بيروت- “القدس العربي”: يعود الرئيس المكلف نجيب ميقاتي إلى قصر بعبدا الاثنين للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون من دون أن تكون عقدة وزارتي الداخلية والعدل قد حُلت بعد.
ويتمسك الرئيس ميقاتي مدعوما من رؤساء الحكومات السابقين بتثبيت الحقائب السيادية كما كانت في حكومة حسان دياب بحيث تبقى المالية مع الثنائي الشيعي والداخلية مع السنة والخارجية مع الموارنة والدفاع مع الأورثوذكس، فيما الرئيس عون يطرح المداورة في الحقائب ويطالب في حال تمسك رئيس مجلس النواب نبيه بري بوزارة المال بأن تكون الداخلية من حصته. وفي محاولة للخروج من المأزق يطرح ميقاتي تسمية شخصية حيادية للداخلية من السنة توحي بالثقة.
وكان الرئيسان عون وميقاتي تفاهما على أخذ فرصة لحل عقدة وزارتي الداخلية والعدل على أن يتفقا على توزيع باقي الحقائب وبدء إسقاط الأسماء عليها مطلع الأسبوع.
وإذا لم يتم الاتفاق على حل هذه العقدة، تصبح ولادة الحكومة قبل ذكرى انفجار بيروت في 4 آب/أغسطس أمرا غير متيسر، وهذا ما كان يأمله ميقاتي ليشارك كرئيس حكومة أصيل في المؤتمر الدولي المزمع عقده الأربعاء في الذكرى الأليمة لغاية تقديم مساعدات إنسانية للبنان.
وقبل يومين من الذكرى السنوية للانفجار تتكثف التحضيرات والدعوات لمواكبة هذا النهار بمسيرات وصلوات، مع تسجيل مواقف عديدة تطالب بمعرفة الحقيقة وتطبيق العدالة ورفع الحصانات. وقال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة الأحد “بعد ثلاثة أيام يطل علينا الرابع من آب حاملا صدى الانفجار، وعمق المأساة، وآثار الجروح، وهول الكارثة. يطل علينا مثخنا بدماء الضحايا والشهداء، ومبللا بدموع الأمهات والآباء والأبناء وذوي القربى. سنة مضت ونحن ننتظر الحقيقة ونتيجة عمل القضاء الذي من واجبه أن يقدم بشجاعة ومن دون خوف من تهديد، أو وعيد، أو ترغيب مباشر، أو غير مباشر”، مضيفا “لا يجوز لمسار التحقيق أن يقف عند حاجز السياسة والحصانات. يجب أن تلتقي شجاعة الشهادة وشجاعة القضاء لنصل إلى الحقيقة. وإن عرقلة سير التحقيق اليوم يكشف لماذا رفض من بيدهم القرار التحقيق الدولي بالأمس، ذلك أن التحقيق الدولي لا يعترف بالعوائق والحجج المحلية”.
وتابع الراعي “كما نريد الحقيقة نريد أيضا حكومة تتم بالاتفاق بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية وفقا لنص الدستور وروحه، ولميثاق الشراكة المتساوية والمتوازنة، وبموجب الضمير الوطني. كما جرت العادة مذ كانت دولة لبنان الكبير، قبل اتفاق الطائف وبعده. ونترقب أن تتم ترجمة الأجواء الإيجابية المنبعثة من المشاورات بين رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية بإعلان حكومة جديدة يطلان بها على الشعب والعالم”، مؤكدا أنه “لا يجوز أن يبقى منصب رئاسة مجلس الوزراء شاغرا. ولا يجب أن يبقى العهد في مرحلته النهائية من دون حكومة. لم يعد الوضع يحتمل انتظار أشهر أو أسابيع ولا حتى أيام”. ورأى أننا “لسنا في سباق مع الوقت، بل مع الانهيار والعقوبات الدولية. وإذا وجدت النية والإرادة، تؤلف الحكومة بأربع وعشرين ساعة. لكن، ليس كل ما يشتهيه الشعب يدركه الحكام. لكننا لا نيأس، لأن إرادة الشعب تبقى الأقوى، ولأن صوت الله قادر على اختراق ضمير المسؤولين مهما تحجر”.
وختم البطريرك “شاهدنا كيف أن مجرد تكليف شخصية لتشكيل الحكومة انخفض سعر الدولار فورا بضعة آلاف ليرة، فكيف إذا تشكلت الحكومة وكانت على مستوى الآمال؟ لكن يبدو أن التأليف لا يزال يصطدم بنوع آخر من الحصانات هي حصانات الهيمنة ونفوذ السياسيين، وحصانات الأحزاب والكتل والمصالح والمحاصصة والولاءات الخارجية، كما يصطدم بحسابات تتعدى تأليف حكومة إنقاذ. والمضحك المبكي أن الجميع أعلنوا بالأمس أنهم لا يريدون شيئا، ها هم اليوم يريدون كل شيء”، سائلا “كيف يعلنون أنهم يريدون حكومة تقنيين واختصاصيين ومستقلين وغير حزبيين، ويريدون، بالمقابل، أن يختاروا هم الحقائب ويسموا الوزراء؟ البلاد لا تحتمل المراوغة والمناورة. بل تحتاج حكومة إنقاذ فلا تتأخروا. الشعب يقف على خط تماس بين ولادة حكومة تنقذه أو تجديد ثورة تخلصه”.
على خط مواز، ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة قداسا في كنيسة القديس نيقولاوس في الأشرفية لراحة نفوس جميع ضحايا انفجار مرفأ بيروت، بمشاركة أهالي الضحايا وفوج الإطفاء وجموع من المصلين. وتحدث عن “الزلزال الذي ضرب عاصمتنا، وبشكل خاص منطقة الأشرفية”، وقال “شبح الموت ما زال مخيما على بيروت الحبيبة، وأنين المصابين والمتألمين ما زال يملأ آذاننا، وما زلنا نعيش في غموض مميت. سنة انقضت ولم تكشف الحقيقة. سنة آلام ودموع وغضب مرت على أهل هذه المنطقة ولم يتوصل المعنيون إلى جواب يشفي غليل المصابين، أو يطرد الخوف من قلب طفل يتيم، أو يبرد حرقة أم ثكلى أو أب مفجوع أو عائلة منكوبة. أتراه صدفة أم عملا مقصودا منع ظهور الحقيقة؟ وهل بذل الجهد المطلوب من أجل كشفها أم أن العصي في الدواليب تتضاعف كلما تقدم التحقيق واقترب من بعض الحقيقة؟”.
وسأل عودة: “أليس هذا ما يفضحه تقاعس كل من يتهرب من مساعدة التحقيق وكشف المعلومات والتلطي وراء عراقيل وحصانات هي ساقطة أمام دم الأبرياء وأرواح الضحايا؟ كيف بإمكان هؤلاء النظر في عيون من أدمى قلوبهم الانفجار؟ هل فكروا مرة واحدة لو كانوا مكانهم ما كانت ردة فعلهم؟ وما كان عليه وضعهم وشعورهم؟”.
وأكد أنه “لن يهدأ لنا بال قبل أن نعرف بوضوح ما حل بعاصمتنا وأبنائها، ولماذا، ومن كان وراء هذه الكارثة المشبوهة؟ ومن أتى بالمواد القاتلة؟”، مضيفا “اعتمادنا على القضاء كبير وأملنا أن يتابع المحقق عمله بنزاهة وصدق وشجاعة. كما نأمل أن تتضافر الجهود من أجل مساعدته على جلاء الحقيقة. وليتذكر كل قاض أنه صوت العدالة والضمير، وهذا الصوت يكون عاليا. وإذا لم يتوصل القضاء اللبناني إلى قول كلمة العدل باسم الشعب اللبناني، بسبب التدخل السياسي وإعاقة التحقيق، نشجع الأهالي ونطالب معهم بإنشاء لجنة تحقيق دولية للنظر في أفظع جريمة حصلت في هذا العصر”.
إلى ذلك، تواصلت الحملات الإعلامية عبر الشاشات، وتولت محطات الجديد و MTV و LBCI بث كليبات لأهالي الضحايا تدعو إلى المحاسبة والنزول بكثافة يوم 4 آب إلى المرفأ للمطالبة بمحاسبة المسؤولين، في وقت بثت محطة NBN التابعة للرئيس نبيه بري كليبا يدعو إلى وقف المتاجرة بدماء الضحايا، ويقول “بدكن الحقيقة علقوا الحصانات في الدستور من رأس الهرم إلى كل وزير ونائب وموظف”.