بيروت-“القدس العربي” : لعلّ المشهد السياسي الأسبوع المقبل وتحديداً بين يومي الثلاثاء 11 شباط والجمعة 14 شباط/ فبراير سيختصر المرحلة المتبقية من سنوات “العهد الخريفي” كما وصفه اللواء أشرف ريفي، وهو وصف ليس بعبداً عن سلسلة الأوصاف التي يطلقها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط على عهد الرئيس ميشال عون وأبرزها “العهد الفاشل”.
فيوم الثلاثاء ستنعقد أولى جلسات مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس حسّان دياب في مجلس النواب، ولم يخطئ دياب في اختيار تسمية حكومته بـ “حكومة مواجهة التحديات ” فهذه التحدّيات التي بدأت في الشارع في مواجهة الانتفاضة الشعبية التي رفعت شعار “لا ثقة” بالحكومة الجديدة ستُترجم أيضاً تحت قبّة البرلمان في مداخلات النواب من مختلف الكتل السياسية الذين لن يتركوا ستراً مغطّى إلا ويكشفونه ويلقون الضوء عليه. ومن دون تنسيق ستكون مداخلات نواب تيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي متقاربة في الشكل والمضمون من حيث تعرية الحكومة الفاقدة الميثاقية السنّية والشعبية ومن حيث توجيه أصابع الاتهام إلى “صهر العهد” رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، بالوقوف وراء الاستئثار بالحصة الأكبر من الحصة المسيحية تعبيراً عن رغبته في الهيمنة على القرار داخل الحكومة.
وإذا سمح الرئيس نبيه بري لنواب هذه الكتل الثلاث ومعهم نواب الكتائب بالاستفاضة في الكلام وعدم حصر المداخلات بواحدة أو اثنتين لكل كتلة، فإن ما ستشهده قاعة الجلسات العامة سيكون أعنف مما يحضّره الثوّار في الخارج، وسينتهي بثقة هزيلة للحكومة الجديدة رغم توجّه بعض الكتل إلى منحها الفرصة لإثبات جدارتها في الامتحان الصعب الرامي إلى إيجاد حلول جذرية للازمة الاقتصادية والمالية والحياتية.
غير أن المؤشرات لا توحي بذلك بالنسبة إلى زعيم المختارة الذي كان اعتبر أن التحدي الأول أمام حكومة دياب هو إصلاح قطاع الكهرباء حسب مطلب مؤتمر “سيدر”. وفيما كان جنبلاط يعوّل على البيان الوزاري لاستطلاع نوعية المعالجة ومكانية تغيير الخطط إلا أنه فوجئ كما قال “بأن المتسلّط الأول على قطاع الكهرباء ومن ورائه في الظل من شركاء وشركات متعددة نجحوا في فرض البيان الوزاري كما هو بالرغم من محاولة اعتراض خجولة من بعض الوزراء لمحاولة الإصلاح المطلوب” مؤكداً أن هذا القطاع الذي كبّد الدولة 40 مليار دولار ديناً عاماً “يبقى في يد قلّة في إدارة مبتورة لتعرّض البلاد للانهيار والإفلاس”.
ولن يكون موقف نواب القوات اللبنانية أقلّ حدة من نواب الاشتراكي في انتقاد تبّني البيان الوزاري خطة الكهرباء ذاتها التي كانت معتمدة على مدى عشر سنوات وما تشكّله من نزف مالي سنوي للخزينة العامة. وقد حدّد رئيس حزب القوات سمير جعجع السقف العالي للانتقاد بوصف ما ورد في البيان الوزاري حول قطاع الكهرباء بـ “النكسة الكبرى والفضيحة”.
وبالنسبة إلى نواب “كتلة المستقبل” فسيركّزون على شكل الحكومة وافتقادها الميثاقية، وسيتطرّقون إلى الملفات الاجتماعية والاقتصادية التي حالت المناكفات في الحكومات السابقة من دون إيجاد الحلول لها. وإذا كان الرئيس سعد الحريري عاد إلى بيروت قبل جلسة الثقة فمن غير المؤكد مشاركته في الجلسة لأنه قد يوفّر إطلالته لذكرى استشهاد والده رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير التي أصدر الرئيس دياب مذكرة إدارية بتعطيل الإدارات العامة والمؤسسات استكمالاً للمذكرات الحكومية في عهود الرؤساء فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وسعد الحريري.
وعليه ستكون ذكرى 14 شباط/فبراير ثاني مشهدا سياسيا سيترقّب أحداثه اللبنانيون حيث من المتوقّع أن يفجّر الحريري غضبه على شريكه السابق في التسوية الرئاسية جبران باسيل، وسيحمّله تبعات فرط هذه التسوية وما آلت إليه الأوضاع في البلد علماً أن سعد الحريري عندما تبنّى ترشيح العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية اعترف بأن قراره هو “مخاطرة سياسية كبرى” لكنه قال “إنني مستعدّ أن أخاطر بنفسي وبشعبيّتي وبمستقبلي السياسي ألف مرّة لأحميكم جميعاً، ولست مستعدّا لأخاطر مرة واحدة بأي واحد منكم لأحمي نفسي أو شعبيّتي أو مستقبلي السياسي”.
وإذا كان الحريري اتخذ قراره ومضى في التسوية الرئاسية بناء على نقاط تضمّنها اتفاقه مع الوزير باسيل فإن هذا الاتفاق كان مصيره مصير تفاهم معراب الذي وقّعه جعجع مع باسيل. وكل ما تحقّق في اتفاق الحريري باسيل هو تقاسم الحصص في التعيينات. أما قضايا حماية لبنان وإطلاق عجلة الاقتصاد والنأي بالنفس عن الأزمة السورية فلم يلتزم بها باسيل الذي رغب في مسايرة حزب الله وسوريا، وأطلق مواقف عديدة من منبر الجامعة العربية خلافاً لرؤية الحريري وجعجع وجنبلاط.
وهكذا تتجه الأنظار إلى الثلاثي الحريري وجعجع وجنبلاط رغم ما يعتري العلاقة بينهم لاستطلاع آفاق المرحلة المقبلة ونوعية المعركة التي سيفتحونها في وجه العهد وصهره سواء كحلف ثلاثي متضامنين متكاتفين أم كل من موقعه. وماذا سيكون دور حزب الله في هذه المعركة؟ هل سيقف متفرّجاً ويترك العهد يتهاوى أم سيعتبر سقوط العهد سقوطاً لمحور الممانعة وخطاً أحمر؟