الكبيرة المرتبطة بصورة لبنان ودوره وكيانه وسيادته» مشيراً إلى «أن حزب الله جزء لا يتجزأ من المشروع الإيراني وهو يمنع قيام دولة ويعرّض لبنان لمخاطر كبرى ولا يمكن إيجاد حل وسط بين المصلحة اللبنانية العليا وبين ايديولوجية ورؤية هذا الحزب».
تزامناً، لم يطرأ أي جديد على العلاقة بين حزب الله ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي طرح أسئلة عديدة على وفد الحزب في كليمنصو لكنه منذ ذلك اللقاء لم يحصل إلا على جواب على سؤال واحد. وإذا كان الثنائي الشيعي يتمنى ويرغب في انتخاب رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، إلا أنه يدرك أن الانتخابات النيابية أفرزت أغلبية لا تشبه حزب الله. لذلك فهو يراهن على الوقت في انتظار ظروف تمكّنه من إنتاج سلطة موالية له، وفي الانتظار لا يمانع بل يشجّع الاتفاق على حكومة بين الرئيس عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي تملأ الوقت الضائع علّ الظروف تبدّل في تركيبة المجلس النيابي وخصوصاً بعد قرار المجلس الدستوري الذي سيبتّ بالطعون النيابية مما يتيح لحزب الله وحلفائه وضع اليد على المجلس الذي هو مجموعة أقليات لكنها تتفق بمعظمها على رفض رئيس قريب من حزب الله أو يسايره.