بيروت- “القدس العربي”: لم يكن مفاجئاً سيناريو جلسة مجلس النواب اللبناني الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية، وكان معلوماً أن النصاب مهدّد بمقاطعة نواب التيار الوطني الحر لتزامنها مع ذكرى 13 تشرين/أكتوبر، التي ترمز إلى دخول القوات السورية إلى مقر الجنرال ميشال عون في بعبدا عام 1990، وبتضامن نواب بعض الكتل معهم وفي طليعتهم حزب الله والطاشناق. وبلغ عدد النواب الحاضرين إلى ساحة النجمة 89 نائباً، غير أن النواب الذين دخلوا إلى قاعة الجلسات العامة اقتصر فقط على 71، وبعد قرع الجرس مرتين ودخول رئيس المجلس النيابي نبيه بري لترؤس الجلسة، سأل عن عدد الحاضرين فأبلغه أمين عام المجلس عدنان ضاهر بأنه 71، فقال “شوفولي إذا في حدا برّا”، قبل أن يعلن إرجاء الجلسة إلى الخميس المقبل في 20 تشرين الحالي لتبدأ بعدها سلسلة الخطابات والمواقف في بهو المجلس، والتي انقسمت بين مؤيد لمرشح القوى السيادية النائب ميشال معوض وبين من يعتبره مرشح تحد وغير توافقي.
وكان نواب حزب الله حضروا إلى البرلمان لكن من دخل منهم إلى القاعة كان 4 نواب فقط وكذلك لم يدخل نواب “كتلة التنمية والتحرير”، فيما حضر معظم نواب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي والكتائب وحركة “تجدد” والتغييريين. وبدا أن حزب الله ساير حليفه الشيعي الرئيس بري بتلبية دعوته إلى عقد الجلسة في موعدها وعدم محاسبته على النيّات وساير حليفه المسيحي التيار الوطني الحر بعدم تأمين النصاب. وقد اختار رئيس التيار جبران باسيل وعدد من نوابه وضع إكليل على ضريح الجندي المجهول في المتحف بالتزامن مع انعقاد جلسة الانتخاب، وهو غرّد على “تويتر”: “هذه اللحظة فيها دم وألم وعنفوان وهي أهمّ من أي شيء آخر ويجب أن نحترم شهداء بعضنا واحترام الذكرى لأن في هذا التاريخ هناك من استشهد من أجل الشرعية ومن أجل الوطن وهناك من خان في هذا التاريخ ولقد استهتروا بالذكرى وهذه حقيقة وستبقى…”.
هذه اللحظة فيها دم وألم وعنفوان وهي أهمّ من أي شيء آخر ويجب أن نحترم شهداء بعضنا واحترام الذكرى لأن في هذا التاريخ هناك من استشهد من أجل الشرعية ومن أجل الوطن وهناك من خان في هذا التاريخ ولقد استهتروا بالذكرى وهذه حقيقة وستبقى… #ذكرى_١٣_تشرين pic.twitter.com/brwANifrEQ
— Gebran Bassil (@Gebran_Bassil) October 13, 2022
وبعد إرجاء الجلسة، أبدى نائب رئيس حزب القوات اللبنانية النائب جورج عدوان “جهوزية القوات في أي لحظة لانتخاب رئيس للجمهورية”. وقال “اليوم هناك أكثر من فريق غير جاهز لانتخاب رئيس علماً أن الجهوزية كان يفترض أن تكون موجودة منذ الأول من أيلول”. ورأى أنه “حرام في وضع البلد الحالي ألا نمارس كنواب مسؤوليتنا كما يجب ولا عذر لعدم وجود مرشحين للكتل ولا عذر لعدم طرح مرشح خياراته واضحة”. ودعا إلى “عدم المراهنة على تغيير موقف القوات من ترشيح معوض، مضيفاً “”لا أرى ميشال معوض ضعيفاً إنما يتمتع بالقوة ولو اكتمل النصاب كان سيسجّل رقماً جديداً”.
بدورها، ذكّرت النائبة ستريدا جعجع اللبنانيين بأنّه “كان من حق الحكيم سمير جعجع الترشح للانتخابات الرئاسية لكنه تراجع كي يوحّد صفوف المعارضة، وذهبنا إلى خيار ميشال معوّض لأنه لا يستفز قوى المعارضة والعملية الديمقراطية تقضي بترشيح أحد الأسماء”. وأضافت جعجع: “المشهد محزن اليوم خصوصاً أن اللبنانيين ينتظرون في هذا الظرف بالتحديد انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة وينتظرون هذا الأمر بفارغ الصبر، في ظل الظرف الاستثنائي الاقتصادي النقدي الذي نمر به في البلاد”.
من جهته، اعتبر رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل “أن تطيير الجلسة الثانية يدخل ضمن إطار الحجج التي يتذرع بها الفريق الآخر لأنه يشعر بالحرج في ظل عدم التوافق على مرشح واحد، وكل هذا حصل بالتوافق مع بعضهم البعض لأنهم لا يعلمون لمن سيمنحون أصواتهم”، داعياً إلى “الاستمرار بالبحث عن حلول حتى موعد الجلسة المقبلة”.
وأعلن “اللقاء الديمقراطي” “ضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي بأسرع وقت”. وقال أمين السر النائب هادي أبو الحسن إن “لدى اللقاء مرشحه الواضح الذي يحمل برنامجاً إصلاحياً وإنقاذياً ويؤمن بالطائف ولديه رؤية اقتصادية واضحة”. وسأل النواب في المعارضة “لماذا لا نجمع على معوض وهو الذي يحمل مواصفات إصلاحية، ونسأل في الضفة الأخرى من عطّل الجلسة اليوم، إذا كان السبب هو رمزية 13 تشرين فأنتم طلبتم في عام 2016 أن تكون جلسة انتخاب الرئيس يوم 13 تشرين، فلماذا هذه الازدواجية في الموقف؟”. وأضاف “إذا كان الهدف من التغيّب عن الجلسة أو من خلال الورقة البيضاء نكون دخلنا في التعطيل”.
أما النائب مارك ضو فأكد باسم النواب التغييريين “أننا شاركنا اليوم انطلاقاً من مسؤوليتنا الوطنية في جلسة انتخاب الرئيس والتمسك بالمؤسسات وتفعيلها يجب أن يكون الأساس ولدينا مُبادرة توجهنا بها إلى الجميع لأننا نعلم أن البلد لا يحتمل الفراغ ورئاسة الجمهورية هي مدخل للحل الحقيقي”. ورأى “وجوب عدم تمرير أي اتفاقيات مثل اتفاقية ترسيم الحدود البحرية قبل عرضها على مجلس النواب”.
ولدى وصوله إلى ساحة النجمة، وصف عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسن فضل الله المرشح معوض بأنه “مرشح تحد طرحته كتلة نيابية ونحن نرى أنّ التحدي هو معنا ويجب أن نتحاور ككتل كي نُحدّد مرشّحاً توافقيًّا فطرح التحدي يؤدي إلى مزيد من الجلسات من دون نتيجة”. ولفت إلى “أن الرئيس التوافقي هو القادر على الحصول على موافقة المجلس النيابي ويجب أن نجمع اللبنانيين وأن نخرج من لغة التحدي”، مؤكداً “لن نسمّي أي مرشح الآن بل علينا أن نلتقي مع باقي الكتل على اسم الرئيس لأن البلد يحتاج إلى تفاهمات وتوافقات بين الكتل، والتحدي يؤدي إلى الفراغ، ونذكّر بأن الرئيس عون لم يأتِ في سياق تحد بل بتفاهمات”.
وقال النائب فؤاد مخزومي: “نحن مع ميشال معوض وهناك بعض المآخذ مع النواب السنّة ولكن هناك إمكانية للتفاهم”، لافتاً إلى “أن السفير السعودي وليد بخاري كان واضحاً خلال العشاء الذي أقامه للنواب السنّة، وأكد أن المطلوب رئيس جمهورية غير تابع لحزب الله وبعيد عن الفساد السياسي والمالي”. واعتبر أنه “يجب أن نتوصل إلى تسوية ولكن ليس على حساب سيادة لبنان وأن ينفتح الرئيس المقبل على الوطن العربي والعالم”.
أما المرشح ميشال معوّض فأوضح أنه “ليس مرشح تحد ولا يمكن أن يكون التوافق تحت سقف السلاح”، مشيراً إلى “أن التسويات لن تؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار”. ورأى “أن لعبة “كبّ الأسماء” توصلنا إلى رئيس تسوية بلا لون ولا مواقف ولا يحمل أي مشروع. وبات واضحاً للجميع أنّنا نحمل مشروعاً جدياً و”مكملين فيه”، وأنا رئيس واضح ورئيس العودة إلى الدولة”.
وفي رسالة ضمنية إلى التيار الوطني الحر، ذكّر فيها بأن والده الرئيس رنيه معوض رفض العملية العسكرية ضد العماد ميشال عون، وغرّد معوّض على حسابه عبر “تويتر” كاتباً: “13 تشرين ما كان ليحصل لو لم يستشهد الرئيس رينه معوض، لا بل إن رفضه الموافقة على عملية عسكرية ضد قصر بعبدا شكّل أحد أسباب اغتياله”. وختم “رحم الله شهداء 13 تشرين وأعاد المعتقلين من السجون السورية، والرد على ما جرى يكون اليوم بانتخاب رئيس سيادي وإنقاذي لا يساوم”.
#13_تشرين ما كان ليحصل لو لم يستشهد الرئيس #رينه_معوض، لا بل إن رفضه الموافقة على عملية عسكرية ضد قصر بعبدا شكّل أحد أسباب اغتياله.
رحم الله شهداء 13 تشرين وأعاد المعتقلين من السجون السورية، والرد على ما جرى يكون اليوم بانتخاب رئيس سيادي وإنقاذي لا يساوم. pic.twitter.com/nAHGUI0lwB— Michel Moawad (@michelmoawad) October 13, 2022
وكما الجلسة الأولى، حضرت المرشحة لرئاسة الجمهورية مي الريحاني الجلسة الثانية، وأسفت لـ”عدم حصول الانتخاب مرة جديدة ولغياب النصاب”، وتمنت أن “تكون الجلسة الثالثة ثابتة وأن ينتخب رئيس إنقاذي للبنان قبل 31 تشرين منعاً لدخول البلاد في شغور رئاسي مدمر، والذي قد يستغل كفراغ وتفريغ للمؤسسات الدستورية”. ودعت الريحاني النواب إلى “تحمّل مسؤولياتهم الدستورية في هذه اللحظة التاريخية انطلاقاً من صحوة ضمير وطنية”.
ولم يغب موضوع ترسيم الحدود عن الجلسة، إذ اغتنمت النائبة ستريدا جعجع الفرصة لتبارك لجميع اللبنانيين بترسيم الحدود البحرية، وقالت “نطالب بالإتيان باتفاقية الترسيم إلى مجلس النواب لمناقشتها وسنتواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في هذا الموضوع. وفي هذه المناسبة نطالب بإنشاء الصندوق السيادي في أسرع وقت ممكن حفاظاً على ثروات لبنان ومنعاً للهدر والفساد ولحماية موارد الدولة اللبنانية”.
وأعلن النائب التغييري ملحم خلف “أننا وجّهنا كتاباً إلى الرئيس بري ينص على أن اتفاقية الهدنة نصّت على أنّ حدود لبنان هي الحدود الدولية استناداً إلى إحداثيات آذار/مارس عام 1949 لكننا علمنا من الإعلام أن الحدود البحرية رُسّمت بوساطة أمريكية”. وقال “بما أنه لا يجوز التخلي عن أراضي البلاد وعلماً أنّ الاتفاقات التي تتعلق بمالية الدولة لا يملك رئيس الجمهورية حق إبرامها إلا بعد موافقة المجلس النيابي لذلك يجب إطلاعنا على نصّ الاتفاق، ونطلب دعوة المجلس النيابي لعقد جلسة طارئة بما يتعلق بموضوع ترسيم الحدود”.
وقد طلب الرئيس بري من الأمانة العامة للمجلس “إيداع نسخة من ترسيم الحدود البحرية الجنوبية اللبنانية لكل النواب للاطلاع بعد إقراره في مجلس الوزراء”.
وكان رئيس الجمهورية ميشال عون أجرى اتصالين هاتفيين مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وبحث معهما في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية في ضوء الصيغة النهائية التي أرسلها الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين إلى المسؤولين اللبنانيين قبل أيام.