بيروت ـ «القدس العربي»: تتواصل المواجهات الحدودية في جنوب لبنان ومحاولات التوغل البري من قبل القوات الإسرائيلية في ظل إعلان «حزب الله» عن الانتقال إلى مرحلة جديدة وتصاعدية في المواجهة مع إسرائيل، وقد نجح الحزب في نصب بعض الكمائن لجيش الاحتلال إلا أنه تكبد خسائر ضخمة بشرية وعسكرية في صفوفه.
وبعدما احتفل لبنان بعيد التحرير في 25 أيار/مايو 2000 وبعدما خرج أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله ليتحدث عن انتصار بعد حرب تموز/يوليو 2006 ها هي إسرائيل تعود لتهدد باحتلال أراض لبنانية تصل إلى جنوب نهر الليطاني، وها هو جيشها يعود ليرفع العلم الإسرائيلي بشكل منتهك للسيادة اللبنانية فوق عيتا الشعب وعدد من القرى الحدودية وينشر آلياته العسكرية داخل الأراضي اللبنانية.
ومن المعلوم أن معارك طاحنة شهدتها ثلاثة قطاعات هي: القطاع الشرقي على محور العديسة كفركلا، القطاع الأوسط على محور يارون، مارون الراس، بليدا، ميس الجبل ومحيبيب، والقطاع الغربي على محور الناقورة، اللبونة ورامية. فيما الاخلاءات شملت معظم القرى والبلدات التي تشكل البيئة الحاضنة للحزب في محافظتي الجنوب والنبطية وبالتحديد في أقضية صور وبنت جبيل ومرجعيون والنبطية وصولاً حتى إلى صيدا وجزين، في وقت بدت الضاحية الجنوبية لبيروت خالية من السكان بعد سلسلة الإنذارات من المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي التي تعقبها غارات مدمرة لمبان وأحياء بكاملها من دون إغفال منطقة البقاع الشمالي ومحيط بعلبك وهي مساحات تشكل حوالي 32 في المئة من مساحة لبنان. ولم يعد سراً أن تل أبيب تنوي إنشاء منطقة عازلة بعمق 5 كلم على الأقل على طول الشريط الحدودي، تكون خالية تماماً ليس فقط من قوة الرضوان التابعة لـ «حزب الله» بل من السكان المدنيين حتى لو انتهت الحرب ما ينذر بتحوّل مشكلة النزوح إلى قنبلة موقوتة. من هنا يُفهم نهج التدمير الكبير للقرى في تلك المنطقة وكذلك الطلب من قوات «اليونيفيل» إخلاء مواقعها.
وقد تكون هذه المخاوف من المنطقة العازلة ومنع النازحين من العودة إلى بيوتهم وحجم الدمار والخسائر التي مُني بها لبنان جراء العدوان الإسرائيلي هو الذي دفع برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى الانتفاض في وجه رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف في ظل الاتهامات لطهران باستخدام الحرب في لبنان كورقة للتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية وتحصيل المكاسب، ولم يكن تصريح قاليباف الذي أبدى فيه الاستعداد للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق القرار 1701 سوى النقطة التي أفاضت الكأس بعدما ضاق ذرعاً بالسياسات الإيرانية تجاه لبنان، فخرج عن صمته بشكل غير مسبوق ليعتبر التصريح «تدخلاً فاضحاً في الشأن اللبناني ومحاولة لتكريس وصاية مرفوضة على لبنان». وإذا كان موقف ميقاتي لقي ترحيباً فورياً من قوى المعارضة اللبنانية وخطوة جيدة ولو متأخرة في اتجاه استعادة هيبة الدولة وسيادة قرارها، فإن هذا الموقف المستجد من شأنه أن يقوّي موقف الدولة اللبنانية بعد الانطباع الدولي والعربي والمحلي أن لبنان الرسمي غير قادر على فعل شيء أو أنه عاجز عن الالتزام الفعلي بتطبيق القرار 1701 إذا تمت الاستجابة لوقف إطلاق النار.
ومن هنا جاء «لقاء معراب 2» الذي صدرت عنه دعوة لتطبيق القرارات 1559 و1680 و1701 ولانتخاب رئيس يؤسس لجمهورية لا سلاح فيها خارج سلاح الدولة ويعيد قرار الدولة الاستراتيجي إلى يدها ويتعهد بتطبيق القرارات الدولية لأنه لا يجوز أن يبقى لبنان الرسمي في موقع المتفرّج على حرب متواصلة بدون المبادرة في أي اتجاه. ولذلك جاءت مطالبة معراب برئيس على طريق إعادة تكوين سلطة لا تشبه السلطة الحالية.
ولمواجهة مثل هذا الرهان جاء تشدد من قبل المعارضة في مواصفات الرئيس العتيد وألا يكون من خط الممانعة لأن المرحلة لم تعد تحتمل أنصاف الحلول. وفي وقت خرج اللقاء الثلاثي في عين التينة بين كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ببيان يدعو إلى رئيس وفاقي، تصدّت طهران لمثل هذا التوجه وجاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي وبعده زيارة رئيس مجلس الشورى لتبدّل هذا الخيار وليرفض البحث في الاستحقاق الرئاسي قبل وقف إطلاق النار. وهذا ما صرّح به علناً نائب أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الذي نفى أن يكون «الحزب» في موقع ضعف، مؤكداً أنه أعاد ترتيب وضعه التنظيمي وذلك في رد على الجهات التي ركزت على انتخاب الرئيس في هذا الوقت ما أثار ريبة «الحزب» ومن خلفه إيران التي لا تريد أن يستثمر أحد انشغال «حزب الله» بالحرب مع إسرائيل من أجل تمرير انتخاب رئيس ما يفقدها ورقة تفاوضية بيدها.