دأب باسيل في الآونة الأخيرة على وصف جعجع بـ «المجرم» في محاولة لتشويه صورته ثم التحالف مع «حركة أمل» التي كان يتهمها بالتواطؤ مع جعجع في ما سمّاه «كمين الطيونة».
بيروت ـ «القدس العربي»: يستغرب كثيرون التوتير الذي يجرّ تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر البلاد إليه كلما اقترب موعد الانتخابات النيابية وتسخير القضاء للاقتصاص من الخصوم السياسيين. وفيما البلاد كانت منشغلة بملاحقة حاكم مصرف لبنان وشقيقه رجا والادعاء على ستة مصارف من كبريات المصارف في لبنان ومنع رؤساء مجالس إدارتها من السفر والحجز على عقاراتهم وسياراتهم بحجة حفظ حقوق المودعين ثم منعهم من تحويل الأموال إلى الخارج، إذ بمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي يدّعي من منزله ومن دون سابق إنذار على رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بتهمة القتل والتحريض على الفتنة الداخلية وإثارة النعرات في أحداث الطيونة عين الرمانة، مع العلم أن الملف بات في عهدة القاضي فادي صوان الذي عمد تباعاً إلى إخلاء سبيل عدد من شبان عين الرمانة الذين لم يثبت أنهم أطلقوا النار على تظاهرة الثنائي الشيعي خلال انحرافها عن مسارها في اتجاه قصر العدل ودخولها إلى أحد الأحياء المسيحية في عين الرمانة وإطلاقها هتافات «شيعة شيعة» والبدء بتحطيم السيارات قبل أن يتصدّى لأفرادها عناصر الجيش اللبناني التي اضطرت لإطلاق النار.
وقد طرح هذا الادعاء من قبل القاضي عقيقي، المتزوّج من إبنة شقيقة الرئيس نبيه بري والذي سبق لجعجع أن نعته بمفوض حزب الله لدى المحكمة العسكرية، علامة استفهام حول الأسباب الموجبة في هذا التوقيت بعد أشهر على تلك الأحداث علماً أن جعجع لم يمتنع عن حضور جلسة استجوابه بشرط حضور الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أيضاً خصوصاً أن الشرائط والفيديوهات المصوّرة تظهر بوضوح وجوه المسلحين وهم يطلقون أعيرتهم النارية وقذائف الآر بي جي تجاه أحياء عين الرمانة من دون أن يستدعيهم أحد.
وسبق هذا الادعاء موقف للسيد حسن حذّر فيه شخصيات شيعية في البقاع من التحالف مع القوات اللبنانية، واعتبر أن «من يتحالف مع القوات في الانتخابات النيابية المقبلة إنما يتحالف مع قتلة شهداء كمين الطيونة». الأمر الذي استوجب من جعجع الرد قائلاً «بكل راحة ضمير وحقيقة وواقع، نقول، لكل من يتحالف مع حزب الله في الاستحقاق الانتخابي المقبل، انه يتحالف مع قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري على خلفية الحكم القضائي الدولي العالي المستوى الصادر في هذه الجريمة، والذي استكمل قبل شهر بالشكل الذي استكمل به، مروراً بجميع شهداء ثورة الأرز، وصولاً إلى شهداء جريمة انفجار مرفأ بيروت، هذا الانفجار الذي أصرّ حزب الله ولا يزال، على تعطيل تحقيقاته».
وفي غمرة الإجراءات القضائية والمواقف السياسية التي تهدف إلى تسجيل قوى 8 آذار نقاطاً قبيل الانتخابات النيابية وإلحاق الخسارة بالقوى السيادية واستغلال الخلاف القائم بين الرئيس سعد الحريري والقوات اللبنانية والعمل على زرع مزيد من الشرخ بين الطرفين، فاجأ بيان هيئة الرئاسة في «تيار المستقبل» الذي شجب الادعاء على جعجع الوسط السياسي مقدماً نموذجاً في الترفّع عن الخلافات ووضع الأمور في نصابها وإحباط خطط التيار الوطني الحر وحليفه حزب الله في زرع التفرقة واللعب على التناقضات لتحقيق المكاسب في الانتخابات وتكريس هيمنة حزب الله على برلمان 2022. فقد رأت هيئة الرئاسة في التيار في الادعاء «خطوة تسيء إلى القضاء اللبناني» وحذّرت من «الامعان في هذه السياسات العشوائية» سائلة «كيف يمكن للقضاء ان يكون عادلاً ونزيهاً ومتجرداً، عندما يلجأ إلى اتخاذ إجراءات استنسابية انتقامية لمصلحة فريق سياسي، وغض النظر عن جرائم مالية وسياسية وأمنية، ولا يحرّك ساكناً تجاه أحكام مبرمة صدرت عن أعلى السلطات القضائية في العالم بحق مجرمين شاركوا بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وقضايا مشابهة».
وتترقّب أوساط ما سيعلنه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظته الأحد من مواقف من هذه القضية ولاسيما أن البعض يربط بين الادعاء على جعجع وبين نجاح زيارة البطريرك الراعي إلى القاهرة وما تخللها من لقاءات بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيّب وأمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط ومن اثارة لمسألة حزب الله وضرورة تطبيق اتفاق الطائف وعدم تعكير العلاقات اللبنانية العربية، في مقابل فشل زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى الفاتيكان وما تخللها من مواقف دفاعاً عن حزب الله ومقاومته من قلب روما والايحاء بأن لا خطر على المسيحيين بوجود حزب الله. وذهب هذا البعض حد تشبيه تسخير القضاء لغايات سياسية والادعاء على جعجع اليوم بما حصل إثر المصالحة التاريخية في الجبل في عام 2001 بين البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير والزعيم الدرزي وليد جنبلاط حيث شكّلت هذه المصالحة أساساً للاستقلال الثاني وأغضبت النظام الأمني اللبناني السوري الذي نفّذ بعدها بثلاثة أيام حملة اعتقالات حينها طالت مناصرين للتيار العوني والقوات اللبنانية بما عُرف بأحداث 7 آب/أغسطس. لكن القواتيين يعتبرون أن التاريخ لا يمكن أن يعيد نفسه، وأن التهديد لن يستطيع ترويض جعجع ولا تخويف الناخبين المتلزمين بتوجهات معراب ولا حتى المستقلين والشيعة الأحرار الذين لا يدورون في فلك حزب الله. ويعتبرون أن هذا الاستدعاء مهّد له رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي دأب في الآونة الأخيرة على تكرار وصف جعجع بـ«المجرم» في محاولة لتشويه صورته وشد عصب تياره ثم التحالف مع «حركة أمل» التي كان يتهمها باسيل بالتواطؤ مع جعجع في ما سمّاه «كمين الطيونة». إلا أن ما فات فريق الممانعة هو أن هذه الحملة الممنهجة على جعجع قد تعطي مفعولاً عكسياً وتشكّل خدمة انتخابية للقوات التي يسخر رئيسها من إعلان نصرالله دعم حلفائه في ظل تراجع شعبية التيار الملحوظة في مختلف الدوائر، وغمز جعجع من قناة باسيل الذي لطالما رفع شعار حقوق المسيحيين وعدم انتخاب النواب المسيحيين بأصوات المسلمين حيث قال في حفل ترشيح النائب انطوان حبشي مجدداً عن المقعد الماروني في بعلبك الهرمل «إذا باتت حقوق المسيحيين تكمن في شحادة الأصوات واستجداء المقاعد، فهذا يعني غش بالتمثيل وضياع بالحقوق والهوية».
يجب محاكمة جعجع على اثر احداث الطيونة